ظل الزواج ومازال يعتبر حدثا هاما فى حياة الافراد والمجتمعات فهو يعطى الانطلاقة لتأسيس حياة جديدة وتجسيد لرغبتى رجل وامرأة فى العيش معا داخل هذه المؤسسة ليتقاسما الحياة بحلوها ومرها وليتحملا عدة مسئوليات ويقومان بعدة ادوار ليضمنا من خلال هذا الرباط المقدس استمرارية الحياة. ويشكل الاحتفال بالزواج فرصة عظيمة للتعبير عن السعادة للانضمام الى عالم المتزوجين ومناسبة كبرى لممارسة عادات وطقوس خلال كل مراحل الاحتفال ...وتختلف مظاهر الاحتفال بالزواج من دولة الى اخرى ...ويشكل الزواج حدثا ذا أهمية قصوى لدى المغاربة اكثر من غيرهم ويتم الاستعداد له بعناية كبيرة باعتباره مناسبة عائلية كبرى تحتفل بها أسرتا العروسين اللذين جمعتهما المصاهرة والأقارب والجيران والأصدقاء فى جو من الفرح. وتقول الاستاذة مليكة حاتم مديرة تحرير برنامج "الهودج " وهو برنامج عن الافراح فى كافة ربوع المغرب ويذاع على التلفزيون المغربى ويحظى بنسبة مشاهدة عالية لدى المغاربة وحصد العديد من الجوائز من بينها جائزة مصرية، أن تكلفة الافراح فى المغرب تكلفة عالية، إذ تتبارى الاسر فى تكلفة العرس، حيث تبلغ تكلفة العرس لدى الاسر المتوسطة 15 ألف دولار شاملة الاثاث والفرح والمزينة/الكوافير/ ويتراوح فستان العروس ما بين 500 الى 1000 دولار . وتقول الاستاذة مليكة لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بالرباط أنه اذا كانت مراسم عقد القران وتقديم المهر والهدايا تتشابه فى كل مناطق المغرب فعادات وطقوس الاحتفال تتخذ اشكالا مختلفة تتباين من منطقة الى اخرى ومن مدينة الى اخرى ومن ضاحية الى ثانية، وقد تتباين فى نفس الحى من عائلة الى اخرى اذا كانت اصول العائلتين مختلفة .. فعادات الشرق تختلف عن عادات الشمال وعادات المدن الأصيلة كفاس ومراكش والرباط تختلف عن عادات المدن حديثة النشأة مع استحضار الفارق بين عادات كل من الفاسيين والمراكشيين ... وإذا قدِّر لك وحضرت عرسًا "أمازيغيا" أو "صحراويا" فستكون حيال عالم آخر من المعتقدات في نظرتها للزواج، غير أن القاسم المشترك بين كل هذه العادات هو الحرص على إعطاء كل ارتباط جديد بين رجل وامرأة قدسية خاصة والحرص على تطبيق العادات بأدق تفاصيلها ويبدو الأمر كأن الاسرتين تتباريان لاظهار خصوصيات المنطقة التى تنتسبان اليها واستعراض مواهب ومهارات نسائها ورجالها وقدرتهم على تشخيص نمط احتفالهم. ورغم تنوع عادات وتقاليد الزواج بالمغرب واختلافها من منطقة إلى أخرى فإنها تشترك في خطواتها الأساسية، فاليوم الأول يخصص لحمام العروس حيث ترافقها صديقاتها وبنات العائلة. وفي تقاليد سكان مدينة الدار البيضاء الأصليين يتم حجز الحمام العمومي خصيصًا لذلك اليوم، فينظف قبل حضور العروس من قبل بعض نساء العائلة ويعطر بمختلف أنواع البخور، ويكون هذا اليوم يومًا مشهودًا؛ إذ تذهب فيه كل نساء العائلة برفقة العروس إلى الحمام. أما اليوم الثاني فيخصص لحناء العروس، إذ أن نقش الحناء من العادات الإسلامية الراسخة في المجتمع، ويعتبر التخلي عن هذه العادة في المعتقد الشعبي نذير شؤم بالنسبة للعروس فيما يخص حياتها الزوجية، وتتواصل مراسم الاحتفال بتنظيم طقس الحناء باستدعاء (النقاشة) التي يعهد إليها بتزيين يدي العروس ورجليها بنقوش جميلة تعبر عن مشاعر البهجة والسرور وتبشر بقرب مغادرة العروس لحضن والديها إلى حياة الزوجية وفى ليلة الحناء ترتدي العروس القفطان المغربي الاصيل. وفي يوم الحناء تستعد عائلة العروس لاستقبال ما يسمى "بالدفوع" وهو عبارة عن هدايا العريس لعروسته وهي اطباق وصحون كبيرة (صواني) محملة بالأثواب ذات الألوان الزاهية لخياطة البسة العروس التي ترتديها ليلة العرس اضافة إلى اقمشة اخرى لخياطة الجلباب، ايضا ما يسمى "الشرابيل" والأحذية وملابس النوم والملابس الداخلية والروائح والشنط واطقم الذهب و"صواني" مملوءة عن آخرها باكياس من الحناء والتمر المحشي باللوز الملون، وصواني مملوءة بالحلويات والحليب بالاضافة الى كيس كبير من السكر وكيس كبير من الدقيق وعلبة كبيرة مملوءة بقارورات من الزيت بالاضافة الى الذبيحة التي تكون على حسب المستوى المادي اما خروف او ثور. ويعتبر اليوم الثالث من أهم أيام حفل الزفاف المغربي، إذ فيه تزف العروس إلى زوجها، ولكن قبل ذلك يتم إحضار سيدة تتكفل بلباس وزينة العروس تدعى في اللغة الدارجة المغربية "بالنكافة وتتراوح ما تتقاضاه "النكافة " نظير خدماتها بين 1000 و 8000 درهم ولا يمكن لعرس مغربي أن يمر من دونها.. إذ تحرص هذه السيدة في هذا اليوم أن تلبس العروس في كل ظهور لها أمام الحضور (طلة) لباسًا تقليديًا مختلفًا يمثل بعض مناطق المغرب؛ كاللباس: الفاسي والشمالي والأمازيغي وبعض أنواع القفاطين، يُضاف إلى ذلك بعض الأزياء الأخرى الدخيلة على حفل الزفاف المغربي، والتي شاع استعمالها مؤخرًا، مثل: الزي الهندي والخليجي. وأخيرًا تكون "الطلة" الأخيرة للعروس بثوب الزفاف الأبيض الأوربي. وتُراعي "النكافة" مع كل تغير في نوع اللباس اختيار الإكسسوارات الملائمة لذلك، الشيء الذي يجعل هذا اليوم أشبه بحفل لعرض الأزياء، يرافق عادة عرض الأزياء هذا بانوراما موسيقية تعزفها إحدى الأجواق التي تكيف موسيقاها وأغانيها حسب نوع لباس العروس، فتكون خليطًا من الأغاني الشرقية والمغربية بشقيها العصري والفولكلوري. وتختلف طريقة زفّ العروس إلى زوجها حسب المناطق المغربية، إلا أنه في الغالب تُزف على الطريقة الغربية، حيث تأخذ في سيارة فخمة تطلق أبواقها على طول الطريق الذي تقطعه. ولا تزال العروس في البوادي المغربية تُزف في هودج يحمل على الأكتاف أو على ظهر حصان ويُسمى باللغة الدارجة المغربية "العمارية". وعادة "العمارية" هذه لا يزال يحتفظ بها في مدن شمال المغرب، حيث يُطاف بالعروس على الأكتاف في الأحياء المجاورة لتركب السيارة بعد ذلك نحو بيت زوجها. وقد وصف الباحث المغربى الاستاذ عبد الهادى التازى فى بحث له تحت عنوان"أعراس فاس" العرس الفاسى بمتحف عظيم تتشكل اجنحته من لوحات فنية رائعة وغنية بالايحاءات والرموز ...واذا كان العرس الفاسى يتميز بتعدد العادات وكثرة الطقوس فالاعراس المغربية بالمناطق الاخرى لا تقل اهمية عنه فللعرس فى الرباط خصوصيات تبرز بجلاء ليلتى الخطبة والفرح ....كما يتميز العرس فى تطوان بتقاليد عريقة تمارس على امتداد مراحل الفرح ...فيما تضفى الظروف البيئية على المناطق الجنوبية طقوسا خاصة مثل تقديم مهر يتشكل من النقود والأبل. ويهتم المغاربة بيوم الصباحية اذ تحمل قريبات العروس الى بيت اهل العريس الفطور والشوار وخلافا لاسمه يتشكل الفطور فى الصباحية من وجبة غذاء من اللحم المعسل والغريبة والكعك ...وتعد النكافة لهذا اليوم وتلبسها لباسا ابيض وتضفر شعرها بالجواهر وتزين رأسها بتاج ويسدل على وجهها رداء شفاف يسمى محليا ب"تقشمشى" وهو يلازم العروس فى كل الطقوس من جانبه يقول الاستاذ محمد سراج منتج برنامج "الهودج" أن وقت وزمان الزفاف يختلف من منطقة الى اخرى لان التضاريس واختلافها وتنوعها يلعب دورا هاما فى ذلك فزمان الزفاف يرتبط بنهاية الموسم الفلاحى فى المجتمعات التقليدية التى يبنى اقتصادها على الفلاحة ويرتبط ايضا بتحسن احوال الطقس فى المناطق الحارة او الباردة ....كما ان مكان الزفاف يرتبط بنمط السكن ففى المناطق الجنوبية الصحراوية أو عند قبائل الاطلس المتوسط يقام الحفل فى الخيام وفى المدن العتيقة يقام الاحتفال بالدور القديمة التى تسكنها اسر العروسين أو يملكها بعض افراد العائلة او بقاعات الحفلات المخصصة لهذا الغرض ويشير الاستاذ محمد بن رمضان مخرج برنامج الهودج أن الطبخ المغربى يشكل عنصرا اساسيا فى التعبير عن الفرح والاحتفال وتتأثر موائد حفل الزفاف كذلك بنمط التغذية المحلى المرتبط بنوع النشاط الفلاحى سواء كان زراعة أو رعى ...ففى الصحراء وجبال اطلس حيث يسود النشاط الرعوى تذبح الاغنام والماعز فى حين يشكل الكسكس الطبق الرئيسى فى ولائم مناطق دكالة وعبدة بصفتها سهولا منتجة للحبوب وتتخذ هذه الموائد أشكالا متنوعة فى الحواضر قديمها وحديثها اذ تقدم انواع عديدة من المشروبات واطباق رئيسية من الدجاج المحمر واللحم المشوى والبسطيلة والطاجين لكن ومع مرور السنين أصبح للعرس المغربي طريقة مغايرة للاحتفال مقارنة مع ما كان عليه في السابق. بدءا بأيام الزفاف التي كانت تدوم سبعة أيام بلياليها كما هو مشاع من طرف ألاجداد والتي قلِّصت في الوقت الحاضر الى ثلاثة أيام فقط، يوم للحمام والثاني للحناء والثالث للعرس بل ويكتفي البعض بيوم واحد فقط يكون عبارة عن أمسية تجمع الأهل والأصدقاء المقربين...وبالتالي يبقى العرس المغربي بمجمل مميزاته ومظاهره في صراع مرير للحفاظ على ماهو أصيل من جهة، ولإضفاء رونق الحداثة والتجديد من جهة ثانية. وبعيدا عن النظرة الاحترافية لمظاهر الزواج المادية والاحتفالية، يرى الشباب المقبل الأمر من وجهة نظر أخرىوبناء على ذلك هناك من يحاول الحفاظ على بعض التقاليد القديمة في الأعراس بخلاف من يواكب التطور الحاصل بخصوص بعض الطقوس مع مراعاة الجانب المادي لامحالة. فمن وجهة نظر «هاجر وهي شابة مغربية في العشرين من عمرها، انقطعت فإن الأهم هو الزواج وتكوين أسرة سواء بطريقة تقليدية أو عصرية لأن المظاهر تنتهي بانتهاء الحفل ومن الأفضل توظيف مصاريف الزفاف في أمور أخرى أكثر أهمية. هو الأمر الذي رفضته «أمال» الموظفة بشركة للإتصالات والمقبلة على الزواج لاعتقادها أن «ليلة العمر» واحدة وعلى العروس أن تضحي بالغالي والنفيس للظهور بأبهى صورة كي تحفر الليلة في الذاكرة ويطلع عليها الأجيال من أبناء وأحفاد حتى ولو كانت مكلفة، فلا مانع لدى «أمال» أن تلبس 14 أو 15 طقما في ليلة واحدة لأن التميز أساسي بالنسبة لها....ومع تضارب الآراء يبقى لكل شاب وشابة جوابه عند السؤال عن جدوى ارتباطه بالآخر واختياره له كشريك أبدي.