ينفرد جامع ابن طولون، الذي يعد من أكبر مساجد مصر في المساحة وتبلغ مساحته 6 أفدنة، بمميزات معمارية تؤهله للتسجيل ضمن التراث العالمى باليونسكو، فهو يعد نموذجاً فريداً في تاريخ العمارة الإسلامية، حيث أن الجامع لا يوجد به أعمدة، ويستند سقفه على دعامات بدلاً من الأعمدة الرخامية المستخدمة في أغلب المساجد، وبلغت دعامات الجامع 160 دعامة، شيدت من "الآجر"أى الطوب الأحمر، وتأخذ أركانها الأربعة هيئة عمد مندمجة في الدعامة ذات تيجان ناقوسية الشكل وكسوتها الجصية مزخرفة برسوم أوراق خماسية الفصوص تلف حولها في صفين، وتحمل الدعائم عقود من النوع المدبب على شكل حدوة فرس يرتكز عليها سقف الجامع. وقال خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، في تصريح له اليوم، إن الجامع بناه أحمد بن طولون عام 265ه وهو ثالث جامع بنى في مصر الإسلامية بعد جامع عمرو بن العاص بالفسطاط 21ه، وجامع العسكر الذي شيده الفضل بن صالح بن على عام 169ه، وبنى جامع ابن طولون فوق ربوة صخرية تعرف بجبل يشكر، ليكون فوق أساس متين من الصخر وحتى يكون بمنأى عن فيضان النيل، مشيراً إلى أن الجامع يحتفظ حتى الآن بأغلب عناصره المعمارية منذ تشييده، وقد تولى بناء الجامع مهندس مسيحى يدعى سعيد بن كاتب الفرغاني، وللمسجد 42 باباً وزعت توزيعاً مناسباً على طول امتداد واجهات المسجد لتسهيل دخول وخروج المصلين. وأضاف ريحان أن الجامع يتميز بميزة فريدة أخرى من وجود ثلاث زيادات حوله، لتوفر للمصلين الهدوء والسكينة بعيداً عن صخب وضوضاء الشارع وبأعلى جدران الجامع شرافات فريدة فى شكلها شيدت من الآجر تعرف بعرائس السماء، لأنها تشبه أشكالاً آدمية صفت متجاورة ومتشابكة الأذرع، موضحاً أن جامع أحمد بن طولون يتبع تخطيط المساجد الإسلامية الجامعة المنشأة على طراز مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، ويتكون من صحن أوسط مكشوف تحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة. ومن جانبه ..عرض الباحث الآثرى أبو العلا خليل العناصر المعمارية للجامع ومنها وجود ستة محاريب برواق القبلة، أقدمها المحراب الرئيسي الذى يرجع لعهد أحمد بن طولون، وهو محراب مجوف بأعلاه زخرفة بفصوص الفسيفساء بها كتابة بالخط النسخ نصها " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، وقد كسيت طاقية المحراب بالخشب الملون المنقوش من أعمال السلطان المملوكى حسام الدين لاجين عام 696ه /1296م، كما شملت عمارة لاجين للجامع بناء قبة فوق هذا المحراب وإلى يسار المحراب الرئيسي بنى لاجين محراب مسطح آخر من الجص يعرف بمحراب السيدة نفيسة، كما بنى محراباً مسطحاً على إحدى دعامات البائكة الثانية من الصحن مقلدا ومستنسخاً لمحراب رابع يرجع لعهد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله عام 487ه/ 1094م وأما المحراب الخامس والسادس جهة واجهتي الدعامتين اللتين تكتنفان دكة المبلغ ويرجعان للقرن الرابع الهجرى. وذكر خليل أن الباحثين أرجعوا ظاهرة تعدد المحاريب بالجامع الواحد إلى تعدد المذاهب الفقهية ويراها البعض الآخر نوعاً من التقرب إلى الله، ويوجد على إحدى دعائم رواق القبلة بالبائكة الثالثة لوح تأسيسى يحمل اسم الأمير أبوالعباس أحمد بن طولون وتاريخ الفراغ من الجامع عام 265ه عثر عليه أثناء الحفائر بصحن الجامع الطولونى، ويعد أقدم لوح تأسيسى فى عمارة مصر الإسلامية، لافتاً إلى أن للجامع مئذنة من الحجر ملاصقة لحائط الزيادة الغربية ولها سلم من الخارج يصعد منه إلى سطح يليه سلم حلزوني يوصل إلى سطح آخر يرتكز عليه الجزء العلوي، وهو على هيئة مبخرة ومن ثم تعرف المئذنة " بالملوية " متأثرة في ذلك بمئذنة مسجد سامراء المعروفة بالملوية. واضاف الباحث أن بناء جامع أحمد بن طولون كان سبباً فى سن تقليد خاص بعمال البناء في مصر حيث رأى أحمد بن طولون الصناع يبيتون في الجامع عند العشاء وكان فى شهر رمضان فتسائل "متي يشترى هؤلاء الضعفاء إفطاراً لأولادهم "، وأمر بصرفهم في وقت العصر، فلما فرغ شهر رمضان، قيل له قد انقضى شهر رمضان فيعودون إلى سمتهم، فقال " لا لقد بلغنى دعاؤهم وقد تبركت به وليس هذا مما يوفر العمل علينا "، فصار انصراف عمال البناء عند العصر تقليداً استمر إلى اليوم.