جلسة سرية بين عدد من قيادات الحزب السلفي مع مقربين من رجل الأعمال لبحث التنسيق الانتخابى في المرحلة الثانية الطرفان يسعيان ل«تطويق السيسي» عبر ضرب الاقتصاد والسياسة لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نمر مرور الكرام على تصريحات رجل الأعمال ورئيس حزب المصريين الأحرار نجيب ساويرس الأخيرة والتي أدلى بها إلى مجلة «sole 24 Ore» الإيطالية، فتصريحات ساويرس يرسل فيها رسائل واضحة وصريحة إلى من يهمه الأمر من الأحزاب والتكلات السياسية والحكومة والنظام، وطارت بعض رسائل ساويرس إلى خارج مصر لتغازل الولاياتالمتحدة الراعي الرسمى لساويرس وحزبه، فيما يبدو أنه بداية جديدة للعلاقة بين أمريكا ورجل الأعمال الذي يريد لعب دور الزعيم السياسي الأكثر شعبية، ولم لا وقد فاز حزبه بأغلبية مقاعد الأحزاب في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية الجارية (41 مقعدا)، وسريعًا تلقف حزب النور رسائل ساويرس وأرسل له من يفاوض على تلك الرسائل ويقف على تفاصيلها غير المعلنة، فحزب النور في مأزق انتخابي بعد أن منى بهزيمة سياسية ساحقة ماحقة ولم يحصل إلا على 10 مقاعد، فهل يجد حزب النور ضالته المنشودة في ساويرس؟ وهل نهم رجل الأعمال الذي يريد أن يصبح زعيمًا سياسيًا صاحب الأغلبية البرلمانية سوف يوقعه في حبائل حزب النور العنكبوتية؟. إن تصريحات ساويرس قد جاءت مختلطة ببعضها البعض ولكن إذا ما أعدنا ترتيب تلك التصريحات تفجرت أمامنا العديد من الحقائق.. يكشف ساويرس عن وجهه القبيح ويصرح بأنه عند قيام ثورة 30 يونيو أعلن عن استثماره مليار دولار (8 مليارات جنيه) في مشروعات التنمية المختلفة، ولكنه لم يستثمر منها حتى الآن إلا 100 مليون دولار، دون أن يبدى سببا لذلك ولا يخفى على أحد أن مصر في مرحلة تتطلب أضعافا مضاعفة من مليار ساويرس المزعوم، وأن هناك العديد من المجالات والمشروعات التي تحتاج الدولة للاستثمار فيها، ونكوص ساويرس بوعده يضيق على النظام ويغل يده في تنفيذ مشروعات عملاقة خاصة إذا ما حذا حذوه باقي رجال الأعمال. وساويرس لم يخف ذلك في تصريحاته فقد أعلن عداءه لسياسات الحكومة التنموية وبرر ذلك بثلاثة أسباب وهمية، أولها البيروقراطية، وقال «مثلًا في إيطاليا الموافقة على المشروعات بطيئة ولكن ستتمكن من تحقيق مشروعك أما في مصر فلا تنتظر شيئًا»، وادعاء ساويرس كاذب وخبيث فقانون الاستثمار رقم 17 لسنة 2015 قضى على البيروقراطية والروتين المعيق للمشروعات الاستثمارية، ونص في المادة السادسة منه على توحيد الجهات المختلفة المختصة بالتراخيص والموافقات في جهة واحدة واعتماد نظام «الشباك الواحد» وهو ما يقضى على البيروقراطية، وعلى الرغم من ذلك طالب رجال الأعمال بإجراء بعض التعديلات على القانون، فتمت إحالته إلى لجنة التشريعات الاقتصادية بجمعية رجال الأعمال المصرية لإجراء التعديلات المطلوبة، وليس من المعقول بالطبع أن رجال الأعمال سوف يقرون تعديلات بيروقراطية تعطل آلة استثماراتهم. ويستمر ساويرس في إطلاق ويهذى بأن ثاني معوقات الستثمار في مصر (أننا لا ننتج ما يكفى من الطاقة) ولن نتوقف كثيرًا عند هذه الأكذوبة الساويرسية ولكننا سوف نحيله إلى ما أعلنت عنه شركة «إيني Eni» الإيطالية يوم 31 أغسطس، وهى الشركة المالكة لحقوق التنقيب عن مصادر الطاقة داخل مياهنا الإقليمية بالمتوسط وسيناء وخليج السويس، من اكتشافها أكبر حقل غاز في البحر المتوسط، ومرجح أن يكون من أكبر حقول الغاز في العالم، ويقع على بُعد 190 كلم شمال شرق سواحل بورسعيد على مساحة 100 كيلومتر مربع ويصل عمقه الأقصى ل4131 مترًا، كما يصل سُمك الطبقات الحاملة للغاز في هذا الحقل ل600 متر حيث إن أغلب الحقول المصرية للغاز كانت تحوى طبقات حاملة للغاز بسُمك 30 مترًا فقط، مما يوضح ضخامة احتياطي هذا الاكتشاف. والحقل المكتشف يحتوى على احتياطات تقدر ب30 تريليون قدم مكعب من الغاز وهي كمية تعادل نصف احتياطي مصر من الغاز ونصف ما حققته كل الشركات الأجنبية في تاريخ مصر منذ اكتشاف الغاز بمصر لأول مرة عام 1967. وطبقا لمعدلات استهلاك مصر للغاز فإن الحقل المكتشف سيكفى احتياجات مصر من الطاقة لمدة عشر سنوات على أقل تقدير. فأزمة الطاقة التي يتحدث عنها ساويرس مدعاة وغير حقيقية. أما آخر ما يسوقه ساويرس من أكاذيب حول عدم الاستثمار في مصر هو (عدم القدرة على نقل الاستثمارات إلى الخارج وإعادة الأرباح إلى الوطن وهذا ما يعوق الاستثمار الداخلى والدولي)، وساويرس هنا لم يكتف بما حققه من أرباح داخل مصر ولكنه يريد تدوير تلك الأرباح خارج مصر دون قيود وبالطبع لن تعود أي أرباح إلى الوطن، بل سيظل الوطن مفرخه لأرباح ساويرس التي يريد تدويرها في الخارج، فأرباح الاستثمارات التي تعود إلى الوطن تكون استثمارات فائضة عن حاجة الدولة تقوم باستثمارها في الخارج لتحقيق أرباح أكبر من التي تحققها تلك الاستثمارات في الداخل مثل الاستثمار في مجال النفط. رسالة ساويرس السابقة تضيق على النظام وتشل حركة الدولة اقتصاديا على المستوى المحلى والدولي، بل هي مخطط لانهيار الاقتصاد المصري وهو ما يسقط النظام بسهولة. ولا يخفى ساويرس ذلك حيث يرى أنه يرى أن الرئيس السيسي هو البديل المتاح أمام المصريين كما أنه ليس من الممكن القيام بثورة جديدة ويشكك في مشروعات التنمية التي تقيمها الدولة، وخاصة مشروع قناة السويس الجديدة، وجملة وتفصيلًا فإن مساهماته في الاستثمارات في مصر لا تعدو كونها ألاعيب يناور بها النظام، فساويرس الذي ينافس عائلة «أنجيلوتشى» الإيطالية لشراء نادي روما الإيطالي ويعرض 130 مليون يورو، لم يساهم في الاقتصاد المصري سوى بمبلغ 100 مليون دولار فقط. بات واضحًا وبما لا يدع أدنى مجال للشك أن النظام أصبح في مرمى نيران ساويرس، وما تصريحاته إلا تمهيد لانقلاب ناعم وقانوني ودستوري على هذا النظام، ومجريات الأمور تشير إلى أن ساويرس يسير في مخططه بشكل جيد، فاختناق النظام اقتصاديا سوف يؤدى إلى غضب شعبي يسهل حشدة لتأييد إسقاط النظام الذي فشل في تحقيق الطموح السياسي للشعب، وإسقاط النظام هنا لن يكون من خلال ثورة أو انقلاب ولكن سيتم بشكل ناعم عن طريق استغلال الدستور، فالمادة 161 تجيز لمجلس النواب سحب الثقة من الرئيس بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس وهو ما اقترب منه ساويرس فلقد حصل حزبه في المرحلة الأولى على أعلى عدد مقاعد ومن المنتظر أن يحصد أيضا عددا مماثلًا في الجولة الثانية من الانتخابات ليشكل الأغلبية الحزبية داخل المجلس، كما أن هناك أحزاب يمكنها الاندماج مع ساويرس، أما الطامة الكبرى فإن أغلب المستقلين هم من رجال الأعمال وهو ما يسهل استقطابهم داخل كتلة ساويرس، إلا أن الأمر لا يتوقف على تكهنات فلقد رحب الحزب بعد الجولة الأولى من الانتخابات بانضمام مرشحين من خارج الحزب على قوائمه يدفع بهم في المرحلة الثانية، وأبدى هؤلاء رغبة في تغيير صفتهم الحزبية والانتخابية، ويتوقع الحزب حصد 142 مقعدا في الجولة الثانية. تلقف حزب النور تصريحات ساويرس وحزبه سريعًا وتم قراءة ما بين السطور والتي تفضى إلى أن (ساويرس يريد إسقاط النظام)، وهو الهدف الذي جاء لحزب النور على طبق من فضة، حيث كشف محمد عبده إمام رئيس مجلس أمناء الدعوة السلفية عن (جهود مكثفة يقوم بها الدكتور ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية والدكتور يونس مخيون لتدشين تحالف انتخابى لإنقاذ سفينة الحزب من الغرق بعد تحقيقه 10 مقاعد فقط في انتخابات المرحلة الأولى، وأن برهامى أوفد عددا من قادة الحزب المقربين من رجل الأعمال ومؤسس حزب المصريين الأحرار نجيب ساويرس لحثه على القبول بتنسيق انتخابي مع حزب النور لتعزيز فرصه في المرحلة الثانية). بالتأكيد ليست هناك أي أرضيات مشتركة يمكن أن يتقابل عليها ساويرس وبرهامى، وبالتأكيد لن يعلن عن أي تحالف بين حزب المصريين الأحرار وحزب النور، وحتى لو تم فالمؤكد أن حزب النور يرد على رسالة ساويرس بأن (حزب النور يدعمكم في جهودكم لإسقاط النظام)، وهو سلوك ليس بغريب عن الدعوة السلفية فبينما كانت رموز الدعوة تتحالف لإسقاط نظام الإخوان كان يتم حشد شباب الدعوة في ميدان رابعة العدوية لتأييد الإخوان، فحزب النور هو من يؤيد السيسي ويسعى لإسقاطه. أخيرًا لم ينس ساويرس اللعب على الوتر الطائفي وادعى أنه (مكروه لكونى غنيًا وقويًا واستحوذ على جزء كبير من وسائل الإعلام وأنتمى إلى أقلية دينية ولدىّ كل المقومات لأكون مكروهًا وحزبى المصريين الأحرار ليبرالى وعلمانى، وفى مصر العلمانى شخص ملحد عند جماعة السلفيين).. طائفية ليست دينية فقط ولكن طائفية سياسية واجتماعية أيضًا. مما لا شك فيه أنه لو سارت الأمور كما أراد لها ساويرس فإن العواقب وخيمة فهو يسعى لاحتكار عناصر الفساد الثلاثة (الثروة والسلطة والحقيقة المطلقة)، فلقد أعد عدته وعقد عزمه على ما هو فاعل، ونحذر من أن يتم في غفلة من مجلس النواب الجديد ومعظم أعضائه لا خبرة برلمانية لهم أن يتم اتخاذ قرار مدمر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.. عدلوا الدستور يرحمنا ويرحمكم الله.