ظهر كل يوم يمسك الكاتب الهمام بقلمه وورق بالٍ يعرفه الصحفيون باسم "الدشت"، ليجهز لمقالته التى تنشر فى عدد الغد من جريدة "الدستور"، يكتب مدافعًا عن الحريات، ومهاجمًا لأكبر رأس فى الدولة.. يتجاوز الخطوط الحمراء ويقترب من مناطق اللا مساس.. إنه يتحدث عن صحة الرئيس. يقرأ المصريون فى صحف الثامن والعشرين من سبتمبر 2008، عنوانًا عريضًا فيه "حبس إبراهيم عيسى شهرين فى قضية صحة مبارك"، ليتحول رئيس تحرير الصحيفة المعارضة إلى بطل شعبي، يرى فيه جميع الكارهين لمبارك وظلمه، رجل يضحى بنفسه لأجل الوطن.. لا تهمه المعتقلات وإنما يسعى إلى الحرية للجميع. تتوالى الأيام، وتتواصل الاحتجاجات وتزيد شعبية الرجل، ولم لا، فهو الذى ضم كتاب المعارضة وشباب النشطاء السياسيين فى جريدته، فلا تعجب أن تجد مقالًا لبلال فضل إلى جوار أيمن نور، وفهمى هويدي، وفى صفحات مقابلة تجد مقالات عصام العريان، وغيرهم من متعددى الاتجاهات السياسية، الجميع توحد ضد مبارك، واتفق على فكرة "التحرر من الظلم"، حتى يترك الجريدة بأمر من مالكها السيد البدوى فى أكتوبر 2010. صباح 25يناير 2011، يخرج إبراهيم عيسى على شاشات الفضائيات داعيًا إلى خلع مبارك "الديكتاتور الظالم الذى جثم على نفوس المصريين"، ينعته بكل الألفاظ التى يستحق، ليظهر الكاتب البطل على شاشة فضائية التحرير، التى اشترك بعد قيام الثورة مع آخرين فى إنشائها، وقدم برنامج "فى الميدان" عليها، ليبشر بمستقبل جديد وباهر ينتظر المصريين، حتى باع حصته منها لرجل الأعمال المقرب من مبارك "سليمان عامر". تزامنًا مع ذلك، رأس تحرير جريدة جديدة باسم "التحرير"، اعتبرت نفسها استمرارًا ل"الدستور القديم"، فى الثورية والنضال ضد النظام الحاكم، لكن مع توالى حكم المجلس العسكر بدا "عيسى" متخبطًا فتارة يكتب عنهم "كاذبون"، وأخرى يدافع – بشكل غير واضح - عن مصالح رجال الأعمال التى حماها المجلس، وكان أحدهم مالك جريدته "إبراهيم المعلم"، حتى حلت الانتخابات الرئاسية وسعى بكل ما يملك لإسقاط مرسى ومن أيده من الثوار الذين عاب عليهم بمصطلح "عاصرى الليمون". وأيد بشكل غير واضح، الفريق أحمد شفيق، حتى فاز مرسى بالرئاسة وأخذ الرجل يهاجم الإخوان بضراوة شديدة حتى بدا للجميع تعامله مع "الفلول" لإسقاط مرسي؛ فقدم برنامجًا على قناة "القاهرة والناس" التى يدعمها شفيق، وسخر إمكانياته من أجل تحقيق أهداف الفريق الذى لم ينتظر معه وهاجر لكى يعتمر بدبي، ثم هدأ قليلاً بعد سقوط مرسي، وعاد ليخون الجميع بمجرد ارتباط اسم وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بانتخابات الرئاسة، ذهب بعيدًا فى تأييد الرجل، خون جميع من عملوا معه وخالفوه الرأي، حتى طال ذلك أحد أصدقائه القدامى "بلال فضل". عيسى وقضية محكمة القرن كان من أوائل من تقدموا بدعاوى قضائية للتحقيق مع مبارك بتهمة قتل متظاهري ثورة 25يناير، وشهد خلال التحقيقات التى أجريت فى هذا العام ضد مبارك والداخلية فى القضية التى عرفت باسم "محاكمة القرن"، بأنه "رأى وقائع اعتداء قوات الشرطة على المتظاهرين بالعربات المدرعة وقنابل الغاز المسيل للدموع وإطلاق أعيره نارية خرطوش، وفى يوم 28 يناير 2011 شاهد قوات الشرطة تطلق النار الحى على المتظاهرين، ما أحدث إصابات العديد منهم حتى انسحبت الشرطة عقب ذلك". ليتحول الرجل فى جلسة محكمة جنايات القاهرة التى عقدت اليوم الأحد، فى إعادة المحاكمة، إلى وصف مبارك ب"البطل"، مشيرًا بأصابع الاتهام هذه المرة بعيدًا عن الشرطة، وباتجاه جماعة الإخوان المسلمين, التى قال إنها استغلت الثورة. موضحًا: لم تكن هناك شرطة على الإطلاق فى ميدان التحرير، يوم 25 يناير اختفت الشرطة من الميدان ربما كانت على بعد غير منظور أو مرئى ومن ثم لم يكن هناك أحد مسلح أو غير مسلح. ويضيف: يوم 28يناير كان الحشد عند كوبرى قصر النيل، هائلاً فى نحو الساعة الخامسة، وبدأنا نرى مرة أخرى قنابل الغاز تلقيها قوات الشرطة من أعلى كوبرى قصر النيل، وفى هذه اللحظات كنت أرى متظاهرين يحملون على أكتفاهم شباب ينقلونهم خارج كوبرى الجلاء والطريق المؤدى إلى قصر النيل، ثم سمعنا عن إصابات وقتل ولكننا لم نتأكد من حقيقة هذه الإصابات والقتل، وقدم لى بعض الشباب فوارغ لطلقات الرصاص الخرطوش والرصاص الحي، بناء على ما قالوه لى لكنى لم أكن متأكدًا من حقيقتها لعدم مشاهدتي لها من قبل. ويتابع: على سبيل اليقين لم أرَ فى ميدان الجيزة إلا إطلاق المياه والغاز، وكنت أرى بعضها بصدور قد تعرت وبها آثار احتراق، لكنى لم أرَ بعينى إطلاق الشرطة للأعيرة النارية.. ما حدث خلال الثورة إما عنف أمنى من الشرطة، أو أن هناك جهات معنية أرادت تخريب البلاد، لكنى أعتقد يقينا أن الاتهام يتوجه ناحية الجهات المعادية التى اخترقت البلاد واخترقت حدودنا واقتحمت سجوننا كان دليلا على أن إدارة شئون البلاد وقتها لم تحمِ حدود هذا الوطن. كما اتهم عيسى, فى التحقيقات جماعة الإخوان باختراق حدود مصر وتنفيذ مخططها فى ضرب أمن البلاد لإحكام السيطرة على مقاليد الحكم، "وأعتقد أن تنظيم حماس وحزب الله وقفا وراء الإخوان". متابعا: أشير إلى هذه الجماعة بأصابع الاتهام فى قتل المتظاهرين، هى التى ظهرت أمام الجميع مخربة، فكلنا خرجنا لمعارضة النظام ولكننا لم نخرب. واعتبر عيسى, أيضا أن مبارك كان حريصًا على المصريين بتخليه عن الحكم، ولا يمكن منه إلا موقف البطولة، "فلو أراد استمرار نزيف الدماء لاستمر فى موقعه"، وفق كلامه.