ارتكز السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان في بناء الدولة العصرية الحديثة على مبادئ وإستراتيجيات مستقبلية سواء في الشأن الداخلي أو الخارجي، وفي شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، منذ بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي وحتى الآن، وفي مسيرة شاقة من أجل بناء الوطن على مدى 45 عامًا.. وهي تحتفل خلال نوفمبر الجاري بعيدها الوطني الخامس والأربعين. وباتت قيم التسامح والتواصل الحضاري والحوار والاحترام والتعاون الإيجابي من الركائز الأساسية التي تقوم عليها العلاقات العُمانية الخارجية على مر العصور.. وإيمانًا من القيادة السياسية العُمانية بالحوار كوسيلة فعّالة وإحدى آليات التواصل الحضاري بين شعوب العالم والإيمان المطلق بأن الاختلاف سنة كونية والتقارب ضرورة إنسانية، والاعتزاز بتاريخ السلطنة وثقافاتها ولغتها وتراثها ووعيها بمسئولياتها كعضو في المجتمع الدولي من خلال تقديم المساعدة في إيجاد تفاهم متبادل بين الثقافات بما يعود بدوره على نشر ثقافة السلام والتعاون بين الأمم، أنشأ السلطان قابوس الكراسي الأكاديمية العلمية بهف تشجيع الوصول إلى مجتمع عالمي معاصر، يعيش في سلام ويوجهه التفاهم المشترك والتسامح وأيضًا تقديم وجهات نظر معاصرة حول كيف يمكن للصوت العربي أن يسمع بصورة أفضل لصالح انسجام عالمي أوسع في ظل العولمة. كما تهدف هذه الكراسي العلمية إلى التعريف بالدور الحضاري الذي تقدمه السلطنة في تنمية المعرفة الإنسانية والتقريب بين الثقافة العربية والثقافات الأجنبية والتلاقي الحضاري بين الشعوب وصولاً إلى حوار حضاري بنّاء، وتعريف العالم بنهضة عمان وحرصها قديما وحديثا على تطوير دراسات اللغة العربية والتراث والثقافة والدراسات العلمية. وتم حتى الآن إنشاء 16 "كرسي أكاديمي" يحمل اسم السلطان قابوس في مختلف جامعات دول العالم منها جامعات: هارفارد وجورج تاون الأمريكيتان، وكامبريدج البريطانية، وملبورن الأسترالية، وأوتراخت الهولندية، وبكين، وطوكيو، ولاهور وغيرها، إضافة إلى عدد آخر من الجامعات الخليجية والعربية والإسلامية، لتمكينها من القيام برسالتها الإنسانية في خدمة البشرية. ولا شك أن تلك الكراسي تندرج ضمن أطر وآليات وجهود السلطنة في ترسيخ قيم التواصل الإنساني بين مختلف الثقافات الحضاري لما لها من أثر فعال في تنمية المعرفة الإنسانية من خلال استقطاب المهتمين والباحثين والطلاب على حد سواء، وتحفيزهم على البحث العلمي الذي يشكل أساسا للتقدم الحضاري الذي يشهده العالم في مختلف المجالات. ومن هذا المنطلق تدرك عمان، أهمية دعمها المتواصل للعلم والعلماء، لتعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق التمازج الثقافي، وتوطيد العلاقات القائمة على مبدأ التسامح والحوار المتوازن والتعاون المتبادل من أجل إعلاء قيم المحبة والسلام بين مختلف الشعوب، وهو مبدأ حازت به عمان على احترام وتقدير المجتمع الدولي. مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية.. نقطة اتصال السلطنة مع العالم كما يعتبر مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية نقطة اتصال السلطنة مع العالم فيما يتعلق بتحالف الحضارات. وقد وضعت السلطنة خطة وطنية خلال الفترة من 2011 إلى 2014 تمحورت أهدافها حول أربعة محاور هي التعليم، والشباب، والهجرة، والإعلام. إذ تهدف السلطنة من هذه الخطة إلى التعريف بحضارات العالم وانجازاتها التاريخية وتعزيز مبادئ الحق والعدل والمساواة والاحترام المتبادل بين الشعوب. وتوظيف الأنشطة الشبابية في المجالات الثقافية والدينية والفكرية في تنمية الوعي بأهمية تعزيز روح الحوار بين الحضارات والأديان محليا وإقليميا وعالميا. وتوظيف وسائل الإعلام في تنمية الوعي بأهمية الحوار والتقارب الحضاري بين الشعوب المختلفة في تقدم المجتمع الإنساني واستقراره. ومن بين أهم البرامج التي تم تنفيذها ضمن هذه الخطة، برنامج تواصل الثقافات والذي يستهدف فئة الشباب ويهدف إلى ترجمة الاهتمام الدولي بموضوع الحوار بين الثقافات بصورة علمية، وتصحيح النظرة السلبية التي ينظر لها الغرب إلى الشرق والعكس. وبرنامج النادي الطلابي العالمي على الشبكة العالمية، والذي يهدف أيضا إلى إتاحة الحوار الإيجابي البناء حول مختلف القضايا الإنسانية والعالمية كحوار السلام والتربية المواطنة والتربية البيئية. وملتقى مسقط السنوي للشباب، ويهدف إلى إيجاد مساحة مشتركة للحوار بين الشباب من مختلف الجنسيات لمناقشة مختلف القضايا الدولية. إضافة إلى مشروع إنتاج ودبلجة الأفلام الوثائقية التي تتناول تجارب التواصل العالمي بين الحضارات والشعوب، سواء ما كان منها تاريخيا أو معاصرا. ولا شك أن موضوع التحالف بين الحضارات والحوار بين الأديان جاء في مقدمة اهتمامات سلطنة عمان إيمانا منها بأهمية السلام والتعايش بين دول العالم لتوفير التنمية والتطور والتقدم لشعوبها. وحرصت السلطنة على الانضمام كعضو في مجموعة أصدقاء مبادرة تحالف الحضارات المنبثقة من منظمة الأممالمتحدة، داعمة للأهداف والمبادئ التي تدعو إليها والمتمثلة في تعزيز وتحسين أواصر التفاهم والتعاون بين الشعوب والأديان والثقافات المختلفة.