في الوقت الذي تعد فيه الحكومة الإيرانية بعهد جديد من الرخاء بعد زمن العقوبات يأمل كثير من الايرانيين أن تتجه الأوضاع للأفضل. غير أن المؤسسة الأمنية التي تضع بقاءها السياسي نصب عينيها تستعد علنا للأسوأ. ففي الأسابيع القليلة الماضية بدأت إيران تنفيذ اتفاق تاريخي مع القوى العالمية وبدأت طواعية تحد من برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها والتي عزلت طهران عن جانب كبير من العالم الخارجي. وفي الوقت نفسه هللت القوات المسلحة للتطورات في قدرات الردع الصاروخي والقدرات الدفاعية لدى إيران وأعلنت أنها مازالت تستعد لأي هجوم يشنه أعداء الجمهورية الإسلامية. وقد أدت تلك الزيادة في الرسائل العسكرية الموجهة التي يقول محللون إنها تستهدف أعداء إيران في الخارج والمعتدلين السياسيين في الداخل على السواء إلى انزعاج إسرائيل ودول الخليج العربية التي تتوجس من طموحات إيران في الشرق الأوسط. وفي الشهر الماضي وافق الزعيم الأعلى آية الله على خامنئي على الاتفاق النووي. لكنه أصر أنه لا يمثل إيذانا بعصر جديد من التعاون مع الولاياتالمتحدة التي يعتقد أنها عازمة على تغيير النظام في طهران. وقال خامنئي يوم الثلاثاء "أهداف أمريكا لم تتغير. فلو استطاعوا تدمير الجمهورية الإسلامية اليوم لما ترددوا لحظة." * الرجل ذو النظارة الشمسية وكانت تحذيراته موضع اهتمام الحرس الثوري الإسلامي وغيره من صقور المؤسسة الأمنية التي وجد خطابها عن مقاومة الامبريالية الجديدة جمهورا جاهزا في ظل العقوبات. وبث التليفزيون الإيراني مقطع فيديو في 14 أكتوبر تشرين الأول يظهر فيه رئيس شعبة الطيران والفضاء في الحرس الثوري وهو يتفقد مجمعا تحت الأرض قيل أن طوله 500 متر يعج بمختلف أنواع الصواريخ المحمولة على قاذفات متنقلة وقال مقدم البرنامج إنها جاهزة للإطلاق. وظهر في الفيديو البريجادير أمير على حاج زادة وهو يتجول بنظارة شمسية في أنفاق المجمع تحت الأرض ويخاطب العاملين الذي يرتدون زيا موحدا. وجاء بث مقطع الفيديو بعد أيام من اختبار إيران صاروخا بالستيا موجها هو الصاروخ عماد الذي سيصبح السلاح الأول لديها الذي يستطيع أن يصيب بدقة أهدافا في إسرائيل. كما أعلنت القوات المسلحة إدخال تحسينات على قدرات الرادار والقدرات البحرية الإيرانية مع التأكيد على الإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي وفي الأسبوع الماضي أجرت تدريباتها السنوية على أنشطة الدفاع المدني. وقال مايكل ايلمان الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية إن الأنفاق مستخدمة منذ وقت طويل وإن من المرجح أن يحتاج الصاروخ عماد سنوات حتى يصبح جاهزا للتشغيل. وأضاف أن ذلك يشير إلى أن توقيت الرسائل يرتبط بالسياسة أكثر مما يرتبط بتقدم تكنولوجي. * مخاوف "الفتنة" تتوجس طهران من الولاياتالمتحدة وإسرائيل -اللتين طالب بعض المعلقين فيهما بشن هجمات عسكرية على إيران حتى بعد التوصل للاتفاق النووي- ومن دول عربية خليجية تخوض حربا بالوكالة ضد حلفاء إيران في سوريا وتخوض صراعا مباشرا في اليمن. وعلى الصعيد الداخلي تنصب المؤسسة الأمنية على الارجح أنظارها على الانتخابات المقبلة لاختيار أعضاء البرلمان ومجلس الخبراء وهو هيئة دينية لها سلطة اسمية على الزعيم الأعلى وذلك في فبراير شباط من العام المقبل. وإذا استطاع "عائد الاتفاق النووي" الذي أبرمه الرئيس حسن روحاني أن يجعل هذين المجلسين تحت سيطرة حلفائه المعتدلين فإن صقور المؤسسة الأمنية قد يشهدون تآكل نفوذهم وهو أمر يرون أنه يهدد الجمهورية الإسلامية ذاتها. ويوم الأربعاء سار متظاهرون متشددون عبر شوارع طهران وهم يحملون بالونات على شكل صواريخ ولافتات تحذر من النفوذ الاقتصادي الأمريكي وذلك في ذكرى اقتحام طلبة متشددين السفارة الأمريكية في أعقاب قيام الثورة الإسلامية عام 1979. وقال الميجر جنرال محمد على جعفري قائد الحرس الثوري يوم الإثنين "إذا بدأ الناس يظنون أن اتفاقنا النووي يعني أن بوسعنا أن نبرم اتفاقا (مع الولاياتالمتحدة) في مجالات أخرى فذلك خطأ وفتنة." وباستخدام لفظ الفتنة الذي استخدمه المتشددون لوصف انتفاضة كبرى للاصلاحيين أخمدها الحرس الثوري عام 2009 أشار جعفري إلى أن الحرس قد يتدخل مرة أخرى في الحياة السياسية. وتزامنت تصريحاته مع حملة تضييق على كتاب وفنانين متهمين "بالدعاية المناهضة للنظام". * ميزان القوى غير أن الرسائل بالنسبة لخصوم طهران تمثل تذكرة بترسانتها القوية التي تشمل صواريخ وقوات غير نظامية وميليشيات حليفة موزعة في دول مختلفة بالمنطقة وزوارق هجومية سريعة يمكن أن تعرقل الملاحة في الخليج. إلى جانب ذلك فإن الرسائل تمثل دليلا على أن الحرس الثوري الذي يسيطر على كل تلك القدرات غير التقليدية ليس لديه النية للتخلي عن نفوذه الاقليمي أو السماح لإيران بالانحياز للنظام الاقليمي الذي تقوده الولاياتالمتحدة. وردا على ما تردد من أن تجربة الصاروخ عماد قبل أسبوعين ربما تكون انتهاكا لقرارات الأممالمتحدة قال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري في مقابلة تليفزيونية يوم 25 أكتوبر تشرين الأول "نحن لا ندقق في القرارات. من واجبنا تعزيز قوتنا ولا أحد يستطيع أن يصدر إلينا الأوامر." وأشار المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في تقريره الميزان العسكري لعام 2015 إلى أن القوات النظامية في إيران رغم ضخامتها تمتلك عتادا ضعيفا بالمقارنة بخصومها ومن المستبعد أن تنتصر في أي صراع تقليدي خارج حدود إيران. أما القوات الجوية المكونة إلى حد كبير من طائرات أمريكية الصنع حصلت عليها إيران قبل قيام الثورة الإسلامية فهي ضعيفة على نحو خاص إذا ما قورنت بما لدى الدول العربية الخليجية التي أنفقت مليارات الدولارات على شراء مقاتلات غربية في العام الجاري وحده. وعلى النقيض فإن ترسانة إيران من الصواريخ هي الأقوى في المنطقة ورغم أن الصواريخ التقليدية وحدها لا تستطيع تحقيق النصر في الحروب فإن الضربات المحتملة على المراكز السكانية أو المنشآت النفطية قد تمثل أسبابا للقلق لدى دول الخليج العربية. ومن الممكن أن يؤدي تحسين دقة الصواريخ وهو ما تهدف إليه إيران في الوقت الحالي إلى توسيع نطاق استخدامها لضرب قواعد عسكرية أو مهاجمة البنية التحتية المدنية مثل محطات تحلية المياه والمطارات أو مرافيء تصدير النفط. وقال مصدر عسكري في قطر إن القدرة الصاروخية لدى إيران تعتبر أكبر تهديد عسكري تقليدي لدول الخليج العربية وللقواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة وطرق الملاحة الدولية. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون إن إسرائيل ترى تهديدا لها من وقوع هجمات صاروخية تقليدية لكنه لم يذكر إيران بالاسم صراحة. وقال إنه يعتقد أن الاتفاق النووي آخر خطر السلاح النووي الإيران لكنه لم يقض عليه. كما أعربت إسرائيل عن قلقها من أن يتسلم حزب الله اللبناني صواريخ من إيران التي سبق أن زودت الجماعة اللبنانية بصواريخ أصغر غير موجهة في حين اتهمت السعودية إيران بتدريب المقاتلين الحوثيين في اليمن الذين استولوا على مخزون اليمن من صواريخ سكود. وقال جيريمي بيني محرر شئون الشرق الوسط في نشرة جينز الدفاعية الأسبوعية "في حين أن هذه المبادرات الدعائية قد تبدو عدائية فإن الايرانيين حريصون دائما على القول إن برنامجهم دفاعي الطابع." لكنه أضاف "الآن بعد أن أصبح الاتفاق النووي مضمونا ربما عادت الأمور إلى سيرتها الأولى."