كتبنا خلال الأسبوع الماضى عن تاريخ الحياة النيابية فى مصر، وقراءة سريعة للسطور، تجد أن البرلمان فى مصر كان كيانًا بالروح متمما للشكل الخارجى ولأركان الدولة، فكان يحمل نواب غير قادرين على سحب الثقة من الحكومات.. وحكومات تحاسب نوابًا للشعب خلافًا للدساتير المتعاقبة وإخلالًا بالمبدأ الذى من أجله أنشئ البرلمان، ونستطرد اليوم الحديث عن الحياة النيابية عقب ثورة يوليو هل تغير الوضع على الرغم من احترامنا العميق للزعيم الخالد جمال عبدالناصر؟ إلا أن البرلمان فى فترة حكمه كان برلمانًا مغلول الحركة منزوع الصلاحيات، ففى يوليو 1957 كان البرلمان الأول واستمر حتى فبراير 1958 أى 7 أشهر، وتم حل البرلمان بمناسبة إتمام الوحدة المصرية السورية. وأعلن الرئيس جمال عبدالناصر دستورًا مؤقتًا، يعطى لرئيس الجمهورية سلطات أوسع من تلك، التى منحها له دستور 1956، وهذا أضعف من سلطة المجلس النيابى أكثر من ذى قبل، وفى يونيو 1960 تشكل مجلس الأمة للجمهورية العربية المتحدة، وقد بلغ عدد أعضائه 600 عضو.. 400 من مصر و200 من سوريا، واستمر حتى الانفصال عن سوريا فى سبتمبر 1961، وظلت مصر بلا برلمان حتى عام 1964، وفى مارس من نفس العام تم تشكيل مجلس الأمة، الذى كان يضم على الأقل 50٪ عمال وفلاحين، وفقًا لقانون الانتخاب، وطبق عليه قانون العزل السياسى لمن أفسدوا الحياة الحزبية قبل الثورة، وكان أطول البرلمانات عمرًا فى عهد الزعيم الراحل، واستمر حتى عام 1968، ومع بدايات عام 1969 تم انتخاب مجلس الأمة الرابع الذى مارس عليه الاتحاد الاشتراكى، وخصوصًا التنظيم الطليعى سيطرة كبيرة فمن بين أعضاء المجلس البالغ عددهم 350 عضوًا كان هناك 304 من أعضاء الاتحاد الاشتراكى، ومارست السلطة التنفيذية ممثلة فى الاتحاد الاشتراكى والاتحاد القومى هيمنتها على السلطة التشريعية، فكان إسقاط عضوية الاتحاد الاشتراكى عن النائب تعنى إسقاط عضويته فى البرلمان، وكان الاتحاد الاشتراكى يقوم بالعمل التوجيهى والرقابة، بينما يقتصر دور مجلس الأمة أو البرلمان على تنفيذ سياسة الاتحاد. ثم جاء عهد السادات وكان البرلمان الوحيد الذى أكمل مدته الدستورية هو برلمان 1971، وهى 5 سنوات كاملة، ومع إعادة الحياة الحزبية عام 1976 التى كانت تعمل فى نظام أقرب للحزب الواحد، إذ أن الحزب الحاكم كان يحتكر السلطة والنفوذ، ويرتب التشريعات والعلاقات بين أجهزة الدول بما يجعل الحاكم وحزبه مصيرًا حتميًا يستحيل تغييره. وتشكل برلمان 1976 والذى أصدر السادات قرارًا جمهوريًا بحله بسبب اعتراض بعض نوابه على معاهدة السلام «كامب ديفيد»، على الرغم من أن كل من اعترضوا على تنفيذ المعاهدة هم 13 نائبًا فقط، والتى لم تعرض على البرلمان من الأساس، على الرغم من أن «السادات» هو من أطلق مسمى مجلس الشعب بدلًا عن مجلس الأمة، إلا أن برلمان السادات لم يختلف كثيرًا عن البرلمانات السابقة فى مصر، فجميعها قابلة للحل على الرغم من أنف الشعب، ويأتى عهد الرئيس الأسبق مبارك استمرارًا لمسلسل الحل فحل برلمان 1984 وبرلمان 1987 بحكم الدستورية، ولحق برلمان 1990 بما قبله، إلا أن «مبارك» رفض تنفيذ الحكم فى حق برلمان 1990، واستمر فى عمله لمدة 4 أشهر ودعي الشعب بعدها للاستفتاء على حل البرلمان، ولأول مرة يُحل البرلمان بأمر الشعب لا بحكم المحكمة الدستورية، التى نكن لها كل الاحترام ولا بقرار جمهورى. ولا يخفى على أحد أن برلمان 2010 تم حله بقرار من المجلس العسكرى عقب قيام ثورة 25 يناير، التى أتت ببرلمان الإخوان عام 2012، والذى تم حله هو الآخر بحكم من الدستورية العليا. خلاصة القول لا أريد بكلماتى هذه أو أتمنى حدوث تصادم بين السلطة التشريعية والنظام الحاكم، ولكن كل ما نتمناه وننتظره من البرلمان المقبل أن يتغير الوضع وأن يتحرك الجميع فى إطار الدستور والقانون، وتحت سمع وبصر الشعب، وأن يحدث التكامل والكمال لله وحده لمصلحة الوطن، ولصالح هذا الشعب، وإن كان لا بد من حل البرلمان، فيكون باستفتاء شعبى لأن الشعب هو من اختار نوابه، وله وحده الحق فى حله لا بحكم محكمة ولا بقرار من الرئيس احترامًا لإرادة الشعب أيضًا.