تجرى في ألمانيا يوم 22 سبتمبر الحالي انتخابات البوندسرات “,”البرلمان الألماني“,” ال18 حيث يتولى في الدورة البرلمانية الحالية الحكم ومنذ عام 2009 ائتلاف يقوده الحزب الديمقراطي المسيحي برئاسة المستشارة انجيلا ميركل مع الحزب الديمقراطي الحر، وكانت بدايات عمل هذه الحكومة بلونيها الأسود والأصفر متزامنا مع الأزمة النقدية الأوروبية التى أثرت على سياسة الحزبين الحاكمين . ويترقب الألمان مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية ما ستسفر عنه تلك الانتخابات حيث يزداد التنافس بين الأحزاب الألمانية، وتتصاعد وتيرة المناظرات التليفزيونية التى تعد تقليدا ذ تاريخ طويل في ألمانيا، وقد أجريت حتى الآن 4 مناظرات تليفزيونية قبل الانتخابات البرلمانية بين المرشحين الرئيسيين لمنصب المستشارية . والمتنافسان على منصب مستشار ألمانيا المستشارة الحالية انجيلا ميركل التى ستترشح في حال فوز حزبها لولاية ثالثة إذا فاز بأعلى الأصوات في انتخابات 22 سبتمبر الحالي ، حيث ستخوض معترك الانتخابات القادمة سعيا إلى استمرار الحكومة التى تقودها منذ بضعة سنوات ، كما يقود تلك الانتخابات مرشح الحزب الديمقراطي “,”بير شتاينبروك“,” الذى كان وزيرا للمالية في حكومة الائتلاف الكبير مع ميركل “,”2005 - 2009“,” ويركز في برنامجه الانتخابي بشكل أساسي على موضوعي الحد الأدنى للأجور والعدالة الاجتماعية بالإضافة إلى مرشحين أساسيين هما يورجين تريتين، وكارين جورينج اكاتر يمثلان القوى السياسية الثالثة في البلاد “,”حزب الخضر“,” الذى يقود الصراع تحت عنوان تقليدى هو البيئة وحماية الطبيعية إلى جانب رفع الحد الأقصى للضريبة . وتوجد في ألمانيا العشرات من الأحزاب الصغيرة ذات البرامج الخاصة، فيما يملك حزبان صغيران في هذه الانتخابات الفرصة في الحصول على مقاعد في البرلمان، إلا أن أكثرها لا ينجح في دخوله، وقد قررت 5 أحزاب من بين 18 حزبا مسموح لها بخوض الانتخابات البرلمانية دخول انتخابات 2013 ، وذلك لاشتراط القانون الانتخابي الألماني حصول الحزب على 5% من الأصوات لدخول البرلمان، الأمر الذى يتعذر على الكثير من الأحزاب تحقيقه . وتشعر الأحزاب التقليدية في ألمانيا بالخطر في تلك الانتخابات على الرغم من الاستقرار النسبي الذى يتمتع به المشهد السياسي ، ومنبع هذا الشعور يرجع إلى ما أشارت إليه استطلاعات الرأي في ربيع وصيف 2012 من ارتفاع نسبة الناخبين الذين يرغبون في التصويت لحزب القراصنة أحد الأحزاب الصغيرة . وبحسب استطلاعات الرأي الحالية يتحتم على الحزبين الممثلين في البوندسرات الحالي “,”الأحرار واليسار“,” التخوف من عدم الدخول مجددا إلى البرلمان الألماني وبهذا يمكن مواجهة أي احتمال لتشتت نظام تعدد الأحزاب إذا لم يتمكن حزب الأحرار من تجاوز نسبة 5% مما يعنى في أغلب الأحوال إحداث تغيير حكومي يتولى فيه ائتلاف اليسار والخضر زمام الأمور . ويعزز فرص ميركل في الفوز ما قدمته من إنجازات على مدى تاريخها السياسي حيث تبنت خطة لإنقاذ اليورو واتخذت من مسألة تحول الطاقة موضوعا مركزيا خلال فترة رئاستها للحكومة ، وبعد إقرار تمديد فترة الخدمة لبعض المفاعلات النووية في المانيا عام 2010 أدت كارثة المفاعل النووي الياباني فوكوشيما في 2011 إلى إعادة تفكير جذرية في هذا الشأن ومنذ تلك اللحظة تركز الاهتمام على مسألة التحول في مصادر توليد الطاقة لصالح مصادر الطاقة المتجددة وهو ما يعرف باسم “,”تحول الطاقة في المانيا “,”. وفى الحملة الانتخابية الحالية تلعب هذه المسألة دورا أقل أهمية حيث تفرض موضوعات السياسة الاجتماعية وسياسة سوق العمل نفسها على الأحزاب المتصارعة إضافة إلى السياسة النقدية ويمكن ملاحظة هذا الأمر بشكل خاص من خلال النقاشات الدائرة حول تحديد الحد الأدنى للأجور حيث يطالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي في برنامج حملته الانتخابية بإقرار قانون يحدد الحد الأدنى للأجور عند معدل 5ر8 يورو في الساعة ، بينما تدعو أحزاب الاتحاد وحزب الأحرار إلى ما يسمى حدود الأجر الدنيا حيث يترك الأمر للشرفاء أصحاب العلاقة في القطاعات المختلفة لتحديد قيمة الأجور . ويلتقى الطرفان عند نقاط مشتركة تجاه المسألة الأوروبية وكلاهما يدعم المزيد من الاندماج الأوروبي ويتفق جميع الشركاء تقريبا على استمرار العمل بالعملة الموحدة “,”اليورو“,” وبهذا يمكن القول إنه لا خلاف حزبي حقيقي في الموضوعات المتعلقة بعلاقة ألمانيا بأوروبا بشكل عام . وتتنوع استراتيجيات الحلول لدى المعسكرات السياسية تبعا للموضوعات المطروحة ، وغالبا ما يكمن الخلاف في التفاصيل ، ولذلك فإن الحملات الانتخابية لاتصل في هذا الشأن إلى درجة الاستقطاب . وتظهر في نظام الأحزاب الألماني فوارق بين الأحزاب في الأولويات المتعلقة بمسائل الحرية والأمن والسوق وإعادة التوزيع حيث تركز أحزاب الاتحاد بشكل برجماتى على اقتصاد السوق الاجتماعي ، وتشدد ضمن هذا السياق على الترابط بين انتظام القطاع الخاص وبين المساواة الاجتماعية ، إضافة إلى دعم الأسرة . إلى جانب الموضوعات الرئيسية الهامة نجد في مركز الحملة الانتخابية مسائل متعلقة بتشكيل الائتلاف في نظام الأحزاب الخمسة غير متكافئة القائم منذ عام 2005 والذى يلعب دورا كبيرا في تشكيل الحكومة الاتحادية وبعيدا عن الائتلاف الكبير “,”بين الحزبين الأكبر“,” لم يعد هناك على طول طريق الائتلافات أية محطة تنبئ بالغلبة لأحد التحالفات من الناحية الحسابية ، كما هو الحال منذ عشرات السنين . ويظهر على الساحة حزبان جديدان يتطلعان إلى دخول البوندسرات وهما حزب القراصنة والحزب البديل لأجل المانيا، ويرفع حزب القراصنة شعار الديمقراطية المتحولة وهو ما يصب في تحديث الديمقراطية ، أما الحزب البديل الذى انبثق عن مجموعة معارضة لأوروبا فإنه يتطلع إلى خروج البلدان الجنوبية من منطقة اليورو ، وهى التطلعات التى يمكن أن تقود إلى كسب المزيد من الناخبين المعترضين الذين ساهموا خلال السنوات الأخيرة في تقدم اليساريين والقراصنة في الانتخابات على مستوى الولايات الاتحادية . أ ش أ