تمر الشهور والأعوام ويبقي الاستاذ متربعًا علي عرش صاحبة الجلالة، التي فتنته بسحرها المهني الخاص، وأثراها بتحليلاته السياسية الرائعة، فغدًا يبلغُ الاستاذ محمد حسنين هيكل عامه التسعين، ومازال يُحلل ويُفكر ويدقق ويُبدع سياسيًا وصحفيًا. ولد هيكل في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر عام 1923، في قرية “,”باسوس“,” بمحافظة القليوبية، بدأ عمله في مهنة الصحافة عام 1942، عندما عمل في جريدة “,” الإجيبشيان جازيت “,” التي كانت من أكبر الصحف الاجنبية في مصر، ثم انتقل إلي العمل بجريدة أخبار اليوم عام 1946 مع الكاتبين الرائعين مصطفي وعلي أمين، ثم تولي رئاسة تحرير جريدة الاهرام عام 1957 وظل رئيسا لتحريرها 17 عامًا، ليكون في ضوء الأحداث السياسية وبؤره صانعي القرار في مصر. هيكل الأستاذ اول من رسخ لفكرة الصحفي الصانع للخبر، عن طريق علاقاته الوطيدة بمجلس قيادة الثورة، وتحديدًا علاقته بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ليكون أيضًا صحفياً مُشاركا في صناعة القرار السياسي، فقد تولي الاستاذ مهمه كتابه خُطب عبدالناصر الجماهيرية التي طالما أسرت جموع الشعب بجُمله الرنانة، وشعاراته عن الوحدة والقومية العربية. وفي كتاب “,”وثائق 15 مايو“,” للكاتب الصحفي موسي صبري، يقول أن علاقة هيكل بناصر لم تتكرر من قبل أو من بعد، بعلاقة رئيس دولة وزعيم عربي وصحفي، فكان مشاركًا في صناعة القرار، ومطلعًا علي جميع القرارات قبل أن يتم إصدارها وإعلانها للشعب، بل إنه كان يحتفظ بنسخ من كل وثيقة وقرار سواء كانت مهمه أو غير مهمه يُصدرها عبدالناصر. بعد وفاه الزعيم عبد الناصر عام 1970، ظل هيكل قريبًا لفترة ما بالرئيس الراحل أنور السادات، إلي أن حدث اكثر من صدام بينهما، بدأ في إقالته من منصبه كوزير للإعلام - بعد أن عينه عبد الناصر- أثناء أحداث 15 مايو1971، والتي عُرفت إعلاميًا “,”بثورة التصحيح“,”، وبسبب عده مقالات لهيكل في جريدة الاهرام، يؤكد فيها ان المعركة مع إسرائيل تكاد تكون مستحيلة في تلك الفترة ، وتجلي الصدام لقبول السادات بسياسة فك الارتباط “,”خطوة - خطوة، جبهة - جبهة “,”، التي رآها هيكل “,”مقدمة“,” لصلح عربي - إسرائيلي منفرد من الممكن أن ينفرط من بعده عُقد الوصال بين العرب يصعب التنبؤ بمخاطرة السياسية والدولية، مما أثار غضب السادات، وتمت إقالته من رئاسة تحرير الاهرام عام 1974 وأصدر قرار بتعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية، ورفض هيكل واعتذر للرئيس عن منصبه، وقال جملته الشهيرة معتذرًا عن تكليف السادات “,”إن الرئيس يملك أن يقرر إخراجي من الأهرام، وأما أين أذهب بعد ذلك فقراري وحدي وقراري هو أن أتفرغ لكتابة كتبي... وفقط“,”، وفي تصريح لهيكل يوم التاسع من فبراير من نفس العام في صحيفة “,”الصنداي“,” أبدي وجهة نظره ملخصًا إياها قائلًا“,” إنني استعملت حقي في التعبير عن رأيي، ثم أن الرئيس السادات استعمل سلطته، وسلطة الرئيس قد تخول له أن يقول لي اترك الأهرام ، ولكن هذه السلطة لا تخول له أن يحدد أين اذهب بعد ذلك، القرار الأول يملكه وحده.. والقرار الثاني أملكه وحدي“,”. في عام 1978 صدر له كتابين بعنوان “,” حديث المبادرة “,”، صدر علي إثرهما سحب جواز سفره ومنعه من السفر وتحويله إلي المدعي الاشتراكي، ببلاغ مقدم من وزير الداخلية آنذاك اللواء نبوي إسماعيل، بتهمة الاساءة لسمعه مصر في الخارج، وبعدها تم الافراج عنه، وتم اعتقاله في اعتقالات سبتمبر الشهير عام 1981 عندما قام السادات باعتقال أكثر من 1300 من رموز الفكر والسياسية والصحافة في مصر، وتم الافراج عنهم بقرار من الرئيس الأسبق مبارك بعد اغتيال السادات في اكتوبر من نفس العام. وفي عام 1993 صدر له كتاب خريف الغضب “,”قصة بداية ونهاية أنور السادات“,” الذي ترجم الي 30 لغة، ليهاجم فيه الرئيس السادات وتيار الاسلام السياسي، ويشرح فيه ملابسات اغتيال الرئيس السادات علي إيدي الجماعات الاسلامية المتطرفة. وفي عام 2003 اعتزل هيكل الكتابة المنتظمة والعمل الصحفي بعد أن أتم عامه الثمانين. ومنذ ذلك العام يطل علينا الاستاذ والصحفي والسياسي هيكل، بنظرته السياسية العميقة والمختلفة، يحلل الأحداث السياسية علي الصعيدين المصري والدولي، خاصة تحليله للصراع العربي الاسرائيلي، حيث أنه شارك في المفاوضات مع اسرائيل عقب حرب 1973، وشهد توقيع اتفاقية السلام “,”كامب ديفيد“,” عام 1978، وهو أول من توقع سقوط حكم الإخوان الفاشي، من خلال حواراته الأخيرة علي إحدى القنوات الفضائية.