يبدو أن 2016 قادم ولديه عزم على إحداث تراجع كبير للتيار الإسلامى على جميع أصعدته وأشكاله وتنظيماته، حيث تنذر المعطيات الأولية التي شهدها عام 2015 بتراجع كبير للسلفيين وانهيار للإخوان وإيقاف التمدد الداعشى في الوطن العربى والنتائج المخيبة للنور والدعوة السلفية في الانتخابات والانهيار التنظيمى داخل الإخوان، وفقدان «داعش» أراضى كثيرة في العراقوسوريا خير دليل على تلك المؤشرات. «داعش» خسر 14٪ من مساحته والبقية تأتى.. والسلفيون عادوا للجحور.. الإخوان يتصارعون فيما بينهم والجماعة آخذة في التحلل السلفيون إلى «البيات الشتوى» لا يبدو أن عام 2016 سيشهد أمورا طارئة جديدة على السلفيين في مصر، خصوصا بعد أن شهد عام 2015 انحسارا كبيرا للمد السلفى الذي ضرب البلاد بعد ثورة يناير، حيث ظهر على السطح أكثر من 11 حزبا سلفيا وجمعيات ممثلة له من «الدعوة السلفية» وحتى «الجبهة السلفية» و«حازمون» و«السلفية الحركية» و«السروريين» وغيرها من حركات سلفية ظهرت على سطح المشهد طوال الأعوام الأربعة الماضية. ولم تحمل نهاية 2015 بشرى جيدة للسلفيين الذين لم يتبق منهم في المشهد السياسي سوى الدعوة السلفية وحزب النور ممثلها، حيث شهد الحزب تراجعا كبيرا في الأوساط الشعبية أسفرت في النهاية عن حصوله على 12 مقعدا في البرلمان، رغم ترشحه على كل مقاعد الفردى، ودخوله بقائمتين في الدلتا أبرز معاقله من الإسكندرية والبحيرة وفى القاهرة، فخرج «صفر اليدين» من القوائم، محملا بمزيد من الهزائم. وعلى ما يبدو فإن عام 2016 لن يكون مختلفا، وسيكون مشابها لنهاية 2015، فبالنسبة للدعوة السلفية تعانى من اضطرابات داخلية على خلفية إقصاء ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية للشيخ سعيد عبدالعظيم النائب الثانى، والدكتور محمد إسماعيل المقدم وأبو حطيبة وسيد عفانى، والانفراد بالدعوة، وهو ما تسبب في خلافات داخلية بين الشباب، وتسبب في حالة من القلق، وما زادها هو الخسارة الكبرى للحزب في الانتخابات التي قد تشهد أيضا تغييرات كبيرة، حيث ينوى برهامى الإطاحة بعدد من قيادات الهيئة العليا للحزب، وقد تطول يونس مخيون رئيس الحزب، وتصعيد أشرف ثابت نائب رئيس الحزب بدلا منه. وعلى الرغم من الغياب الكبير للجبهة السلفية طوال 2015، خصوصا أنها بدأت العام بدعوة عنيفة، وهى رفع المصاحف في شهر فبراير، الدعوة التي صاحبها فشل كبير، واختفت باقى العام، وهرب قياداتها على رأسهم خالد سعيد ومحمد جلال إلى تركيا معقل الإخوان والإسلاميين الهاربين هناك، بينما ألقى القبض على أحمد مولانا المتحدث باسمها بتهمة التحريض على العنف ولم يعد لها وجود. وعن مشايخ السلفيين فلن يكون الحال أفضل كثيرا، فغالبية مشايخ التيار السلفى، على رأسهم الشيخ أبوإسحاق الحوينى ومحمد حسان ومصطفى العدوى ومحمد حسين يعقوب، فضلوا الغياب عن المشهد السياسي والإعلامي بشكل عام طوال العام، وعادوا إلى المساجد، رغم الخلافات مع وزارة الأوقاف، بسبب رفضها منحهم تصاريح الخطابة، إلا أن نهاية العام الحالى شهدت انفراجة بتركهم يصعدون للمنابر من جديد، كما أعيد افتتاح قناة الرحمة والندى وقنوات سلفية أخرى. وتقول المعطيات إن الحالة التي يعيشها التيار السلفى تنبئ عن إمكانية عودته إلى ما قبل 25 من غياب عن المشهد السياسي المصرى، باستثناء بعض الأصوات القليلة من السلفية الحركية السرورية، التي يمثلها الشيخ محمد عبدالمقصود الهارب إلى تركيا، وبعض القيادات السلفية الهاربة إلى الخارج. من المتوقع أن يشهد عام 2016 نهاية للأحزاب السلفية فيما عدا حزب النور وحزب الوطن الذي يرأسه عماد عبدالغفور مساعد الرئيس المعزول محمد مرسي الذي يجتمع قياداته على استحياء كل فترة كبيرة، يكتفى بإصدار بيان أو اثنين فقط دون أي نشاط سياسي أو شعبى، بينما يغيب باقى الأحزاب السلفية التي صعدت بعد الثورة ومنها «الأصالة والفضيلة والإصلاح» وغيرها. «داعش» يتآكل عام 2015 كان الأصعب في حياة تنظيم الدولة الإرهابى «داعش»، رغم الانتصارات والتمددات التي حققها في دولته الإسلامية المزعومة، في العراقوسوريا وليبيا - دولته الجديدة في شمال أفريقيا - التي لفتت الأنظار إليه بعد الضربات الموجعة له من قبل التحالف الدولى، والقوات الروسية التي بدأت حربها في أواخر 2015. تلقى التنظيم الإرهابى ضربات موجعة خلال عام 2015، وخسر في التقديرات البحثية 14٪ من مجموع الأراضى التي كان يسيطر عليها، لكن على صعيد آخر نجح التنظيم في التمدد في الشمال الإفريقى في ليبيا، في محاولة منه للهرب من وقع الضربات في سورياوالعراق، ولتكون مركزًا جديدًا لمقاتليه في أفريقيا. 2016 لا يبدو عام خير ل«داعش»، بسبب التحالفات العسكرية التي أعلنت حربها ضده في كل البقع التي تشهد عنفًا.. التحالف الدولى، التحالف العسكري الإسلامى، الضربات الروسية، والضربات الفرنسية والبريطانية والإيطالية قريبًا في ليبيا، بعد التمدد الفيروسى للتنظيم في محافظات الجماهيرية الليبية، حيث سيطر على مدن بأكملها «سرت، صبراتة»، وفى طريقه لإسقاط أجدابيا والسيطرة على الوسط الليبى، ما لم تكن هناك ضربات مصرية، إن تطورت الأوضاع على الحدود الغربية. جملة الخسائر التي تكبدها التنظيم في 2015، تخطت عشرات المناطق، حيث فقد مدينة «تل أبيض» على الحدود السورية التركية، والتي لا تبعد عن معقله في الرقة سوى 85 كيلومترًا، وبسببها أصبح التنظيم محاصرًا من ناحية تركيا، منفذ عناصره من بداية نشأته في العراقوسوريا، وخسر أيضًا مدينة «تكريت» العراقية، ثم مصفاة «بيجى»، أكبر مصافى النفط في العراق، وتوالت الخسائر بعد قطع طريق الإمداد من الموصل العراقية إلى الرقة السورية. بين بداية 2015 وحتى منتصف ديسمبر، خسر التنظيم 128 ألف كيلومتر من جملة أراضيه، لتنحصر أراضيه في حدود 78 ألف كيلومتر مربع، - بحسب مراكز دراسات وأبحاث تختص برصد التحركات الإرهابية حول العالم - إضافة إلى خسارة عناصر هامة له، وهو ما دفع ببقية القيادات التنظيمية للهرب إلى ليبيا، عاصمتهم الجديدة. التنظيم أعلن العداوة صراحة للدولة المصرية، التي تخوض حربًا شرسة ضد الإرهاب في سيناء، فقام بإعدام 21 مصريًا ذبحًا على مرأى ومسمع من الجميع، الأمر الذي تبعته غارات جوية صريحة للطيران المصرى، معلنة أن أي تهديدات لمصر سيتم القضاء عليها. بسبب تلك الضربات تكبد التنظيم خسائر فادحة في «درنة» معقله الأول في ليبيا، وانهارت أركان دولته بها، وبدأ بعدها توسيع الأفق للتمدد تجاه الشمال الغربى، باتجاه تونس، إضافة إلى العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش في سيناء ضد «أنصار بيت المقدس»، وأوشكت في القضاء عليه، ليكون عام 2016 شاهدًا على القضاء على معاقل التنظيم داخل مصر، حسب ما أعلنت الدولة المصرية. اقتصرت نجاحات التنظيم في معقله الرئيسى على تدمير مدن أثرية بأكملها، وهو ما يحتسبه عناصره انتصارًا للشريعة، حيث تم تدمير تراث مدينة تدمر التاريخية، واستولى على مدينة الرمادى بمحافظة الأنبار العراقية، لكن من المتوقع مع بداية 2016، أن يتم استرجاع المدينة، لأنه محاصر بداخلها في الوقت الحالى. ومن تلك النجاحات، نجح التنظيم في تنفيذ ضربات قوية خارج أراضيه، خصوصا أحداث باريس الدامية، التي تسببت في حالة من الخوف والهلع التي أصابت القارة العجوز، بخلاف تمدده في ليبيا، وسيطرته على مواقع جديدة بصفة شبه يومية. وفقد التنظيم الإرهابى القدرة على المبادرة والتقدم بعد الهزيمة التي لحقت به في سورياوالعراق، فهو دائمًا ما يصف خسائره بالانسحاب والخيانة، حفاظًا على معنويات مقاتليه، بعد أن خسر أكثر من 1000 من عناصره خلال معارك «كوبانى»، بينهم قيادات متقدمة. حسب ترجيحات أساتذة الرأى فإن عام 2016 بداية النهاية للتنظيم، حيث أصبح محاصرًا في كل معاقله، وخلال أيام سيتم ضربه في ليبيا، فالجميع يتفق على أن ضربات التحالف الدولى الجوية ساهمت في الحد من قدرات داعش، لكن ما تحقق مؤخرا يثبت أن الحسم يكون على الأرض، وهو المرجح للتعامل بعد انعقاد التحالف العسكري الإسلامى. شروخ وانقسامات تضرب الإخوان على ما يبدو أن نهاية 2015 ستلقى بظلالها على جماعة الإخوان، وقد تكون سببا رئيسيا في انهيارها، وقد يشهد مطلع العام المقبل انقسام جماعة الإخوان المسلمين في الداخل والخارج إلى أربع مجموعات، الأولى هي الأشد تطرفًا، والثانية فهى مختلطة بين العنف والسلمية التي تضم معظم القيادات التاريخية ويقودها «محمود عزت» وتتبنى فكرا متشددا، والثالثة تتشكل من بعض العناصر التي كانت غير منتمية للجماعة قبل الثورة، لكنها انضمت إليها فيما بعد، والأخيرة هي المجموعة الأكبر عددا التي صدمت بالإحباط من قيادات الجماعة والتي بدورها ستتوجه إلى العنف. وترجع أزمة الإخوان إلى منتصف العام المنصرم، حيث شهدت جماعة الإخوان المسلمين «الإرهابية»، أحداثًا مختلفة، أتت على أثرها بأزمات طاحنة داخل الجماعة أوشكت على إفنائها على الساحة السياسية في مصر والخارج، إلا أنها تحاول بقدر الإمكان بث الأمل الأخير لدى أعضائها ومناصريها، الأمر الذي أصبح مألوفًا لدى الجميع داخليًا من تخلخل الجماعة ومحوها من الوجود. ونتيجة للفشل الذي تغلغل داخل أفراد الجماعة عقب اعتلائهم سدة الحكم، إلا أنهم لم يكن لديهم أي جديد ليقدموه داخل الجماعة من إحداث بعض التغييرات والتعديلات، ولكنها سقطت في بئر الفشل التي لم تحاول الصعود منها، ولكن ردم عليها بمزيد من الفشل الواحد تلو الآخر، حتى بدأ الصراع والفشل يتغلغل داخل الجماعة، حين بعث القيادات التاريخية رسالة لأعضاء مجلس الشورى تولى ستة من مكتب الإرشاد إدارة الجماعة بتواصل مع القائم بأعمال المرشد «محمود عزت»، ومحمود حسين العضو السابع، حيث تم الاتفاق على تعيين ستة جدد من خارج مكتب الإرشاد، وتكوين «لجنة» للإدارة، وليس مكتب إرشاد، وقتها ظهر «محمد عبدالرحمن» وبعثت هو الآخر برسالة يشكك فيها قيام جبهة عزت بما سبق، إلا أنه أكد ذلك لعدم بلوغ الاجتماع النصاب القانونى، وأن من يدير الجماعة هو أكبر الأعضاء سنا، وتولى أحد الأعضاء مسئولية الأمانة. ظهرت تلك الأزمة والصراعات داخل الجماعة في منتصف العام، بين جبهتين تزعم كل منهما إدارة الجماعة، حيث مثلت الأولى بقيادة «محمود عزت»، والثانية «محمد كمال»، وتفرد كل منهما في إصدار القرارات التي أدت إلى جلبة داخليًا وخارجيًا على مستوى الجماعة، وتحديدًا عقب البيانين اللذين أصدرتهما جبهة «عزت» الأول بعزل «محمد منتصر» المتحدث الإعلامي باسم الجماعة، وتولى «طلعت فهمى» منصبه، والثانى بعزل لجنة إدارة الأزمة بالخارج وتولى مكتب إخوان الخارج مهامه، الأمر الذي دفع جبهة «كمال» إلى رفض مثل تلك القرارات واشتعلت الصراعات داخليا، وأكدوا أنها قرارات فردية ولا قيمة لها. وترى «القيادات التاريخية» المتمثلة في «عزت» بأنها تمتلك الشرعية الكاملة المتمثلة في «مجلس الشورى ومكتب الإرشاد والقائم بأعمال المرشد»، وأن مبدأ «سلميتنا أقوى من الرصاص» هي سياسة الجماعة التي أقرها مجلس الشورى مرتين متتاليتين، في اعتصام رابعة، وفى فبراير 2014، ولا يحق لأى طرف تجاوز هذه السياسة كائنا من كان دون الرجوع لمجلس الشورى، أما «الجديدة» المتمثلة في «كمال» فترى أنها تمتلك شرعية كاملة لإدارة الجماعة، حيث إنها حملت عبء إعادة الجماعة للحياة مرة أخرى، وأن الرؤية الثورية بكل خياراتها، بما فيها الخيار العنيف، هو مطلب الصف، وخاصة الشباب، وأن على القيادة تفهم هذه المتطلبات وتبنيها. وبتصاعد تلك الأزمة، رفضت قيادات الجماعة اللجوء إلى التحكيم فيما بينهم لفض تلك النزاعات والسير على مبادئ المؤسس «حسن البنا»، والعنت المتزايد لدى الطرفين، الذي يهمش بشكل كبير شريحة مهمة من شباب الجماعة في الداخل الذي يتردد في البقاء أو الانشقاق الكبير داخل الجماعة الذي سيهددها فعليًا بعد تراجع نسبة الفاعلين داخل الجماعة إلى مستويات مقلقة.