خرج مجموعة من شباب جماعة الإخوان المسلمين، الجمعة الماضية، ببيان لتدشين تيار باسم "وأعدوا" يتبنى العنف كأولوية لتحقيق أهداف الجماعة ويرفض الصبر على السجن أو اتخاذ تكتيكات سلمية مؤقتة؛ وكأنه يبعث من جديد عبدالرحمن السندي، أول من أطلق شرارة العنف وأصر عليها داخل الجماعة. اسمه كاملًا هو عبدالرحمن على فراج السندي، ولد في 1918 بمحافظة المنيا، وكان الرئيس المدني للتنظيم الخاص بالجماعة في فترة تزعم حسن البنا لها، وهو التنظيم المعني بشكل أكبر بالعمل المسلح وتم إنشاؤه لمقاومة الاحتلال البريطاني والتصدي للمؤامرات الصهيونية على فلسطين وحماية أعضاء وقيادات الجماعة من المؤامرات ضدهم. تعرف السندي إلى الجماعة من خلال محمود عبد الحليم، المسئول التنفيذي للتنظيم الخاص، بعد أن قدم إلى القاهرة مع أخيه ليسكن في ذات البيت التي يقطنه أحد أعضاء الجماعة بالإسكندرية، وكان على عبدالحليم زيارة هذا العضو بشكل متكرر وعرض على الأخوين دعوة الإخوان. ويقول عنه: "لاحظت على عبد الرحمن الهدوء والرزانة والجد، كما لاحظت إقباله عليّ إقبالًا يوحي بأن الدعوة التي عرضتها عليه تملك شغاف قلبه وتشعر بتشوقه إلى يوم يفتديها فيه بنفسه، وظللت طيلة ذلك العام على اتصال وثيق به، فلما وثقت به تمامًا عرفته بالأستاذ المرشد باعتباره عضوًا بالنظام الخاص". وفي ظل انشغال المرشحين لخلافة عبد الحليم بأعمالهم واشتراط قبولهم بالتفرغ، عرض عبدالحليم على السندي أن يخلفه في 1941 نظرًا لحاجته إلى الانتقال للعمل في دمنهور، فرد السندي بأنه مريض بالقلب ومعرض للموت ويحب أن تكون ميتتة في سبيل الله، وأن لديه إيراد ينفق منه على احتياجاته الضرورية، كما أنه قرر الانقطاع عن الدراسة بعد فشله فيها والعمل موظفًا بوزارة الزراعة ووافق المرشد على تعيينه وبايعه أمام عبد الحليم. واستطاع السندي خلال قيادته للتنظيم الخاص أن يكسب حب القيادات الصغرى وكذلك الكبرى، وكان يرجع إلى قياداته في كل الأمور العملية وحتى في الأقل أهمية، وقدر عمر التلمساني، المرشد الأسبق لجماعة الإخوان، جهود السندي وقال أنه "سار سيرًا حسنًا موفقًا نال به رضاء القيادات والأفراد في النظامين الخاص والعام في الإخوان المسلمين"، كما امتدحه محمود الصباغ، عضو المجموعة القيادية بالتنظيم الخاص في ذلك الوقت، قائلًا: "ولقد لمسنا من عبدالرحمن طوال فترة العمل معنا الصدق في اللقاء والصبر على العناء، والبذل بالمال والوقت دون حدود مع صفاء في النفس، ورقة في الشعور، والتزام بأحكام الدين حتى أحببناه حبًا صادقًا من كل قلوبنا، لما جمع الله فيه كل هذه الصفات". وبعد تولي السندي لقيادة التنظيم الخاص، قام التنظيم بعدد من العمليات منها إلقاء قنبلة على النادي البريطاني في عيد الميلاد 1947 دون أن تسفر عن قتل أحد من الجنود، وتفجير قطار للقوات البريطانية، وتعطيل سفينة يهودية في ميناء بورسعيد في 1947، ونسف شركة الإعلانات الشرقية التي كانت مقرًا لقيادات صهيونية في 1948، وتم تقديمه إلى المحاكمة في قضية "السيارة الجيب" التي تم ضبطها وكانت تحمل أسلحة وأوراقًا خاصة بالتنظيم. ولكن السندي الذي كان أداة طيعة في يد قياداته بدأ في التمرد عليهم مغترًا بتأييد القيادات الصغرى له، وتنفيذ عمليات دون الحصول على إذن بها، وفقًا للتلمساني فخطط لعملية اغتيال القاضي أحمد بك الخازندار، حيث كلف حسن عبدالحافظ ومحمود سعيد، عضويْ الجماعة، بقتله رميًا بالرصاص ثم الانسحاب إلى بيت السندي بعد الاغتيال في مارس 1947 إلى أن تم القبض عليهما وتم الحكم عليهما بالأشغال الشاقة المؤبدة. وأثار هذا الحادث حفيظة البنا نظرًا لأن السندي لم يستأذنه فيه، ولكن السندي رد بأنه استأذنه في الحكم الشرعي للحاكم الظالم وأفتى أنه قد يُقتل، فقال البنا أن "طلب هذا الإذن كان تلاعبًا بالألفاظ وكان عليك أن تأخذ إذنًا صريحًا بهذا الحديث"، كما لم يرضَ عن تكفير وقتل الخازندار، وعلى ذلك قامت قيادات التنظيم الخاص بعقد محاكمة للسندي على هذا الجرم بحضور البنا، ورغم ذلك برأته هذه المحاكمة من القتل العمد واعتبرته قتل خطأ، وقال الصباغ عن ذلك: "قد كانت براءة عبدالرحمن من القتل العمد إجماعية، ولا تحتمل أي شك أو تشكيك، فالجميع يثق في صدق عبد الرحمن ورجولته، ويقدر أن التجربة الأولى عرضة للخطأ، وأن ظروف هذا الحادث النفسية كان تبرر مثل هذا الخطأ". وبعد وفاة البنا وتولي حسن الهضيبي منصب المرشد العام للجماعة، عمل على عدم سرية التنظيم الخاص وهو ما لم يرضِ السندي، فقام بعزله وتعين سيد فايز مكانه، ثم تم اغتيال فايز بهدية ملغمة أرسلن إليه واختلفت قيادات الجماعة بين الشك في السندي ونفي التهمة عنه فاحتل مع أنصاره المركز العام للجماعة وأهانوا الهضيبي بعد اقتحام منزله وتوفي القيادي المثير للجدل والمفضِّل للعنف في 1962 باعتلال في صمامات القلب نتيجة حمى روماتيزمية ورغم عنفه قال عنه أحمد عادل كمال، المؤرخ الإسلامي وأحد أعضاء التنظيم الخاص: "مع أنه كانت له قبضة حديدية فإن قلبه كان قلب طفل، ومع أنه كان مرهقًا في متابعته فإنه كان عاطفيًا لأبعد الحدود".