■ 100 شكل للألم النفسى تحدث عنها الكتاب ■ «الخوف» ذكر فى 83 موضعًا.. و«الحسرة» 9 مرات.. و«الذل» 15 مرة.. و«الإهانة» 21 فرّق الباحث بين العذاب الجسدى والعذاب النفسى فقال إن الأخير هو كل ما يلحق الضرر بجسد الإنسان كالضرب والصفع والجلد والحرق حظيت الآيات المتعلقة بالعذاب فى القرآن الكريم باهتمام الباحثين والدعاة، مثلما لم تحظ قضية أخرى تقريبا، خاصة بين علماء ومشايخ السلف الذين تنافسوا فى تخويف الناس والتضييق عليهم باسم الدين، رغم وجود الكثير من الآيات التى تتحدث فى المقابل عن العدل والرحمة والعفو والمغفرة، فقد حرص أئمة التشدد على صياغة مسلم يخاف عذاب الله أكثر مما يرجو رحمته، ورهبوا الناس من النار أكثر مما رغبوهم فى الجنة. أصبح العذاب نفسه هو موضوع البحث فى كثير من الكتب والأبحاث، غير أنه لم يتم التطرق إليه بنفس المنهج الذى تناوله الباحث أيمن محمد على مراد فى دراسته التى قدمها لنيل درجة الدكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، إذ لجأ الباحث إلى دراسة الألفاظ التى قد تحدث أثرا سلبياً فى النفس، سواء ورد ذكرها فى سياق الحديث عن المؤمنين من باب الترهيب، أو حمايتهم من الوقوع فى المعاصي، أو فى سياق الحديث عن الكفار وجزاء أهل النار. قسّم الباحث فى دراسته ألفاظ العذاب النفسى إلى 100 قسم، كل منها يتناول لفظا محدداً المواضع التى ذكر فيها، وموقعه وما إذا كان مصدراً أم اسم فاعل أم فعلا، لما فى كل منها من دلالة مختلفة، وتفاوت فى إحداث الأثر النفسي، ثم قسمها إلى حقول، أولها حقل يضم ألفاظ الحزن، وآخر لألفاظ الإحباط النفسي، وثالثا لألفاظ الكراهية، ورابعا لألفاظ الوضاعة النفسية، وآخر للاضطراب النفسي. استهل الباحث رسالته بتناول معنى العذاب النفسي، قائلاً إنه ليس مجالاً دلالياً حديثاً، وإنما ذكر فى تفسيرات العلماء القدامى، حيث أطلق عليه الإمام فخر الدين الرازى اسم «العذاب الروحي» عند تفسيره الآيتين «25-26» من سورة (الحاقة) «وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتنى لم أوت كتابيه- ولم أدر ما حسابيه» فقال: واعلم أنه تعالى بيّن أنه لما نظر كتابه وتذكر قبائح أفعاله خجل منها، وصار العذاب الحاصل من تلك الخجالة أزيد من عذاب النار، فقال ليتهم عذبونى بالنار، وما عرضوا هذا الكتاب الذى ذكرنى بقبائح أفعالى حتى لا أقع فى هذه الخجالة، وهذا ينبهك أن العذاب الروحانى أشد من العذاب الجسماني»، مشيراً إلى أن ذكر العذاب الروحانى هو التعبير الأكثر شيوعاً فى كلام المفسرين القدامى، وعبروا عنه أيضاً ب «الآلام النفسانية»، وهناك قليلون أطلقوا عليه «عذاب القلب»، وفى موضع واحد ب«الألم العقلي». فرّق الباحث بين العذاب الجسدى والعذاب النفسى فقال إن الأخير هو كل ما يلحق الضرر بجسد الإنسان كالضرب والصفع والجلد والحرق، أما العذاب النفسى فكل ما يلحق الألم بالنفس، وأوضح ما يميز العذاب الجسدى عن النفسى أنه حسى ملموس، أما النفسى وإن كان كثيراً لا يلحق ضرراً ظاهراً إلا أن وقعه أشد وألمه أكبر، طبقاً لما أجمعت عليه آراء العلماء، مستشهداً مرة أخرى بالإمام الفخري، حينما أفاض فى شرح ذلك عند تعرضه لتفسير الآية الكريمة من سورة (آل عمران) «ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته» الذى قال: العذاب الروحانى أشد ألماً من العذاب النفساني، لأن الآية دالة على التهديد بعد عذاب النار بالخزي، وهو عبارة عن التخجيل، وهو عذاب روحاني، فلولا أن العذاب الروحانى أقوى من الجسماني، وإلا لما حسن التهديد من عذاب النار بعذاب الخزى والخجالة – أى التهديد بالأصغر على الأكبر. كما استشهد بقول «النيسابوري»: العذاب الروحانى عند العقلاء أشد من العذاب الجسماني، وقول البقاعى: الخزى والفضيحة أعظم عند بعض الناس من ضرب السيف، فضلاً عن ضرب السوط، فالآلام النفسية تكدر على الإنسان حياته، وتذهب بهجتها، بل قيل إن «الآلام النفسية إذا قويت أوجبت الموت»، بل ذهبوا أن جعلوه أعظم من الموت حيث قال الشاعر: شمت بى الأعداء حين هجرتنى... والموت دون شماتة الأعداء. أوضح الباحث أن لفظ الخوف أكثر ألفاظ العذاب اللفظى وروداً فى القرآن الكريم، حيث ذكر 83 مرة، فى 10 مواضع منها فى سورة (البقرة)، أولها فى قول الله تعالى فى الآية 38 «قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، وآخرها الآية 277 «الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، كما ورد فى سورة (آل عمران) 9 مرات، أولها قوله تعالى فى الآية 170 «فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، إلى قوله فى الآية 128 «وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما....». وحدد الباحث ألفاظ العذاب النفسى التى ذكرت أكثر من 10 مرات فى لفظ الشقاء، حيث ورد 11 مرة بالقرآن الكريم، منها الآية 106 فى سورة (هود) «فأَما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير وشهيق»، وقوله فى سورة (مريم) الآية الرابعة «قال رب أنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربى شقياً». ولفظ الضيق ذكر 10 مرات منه قوله تعالى فى سورة (الأنعام) «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد فى السماء.....»، وكذلك اليأس فى عشرة مواضع، أما لفظ الحرج فورد فى 15 موضعا، ولفظ الذل ذكر فى 15 موضعا، والهون والإهانة فى 21 موضعا، والحذر فى 13 موضعا. أما الألفاظ التى ذكرت أقل من عشر مرات فتمثلت فى «الخيبة»، حيث ذكر فى 5 مواضع، والغضب فى 4 مواضع، وكذلك الوهن، والكرب، أما القنوط فذكر فى 6 مواضع، والذم فى 6 مواضع، والحسرة فى تسعة مواضع، والبؤس فى ثلاثة مواضع، أما البخع - بمعنى إهلاك النفس هماً وغماً- ففى موضعان، ومنهما قوله تعالى فى سورة (الكهف) «فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً»، ولفظ الجزع استخدم فى موضعين، أحدهما قوله تعالى فى سورة (إبراهيم) «وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص». وبخصوص لفظ «الكظم» فلقد استخدم فى القرآن 6 مرات، و«الإشفاق» فى 3 مواضع، منها قول الله تعالى فى سورة (الشورى) «ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم...»، و«الوجس» ورد فى ثلاثة مواضع منها قوله فى سورة (هود) «فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة...»، و«الأسى» ورد ذكره فى أربعة مواضع، و«الغم» فى 6 مواضع منها قوله تعالى فى (آل عمران) «إِذ تصعدون ولا تَلوونَ على أَحد والرسول يدعوكم فى أخراكم فأثابكم غماً بغم......». أما ألفاظ العذاب التى لم تذكر سوى مرة واحدة فمتعددة ومنها: «الوجف» الذى ذكر فى سورة (النازعات) فى قوله تعالى «قلوب يومئذ واجفة»، و«الفرق» فى قوله بسورة (التوبة) «ويحلفون بالله أنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون»، و«البث» الذى ورد فى سورة (يوسف) فى قوله «إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله، وكذلك لفظ «الهلع» الذى ذكر مرة واحدة فى سورة (المعارج) «إن الإنسان خُلق هلوعاً».