قرر القضاء الفرنسي فتح التحقيق في الاتهامات الموجهة إلى كل من ميكسون أكرومبيسي، مدير مكتب رئيس الجابون علي بونجو ، وفيليب بيلان رئيس مجموعة "مارك" الفرنسية ، بتقديم وتلقي رشوة لموظفين أجانب ، وإساءة استعمال السلطة لتحقيق منفعة شخصية، وغسيل أموال، والتستر على الفساد، والتزوير. وأوضحت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن التحقيق يحاول الكشف عن ملابسات قضية قديمة يرجع تاريخها إلى نهاية عام 2005 حول قيام شركة "مارك" الفرنسية المتخصصة في صناعة الملابس العسكرية بدفع رشوة إلى مدير مكتب الرئيس الجابوني للفوز بعقد مع وزارة الداخلية في الجابون بقيمة سبعة ملايين يورو. وتم إسناد التحقيق إلى القاضي روجيه لو لوار الذي يحقق أيضا منذ نوفمبر 2010 في قضية "الكسب غير المشروع" بعد أن وافقت آنذاك محكمة النقض الفرنسية على النظر في شكوى قدمتها منظمة الشفافية الدولية في ديسمبر 2008 بصفتها المدعي بالحق المدني ضد رؤساء ثلاث دول إفريقية (الجابون، وغينيا الإستوائية، والكونغو برازافيل) وعائلاتهم. وجرى الاستماع لأقوال رئيس مجموعة "مارك" الفرنسية فيليب بيلان، المتهم بتقديم رشوة وإساءة استعمال السلطة لتحقيق منفعة شخصية، وتقرر إخلاء سبيله ووضعه تحت الرقابة القضائية. وخلف الكواليس، أعرب قصر الرئاسة الجابوني عن غضبه من قرار الشرطة القضائية الفرنسية بحبس أحد موظفي القصر (ميكسون أكرومبيسي) احتياطيا، واحتجاجه الشديد على هذا الإجراء الذي يراه مهينا. وأكدت "لوموند" أنه بعد بضع ساعات من بدء التحقيق مع مدير مكتب الرئيس الجابوني صباح الإثنين 3 أغسطس في باريس، أرسلت سفارة الجابون لدى فرنسا إلى الخارجية الفرنسية خطابا يؤكد تكليف أكرومبيسي بمهمة خاصة في باريس خلال الفترة من 19 يوليو إلى 5 أغسطس. وكان الخطاب كافيا لكي يستفيد المسئول الجابوني من حصانته الدبلوماسية وإخلاء سبيله. وقبل أن يغادر أكرومبيسي – وهو من أصل بنيني – باريس صباح الأربعاء 5 أغسطس، قام بالتقاط صورة "سيلفي" (ملتقطة ذاتيا) أمام الطائرة الخاصة التي ستقله إلى العاصمة ليبرفيل في مدرج مطار بورجيه (13 كلم شمال شرقي باريس) ثم أرسلها إلى أقاربه. وكتب ميكسون أكرومبيسي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ما يلي: "إنني تحت تصرف القضاء الفرنسي في إطار احترام سيادة الجابون والحقوق الشخصية". وتتواتر التأويلات حول تلك الحادثة الدبلوماسية القضائية بين البلدين وحول ما قد تخلفه من مشاحنات ربما تتمثل في دخول مجموعة "مارك" في نزاع مع الشركات الفرنسية المنافسة لها، أو الصراع على النفوذ داخل الفريق الحاكم في الجابون قبل عام من إجراء الانتخابات الرئاسية، بل قد يصل الأمر إلى الرئاسة الفرنسية لما يثار بشأن اختيار من تتفاوض معه من المسئولين الجابونيين . وتسود مخاوف حول توظيف القضاء الفرنسي لأغراض سياسية. وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن طول التحقيق الأولي الذي بدأ في يوليو 2007 حول وقائع تعود إلى عام 2005 – والتي سبق الحديث عنها – يفسح المجال أمام التكهنات بشأن توقيت التحقيقات الأخيرة. ويمتلك المحققون من المكتب المركزي لمكافحة الفساد والمخالفات المالية والضريبية في فرنسا العديد من الوثائق، من بينها وثائق حصلوا عليها من السلطات القضائية في موناكو تؤكد قيام شركة "مارك" الفرنسية بتحويلات مصرفية مختلفة إلى حسابات تمتلكها شركات يديرها أكرومبيسي أو أقاربه. وتبلغ قيمة أول تحويل مصرفي حوالي 300 ألف يورو، تلته بعد ذلك ستة تحويلات أخرى بقيمة إجمالية تقترب من مليوني يورو. ويعمل حاليا لدى شركة "مارك" التي تأسست عام 1850، حوالي 800 شخص كما أن منطقة نشاطها الأولى تتمثل في دول إفريقيا الناطقة بالفرنسية حيث تقوم بتوريد الملابس العسكرية ومعدات مكافحة الشغب إليها. وهناك علاقة شخصية تربط رئيس الشركة فيليب بيلان بالرئيس الجابوني علي بونجو منذ فترة طويلة. فيما تؤكد مجموعة "مارك" الفرنسية أن ميكسون أكرومبيسي كان – وقت توقيع العقد مع الجابون – رجل أعمال مدعوم بشبكة علاقات واسعة في هذا البلد الإفريقي، وليس "موظفا أجنبيا" وفقا للتوصيف الجنائي للقضاء الفرنسي إذ كان يشغل الرئيس الحالي علي بونجو حينذاك منصب وزير الدفاع في عهد والده الرئيس الراحل عمر بونجو. ويعلق الجنرال الفرنسي المتقاعد دومينيك ترانكون، مدير قسم التصدير بشركة "مارك"، قائلا "عندما تستعين مارك بشركات الخدمات مدفوعة الأجر ، فإن ذلك يتم في إطار القواعد القانونية". وذكرت "لوموند" أنه تم استجواب فيليب بيلان من قبل عام 2008 حول القضية ذاتها كما جرى تفتيش شركته عدة مرات. وخضع أيضا للاستجواب في اتهامات مشابهة تتعلق بتقديم "رشاوى لموظفين حكوميين أجانب" في إطار التحقيق بشأن رجل الأعمال الفرنسي ميشيل تومي بخصوص عقود أبرمت مع مالي والكاميرون. ومع اقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية في الجابون المقررة في أغسطس 2016، تعمل هذه القضية على إضعاف صورة الرئيس الحالي علي بونجو الذي يواجه بالفعل صعوبات داخلية فيما تزداد عزلته إقليميا، فضلا عن جعل حليفته فرنسا في وضع محرج. ويشغل ميكسون أكرومبيسي (50 عاما)، الذي ولد في كوتونو عاصمة بنين، منصب مدير مكتب الرئيس علي بونجو منذ انتخابه رئيسا للجابون عام 2009 عقب وفاة أبيه عمر بونجو. ويعتبر أكرومبيسي رجل الظل المهيب داخل مكتب الرئيس الذي يتعين عليه إدارة الشئون الخاصة أو بعض الأمور الإستراتيجية في الدولة أو التعامل مع المخابرات العامة. واستطاع أن يكون شبكة علاقات قوية في فرنسا حيث يمتلك سندات في بعض الشركات وممتلكات عقارية، وكذلك في غربي ووسط إفريقيا كما أنه مقرب من رئيس بنين توماس بوني يايي. ويمكن القول إنه شخصية مثيرة للجدل وصاحبة نفوذ في الوقت نفسه، فهو مثار انتقادات المعارضين للرئيس علي بونجو الذين ينسبون إليه قدرات سحرية، ولاسيما تلك المتعلقة بمعتقدات الفودو، ويشتبهون أيضا في عقده صفقات تجارية مشبوهة.