وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط يشيد بقمة «شرم الشيخ للسلام»    أمطار في هذه الأماكن وسحب منخفضة.. الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة    تهشم سيارة الفنانة هالة صدقي في حادث تصادم بالشيخ زايد    إسرائيل تتسلم 4 توابيت ل رفات الرهائن المتوفين (فيديو)    صحيفة أجنبية: أوروبا تواجه خطر تهديد بنيتها الأمنية منذ الحرب العالمية لتضارب المصالح    حقيقة إلقاء جماهير الإمارات آيفون على اللاعبين بعد ابتعاد حلم المونديال    نجم الزمالك السابق يكشف عن «أزمة الرشاوي» في قطاع ناشئين الأبيض    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان خطأ    زيادة كبيرة في عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب ترتفع 600 للجنيه اليوم الأربعاء بالصاغة    الأخضر يهبط لأدنى مستوى.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 15-10-2025    هتكلفك غالي.. أخطاء شائعة تؤدي إلى تلف غسالة الأطباق    ظهور دم في البول.. متى يكون الأمر بسيطًا ومتى يكون خطرا على حياتك؟    وزير العمل: محاضر السلامة المهنية تصل إلى 100 ألف جنيه    ارتفاع مفاجئ في الضاني وانخفاض الكندوز، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    تعرف على المنتخبات المتأهلة لكأس العالم بعد صعود إنجلترا والسعودية    رونالدو يحقق رقما قياسيا جديدا في تصفيات كأس العالم    نتيجة وملخص أهداف مباراة إيطاليا والكيان الصهيوني في تصفيات كأس العالم 2026    أحمد نبيل كوكا يطلب أكثر من 30 مليون جنيه لتجديد عقده مع الأهلي    بالصور.. محافظ الغربية في جولة بمولد السيد البدوي بمدينة طنطا    تباين أداء الأسهم الأمريكية خلال تعاملات اليوم    السجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لتاجر مخدرات في قنا    عمقها 30 مترًا.. وفاة 3 شباب انهارت عليهم حفرة خلال التنقيب عن الآثار بالفيوم    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل طالبة بولاق الدكرور هنا فرج    وفاة طالب صعقا بالكهرباء داخل معهد ديني بالمنيا    سوق الفيلم الأوروبي في مهرجان برلين السينمائي يُطلق أكاديمية توزيع «صندوق أدوات الأفلام»    اليوم، إغلاق الزيارة بالمتحف المصري الكبير استعدادًا للافتتاح الرسمي    رابطة العالم الإسلامي تتطلع لمخرجات قمة شرم الشيخ لتخفيف معاناة غزة    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو اقتصاد الإمارات إلى 4.8% في العام الحالي    وكيل صحة كفر الشيخ يتفقد وحدة طب الأسرة بقرية المرازقة    إسبانيا تكتسح بلغاريا برباعية في تصفيات المونديال    مصرع شخصين في تصادم سيارتي نقل على الطريق الصحراوي الغربي بالمنيا    رسميًا.. موعد امتحانات الترم الأول 2025-2026 في المدارس والجامعات وإجازة نصف العام تبدأ هذا اليوم    مندوب فلسطين بالجامعة العربية: قمة شرم الشيخ محطة فارقة وضعت حدا للعدوان    كوت ديفوار تعود إلى كأس العالم بعد غياب 12 عاما    ازدحام مروري سيعرقل مسارك.. حظ برج القوس اليوم 15 أكتوبر    «توت عنخ آمون يناديني».. الكلمات الأخيرة ل «كارنافون» ممول اكتشاف المقبرة الملكية (فيديو)    لدورها الريادي في نشر المعرفة: مكتبة مصر العامة بقنا تحصد جائزة «مكتبة العام المتنقلة 2025»    معرض حى القاهرة الدولى للفنون فى نسخته الخامسة لمنطقة وسط البلد لعرض أعمال ل16 فنانا    أكرم القصاص: على الفصائل الفلسطينية إعادة ترتيب أولوياتها وتوحيد الصف    كم تبلغ تكلفة إعادة إعمار غزة؟ مندوب فلسطين يكشف    مصر ومؤتمر السلام بشرم الشيخ: من الدبلوماسية الهادئة إلى توظيف الزخم سياسيا واقتصاديا وسياحيا.. وجود القاهرة على أى طاولة تفاوض لم يعد خيارا بل ضرورة.. وتصريحات ترامب عن الجريمة فى بلاده اعتراف أن مصر بيئة آمنة    أسعار الموز والتفاح والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025    ترامب يكشف تفاصيل محادثته مع حماس بشأن نزع السلاح: سنتدخل بالقوة لو لم يفعلوا    في 3 أيام .. وصفة بسيطة لتطويل الأظافر وتقويتها    باختصار.. أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. تجدد الاشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية.. نتنياهو: لن ندخر أى جهد لإعادة رفات المحتجزين فى غزة.. 90% من شوارع قطاع غزة تضررت جراء الحرب    هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح    متى يكون سجود السهو قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح حكم من نسي التشهد الأوسط    السفير صلاح حليمة: الاحتجاجات في مدغشقر تطورت إلى استيلاء على السلطة بحماية النخبة    الجامعة الأمريكية تنظم المؤتمر ال 19 للرابطة الأكاديمية الدولية للإعلام    مدير مكتب تأهيل الخصوص في تزوير كروت ذوي الإعاقة: «طلعتها لناس مكنش ليهم محل إقامة عندي» (نص التحقيقات)    طريقة عمل شيبسي صحي في المنزل.. بدون أضرار    ورشة عمل لاتحاد مجالس الدولة والمحاكم العليا الإدارية الإفريقية    ب36 شخصية رفيعة.. قارة آسيا تتصدر الحاصلين على قلادة النيل    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    جامعة جنوب الوادي تنظم ندوة حول "التنمر الإلكتروني"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب نهاية كهنة المعبد (3) ... إبراهيم عيسى ممثل النخبة المرتبكة فى الصراع على الرئيس
نشر في البوابة يوم 18 - 12 - 2015

- اقترب من «المجلس العسكري» بعد «25 يناير» ولما أدرك أنه سيحترق ابتعد وقصف «رأس طنطاوى»
أراد ب«مقال الستين ساعة» أن يقول للجميع إنه «رجل الرئيس القادم» فلما رفض «السيسى» وجود «كهنة» بدأ فى الهجوم على النظام
العام 2008.. كنت أبحث عن التكوين النفسى والاجتماعى لصناع صحافة الإثارة فى مصر، ضمن مقابلات متعمقة لإنجاز رسالتى للدكتوراه، تواصلت مع عبدالله كمال، الذى كان وقتها رئيسًا لتحرير جريدة ومجلة «روزاليوسف»، وإبراهيم عيسى الذى كان رئيسًا لتحرير «الدستور» فى إصدارها الأسبوعى، راوغنى عبدالله واستجاب إبراهيم على مضض.
المصادفة وحدها جعلتنى أجرى مقابلة بعد لقاء إبراهيم مع أستاذنا الدكتور فاروق أبوزيد، كبير خريجى كليات ومعاهد الإعلام فى مصر، وجدته يقول لى بلا مقدمات: لديك مثلًا عبدالله كمال الذى يدافع عن نظام مبارك بصرامة، وإبراهيم عيسى الذى يهاجم هذا النظام بعنف، أتخيل فى لحظة معينة أن كلًا منهما يمكن أن يحتل مكان الآخر، إبراهيم يدافع عن النظام وعبدالله يهاجمه، فكل منهما مشروع خاص، لا ينظر إلا لمصالحه وحدها، ولو تبدلت مصلحتهما لاحتل كل منهما مقعد الآخر.
لم تتحقق نبوءة فاروق أبوزيد إلا بعد سنوات، تحول إبراهيم عيسى لمدافع شرس عن نظام السيسى، بينما كان عبدالله يناوشه، وأعتقد أن الأقدار لو كانت كريمة مع عبدالله كمال أكثر من هذا وامتد فى عمره (توفى فى 13 يونيو 2014، أى بعد اعتلاء السيسى كرسى الرئاسة بأيام قليلة) لأصبح لدينا معارضًا، واضح الموقف، حاد العبارات، فلم يكن النظام ليستريح لعبدالله كمال، ولا كان عبدالله سيستريح له.
بنى إبراهيم عيسى مجده بعبارتين، الأولى صاحبته فى تجربته الأولى، عندما أصدر الدستور فى العام 1996، يومها كان يقول إنه يريد تغيير العالم، أصدر صحيفة مختلفة، كانت الدستور هى الصحيفة الأولى فى مصر بلا منازع، ولما ركبه الغرور، واعتقد أنه لا أحد أقوى منه، ولا تستطيع قوة أن تغلق صحيفته، صدر القرار فى دقائق، لتغلق الدستور أبوابها فى فبراير 1998، ومنع تداولها فى مصر، فقد كانت صحيفة قبرصية.
قضى إبراهيم سبع سنوات بعيدًا عن جريدته، حاول خلالها أن يصدر عددًا من الصحف، لكن النظام حال بينه وبين أن تكون لديه صحيفة، وهذا سجل طويل سيأتى وقت لنرويه، بما فيه من حقائق وأكاذيب، فقد كنت شاهدًا على بعض فصوله، كان إبراهيم يصور للجميع أن النظام يحاربه بغرض تخويفه، بينما سمح له بالكتابة فى عدة جرائد، وقدم لأول مرة برنامجا تليفزيونيا على شاشة دريم، بما يعنى أنه لم يكن ممنوعا بشكل كامل، فقد حاصروه، لكن تركوه يتنفس، كما جرت عدة صفقات ليُصدر من خلالها صحفًا، لكنه كان يفسدها بشروره، واعتقاده أنه لا يزال قادرًا على تغيير العالم.
العبارة الثانية كانت فى العام 2005، عندما سمح له نظام مبارك بإصدار صحيفة «الدستور» كجريدة مصرية، أصدرها بقناعة أنه صاحب رسالة، ومكلف من عموم الشعب المصرى بتغيير النظام، فحمل على كتفيه الآية الكريمة «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى» وكان الفرعون هو مبارك، الذى لم ينس إبراهيم ثأره عنده فى أى لحظة.
فى المرة الثانية لم يكسر «مبارك» إبراهيم عيسى لأنه كان يعارضه، ولكن لأنه فتح جريدته للإخوان المسلمين، عدو النظام التقليدى، صنع منهم أبطالًا، وتعامل معهم على أنهم أشرف من فى مصر، وصدرت أعداد كثيرة من «الدستور» كنت تشعر أنها مكتوبة بالكامل فى مكتب الإرشاد بالمنيل.
أنكر إبراهيم أنه عقد صفقة مع الإخوان، يدافع عنهم مقابل أن يشتروا صحيفته، وأنا أصدقه تمامًا، فلم يكن فى حاجة لعقد صفقة ليشتروا، كان يكفيه ويكفيهم أن يتحول إلى صوتهم، ليصبحوا زبائنه بالأمر الإخوانى المباشر، وكان لا بد من نهاية فدخل على الخط رجل الأعمال والسياسة السيد البدوى، فخلع إبراهيم من جريدته، ليمنحه طاقة جديدة وحيوية، تجعل الشارع ينظر إليه على أنه البطل الوحيد الذى قال لمبارك فى عز سطوته وجبروته «أنت طاغية».
لم يكن هذا صحيحًا بالمرة، فلم يكن إبراهيم عيسى وحده من وقف فى وجه مبارك، فعلها قبله عبدالله السناوى، رئيس تحرير جريدة العربى الناصرى، التى كان يعاونه فى إصدارها عبدالحليم قنديل، الذى دفع ثمن معارضته الحقيقية لمبارك وزوجته ونجله «علقة ساخنة»، وإجباره على أن يسير عاريًا فى الصحراء، بينما لم يتعرض إبراهيم لأى شيء، بل حصل على عفو من مبارك بعد حملة مفبركة نشرها عن صحة الرئيس، ويومها قال مبارك إنه لا يحب أن تكون هناك خصومة بينه وبين أحد مواطنيه، فتقبل إبراهيم العفو شاكرًا ومهللًا.
بعد ثورة 25 يناير عاش إبراهيم حالة نادرة من الانتشاء السياسى والمهنى، ليس لأن خصمه اللدود مبارك سقط من على عرشه، بكلمة الشعب الذى كان يريد إسقاط النظام، ولكن لأنه كان يشعر أنه كان واحدًا ممن أسقطوه، ليس لأنه دفع بالإخوان إلى مقدمة المشهد، فى مخالفة صريحة لمبادئه وما يعتقده، ولا لأنه احتضن البرادعى ودافع عن مشروعه ووقف إلى جواره وأسهم فى صياغة تويتاته، ولا لأنه كان أحد آباء حركة 6 أبريل، كانوا يرجعون إليه فى كل خطوة يتخذونها، قال هذا أحمد ماهر، مؤسس 6 أبريل فى رسالة كتبها من سجنه، وأقر فيها أن إبراهيم كان مستشارهم يعودون إليه ويستشيرونه، ولا يفعلون شيئًا إلا بعد أن يسألوا: «وهيما رأيه إيه؟»، ولكن لأنه كان يعتقد أنه يستطيع أن يحرك الشارع بمقالة يكتبها بلغته الإنشائية الخطابية الخالية من أى معلومة، فلم يكن إبراهيم عيسى يومًا «صحفى معلومات» ولن يكون.
مثل كثيرين اقترب إبراهيم عيسى من قيادات المجلس العسكرى، لكنه عندما أدرك أنه سيحترق، ابتعد سريعًا، وبدأ فى وصلة الهجوم، ولأنه لا يجيد اللعب مع الكبار، فقد قصف رأس المشير طنطاوى أكثر من مرة، علل هو ذلك بأنه ابتعد عن المجلس العسكرى من ناحية لأنه لم يحسن التصرف فى أحداث محمد محمود فى نوفمبر 2011، ومن ناحية ثانية لأنه مكّن الإخوان من رقبة البلد.
من هذا السبب تحديدًا يمكن أن ندخل لعلاقة إبراهيم عيسى بعبدالفتاح السيسى، وهنا لا بد أن نعود إلى مقال إبراهيم الذى كتبه فى جريدة «التحرير»، العدد الأسبوعى فى 23 يناير 2014، فيه قال إبراهيم إنه يبرئ السيسى مما فعله المجلس العسكرى من تمكين الإخوان من مفاصل البلد، وعلل هو ذلك متطوعًا بأنه وقتها لم يكن مشاركًا فيما حدث، حسب ما يقول: «كنت أعرف وبشكل شديد الدقة مشحون بالتفاصيل أن السيسى يتحفظ تماما على الإخوان ودورهم ولعبتهم، لكن القرار وقتها كان قرار من يقرر لا من يفكر».
كان عنوان مقال إبراهيم هو «قبل أن يصبح السيسى السيد الرئيس»، وفيه كشف لأول مرة عن علاقة خاصة جمعته باللواء عبدالفتاح السيسى، فقد كان يلتقى به بعد ثورة يناير يوم الإثنين من كل أسبوع، وكان ثالثهم فى هذه اللقاءات هو اللواء محمد العصار، الذى يكن له السيسى تقديرًا واحترامًا.
أحصى إبراهيم عيسى الساعات التى قضاها فى معية السيسى والعصار، وأكد أنها تجاوزت الستين ساعة، فيها كما يقول: «كنا نتكلم ثلاثتنا بلا حد ولا سقف فى شئون الوطن».
احتفظ بعيسى بتفاصيل ما دار فى هذه الجلسات، وكما قال هو فى مقاله: «لم أذع مطلقًا حتى اليوم لا خبر هذه اللقاءات ولا تفاصيل ما فيها، ولا ما كنت أعرف يومها من الرجل من أسرار وحقائق ما كان ينبغى أن تكون محلا للبوح».
والسؤال الذى لا بد أن يراودك هو: «لماذا أفصح إبراهيم عيسى عن هذه اللقاءات قبل أن يرشح السيسى نفسه لانتخابات الرئاسة؟ فى يناير 2014 لم يكن قد رشح نفسه من الأساس، كان ملتزما بالصمت تماما، لكن إبراهيم ومن خلال مقاله لم يجزم بأن السيسى سيرشح نفسه للرئاسة فقط، ولكنه سيصبح رئيسًا للجمهورية أيضا؟».
والإجابة التى يمكن أن تقابلك بسهولة دون تفكير عميق هى:
أولًا: أراد إبراهيم عيسى أن يقول للجميع إن السيسى اصطفاه وحده دون الآخرين، فقد كان يقابل أعدادًا من الصحفيين والمثقفين والمفكرين ليشرح لهم دور الجيش فى الثورة، وماذا فعل الجنود على الأرض، وتعقيبات الموقف السياسى الذى وجدت فيه القوات المسلحة نفسها أثناء الثورة وبعدها، لكنه كان يقابله وحده وبشكل منفرد كل أسبوع، ليروى له أسرارًا خصه بها.
ثانيًا: أوحى إبراهيم بما قاله أنه مقرب من السيسى بدرجة كبيرة، يعرفه جيدًا، فقد استمع منه ما لم يسمعه الآخرون، وكأنه يريد أن يقول للجميع إنه مكمن سره، ومستودع أفكاره وآرائه.
ثالثًا: أراد عيسى أن ينفرد بيقين يتحدث به دائمًا - يتعامل به دائمًا - وهو أنه لا يخطئ أبدا، وأن يكون المبشر الأول ليس بأن السيسى سيرشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية، ولكنه سيكون الرئيس، فلا منافس له، ولا أحد يصلح لهذه المهمة، وكأنه يقدم أوراق اعتماده لرئيس مصر القادم.
رابعًا: ما فعله السيسى يمكن التعامل معه على أنه كان محاولة لمصادرة السيسى له وحده، أراد أن يقول إنه المقرب وإنه المصطفى والمختار، ولذلك ليس من حق أحد أن يقترب.
خامسًا: أراد إبراهيم أن يؤكد للسيسى من خلال مقاله أنه يمكن أن يكون مُنظره الذى يحمله إلى الناس، ويمنحه شرعية سياسية، فقد أخرجه من مجموعة المجلس العسكرى التى مكنت الإخوان من رقبة مصر، ثم أضاف إليه أنه كان صاحب رؤية واضحة ومحددة ونبوءة بأن الشعب سوف يستدعى الجيش مرة أخرى، وكان هذا قبل أن يصل محمد مرسى إلى الرئاسة من الأساس.
لا يمكن أن تلوم إبراهيم عيسى على محاولته مصادرة السيسى، وتصوير نفسه على أنه صديقه ومصطفاه والمقرب منه، والقادر على تقديمه بشكل مختلف للجماهير، فالكاتب الكبير كان فى النهاية يريد أن يحجز مقعده إلى جوار الرئيس القادم، أن يكون وحده إلى يمينه، لا يسمع إلا له، ولا يفكر إلا بعقله، لكن السيسى فيما يبدو خذله.
عندما رشح عبدالفتاح السيسى نفسه للرئاسة أصبح متاحًا للجميع، جلس إلى الصحفيين والإعلاميين فى أكثر من جلسة، كان إبراهيم واحدًا من آخرين، لا وضع مميز ولا مكانة خاصة، وحتى عندما أجرى معه حوارًا مطولًا لم يفعل ذلك بمفرده، بل شاركته فيه لميس الحديدى، ليتأكد للجميع أن إبراهيم لا ميزة خاصة له عند السيسى.
فى هذا الحوار تحديدًا بدا أن فجوة نفسية وسياسية تفصل بين الرئيس والكاتب، وأعتقد أن عيسى لن ينسى طوال حياته الغضبة الشهيرة التى أعلنها السيسى فى وجهه، عندما قال له لن أسمح لك أن تقول كلمة عسكر، ابتلع عيسى غضبة السيسى، بدا عليه التوتر، لكنه لم يملك وقتها إلا الصمت، الذى عابه عليه مريدوه، الذين يعتقدون فيه شجاعة نادرة وقدرة على المواجهة.
خرج عيسى من هذا الحوار بحالة غير التى دخل بها، مؤكد أن الرسالة وصلته، فليس مسموحًا له أن يقول كل ما يرى أو يريد، رغم أنه أكد أن حديثه مع السيسى فى جلسات الستين ساعة كان بلا حدود ولا سقف من أجل مصلحة الوطن، وقد يكون عيسى فهم لحظتها أن عبدالفتاح السيسى الذى يجلس أمامه فى حوار، بوصفه مرشحًا رئاسيًا، ليس هو عبدالفتاح السيسى الذى كان يتحدث معه بأريحية ويفصح له عن أسرار وأخبار يخصه بها وحده.
من الصعب بالطبع أن نصف حالة التأييد العارمة التى أبداها عيسى لمشروع السيسى الوطنى والسياسى بأنها كانت من باب الكيد للإخوان وجماعتهم، فلا يمكن أن أطعن فى وطنية إبراهيم، لكن حالة التأييد لم تكن أيضًا لقناعته المطلقة بما جاء به الرئيس السيسى.
إبراهيم عيسى ببساطة لا يؤيد إلا نفسه، قرر بعد الضربات التى تعرض لها ألا يخسر أبدًا، ولذلك تراه يقفز بين المعسكرات والقنوات والجرائد، فهو يقف مع من يعرف أن مصلحته معه، بصرف النظر عن التناقضات التى يقع فيها، ولا الانقلابات الحادة التى أصبحت صفة مميزة من صفات مشواره السياسى والمهنى، فهو يولى وجهه شطر مصلحته، ضاربًا عرض الحائط بكل ما يقال عنه أو فيه.
بعد أن استقر عبدالفتاح السيسى على كرسى الرئاسة أدرك إبراهيم عيسى أن السيسى لن يصطفى كاهنًا ليكون إلى جواره، الرئيس لم يخطط من الأساس ليكون فرعونًا، ولذلك فهو ليس فى حاجة إلى كهنة، إنه يطالب الجميع بالعمل، يتواصل بنفسه مع الناس، يعتذر إذا ما بدر منه ما يسىء للناس، ليس لديه ما يخفيه، ولذلك فلا حاجة ل«كاتب» يتحول مع الأيام إلى «كاتب للرئيس».
استرد إبراهيم عيسى نفسه، لكن بعد أن فقد كثيرًا من بريقه، فعندما كان يقدم أوراق اعتماده ككاتب للرئيس، تخلى عن صورة البطل المناضل، تحول فى مواقف كثيرة إلى مبرراتى، صحيح أنه مبرراتى مثقف بليغ واثق من نفسه خطيب مفوه، لكنه فى النهاية مبرراتى.
فعل إبراهيم عيسى مثل الغراب الذى قرر أن يكف عن الطيران ليتعلم مشية الطاووس، وعندما فشل فى أن يكون طاووسًا حاول أن يعود لسيرته الأولى، لكنه فوجئ بأنه نسى الطيران تماما.
قدم إبراهيم نفسه مفسرًا ومحللًا لكلام الرئيس، كثيرًا ما تجده فى حلقاته التليفزيونية ومقالاته الصحفية يقول إن الرئيس كان يقصد كذا، أو أنه لا يقصد كذا، دافع عنه كثيرًا، مدحه كثيرًا، كل محاولاته تكسرت على عتبة رئيس قرر ألا يصنع كهنة، وبدلًا من أن يصمت الكهنة تحولوا إلى مصدر إزعاج.
لا يمكن أن أقارن إبراهيم عيسى بهيكل، المقارنة ظالمة لعيسى ومهينة لهيكل، لكن هناك ما يربط بينهما، عندما سدت الطرق المباشرة بين هيكل والسيسى، تحول هيكل إلى خصم واضح، وعندما سدت هذه الطرق بين عيسى والرئيس، ارتبك إبراهيم جدًا، للدرجة التى لا تعرف أين يقف تحديدًا، هل هو مع نظام 30 يونيو أم ضده، هل يؤيده أم يعارضه، هل يحسن به الظن، أم يهيل عليه التراب؟
بهذا النموذج صنع إبراهيم عيسى لنفسه ومن نفسه ممثلًا للنخبة الفاسدة التى تساعد فى إرباك الناس بدلا من تنويرهم، أما كيف يحدث هذا فهذه قصة طويلة تستحق أن ننتظرها غدًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.