تتسلم لوكسمبرج غدا " الأربعاء" الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي خلفا للاتفيا وذلك لمدة ستة أشهر، وتعتبر هذه هي المرة الثانية عشر التي تتولي فيها لوكسمبورج رئاسة الاتحاد. ورغم أن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي قد فقدت الكثير من صلاحياتها بعد سلسلة التعديلات التي أدخلت على معاهدة لشبونة خلال السنوات الأخيرة غير أنها لا تزال تتمتع باختصاصات مهمة ومحورية على صعيد الاتحاد مثل ترؤس كافة الاجتماعات الوزارية ، وعقد الصفقات التشريعية التي تدفع عجلة الاتحاد ، فضلا عن لعب دور الوساطة في الاتفاقات بين الدول الأعضاء والمساهمة في بلورة وصياغة السياسات العامة للاتحاد. واتخذت لوكسمبورج خلال فترة رئاستها شعار "الاتحاد من أجل المواطنين" ، ووضعت على قائمة أولوياتها تحسين صورة الاتحاد أمام المواطن الأوروبي واستبعاد فكرة أن جميع السياسات الإصلاحية المنبثقة من الاتحاد هي عقوبات للدول الأوروبية بل إنها تهدف إلى تعزيز دور الاتحاد كمصدر لبث الثقة داخل المواطن الأوروبي والعمل على خدمة مصالحه في المقام الأول. وحددت لوكسمبورج سبع أولويات لها خلال فترة ترؤسها للاتحاد الأوروبي تمثلت في دعم الاستثمار عن طريق النمو وخلق فرص عمل ، تعميق الجانب الاجتماعي الأوروبي ، تنظيم مسألة الهجرة ، تنشيط السوق الداخلي ، دعم التنافسية الأوروبية في إطار شامل وشفاف ، تفعيل التنمية المستدامة ، وأخيرا تعزيز مكانة الاتحاد الأوروبي في العالم. ويتفق المتخصصون في الشئون الأوروبية على أن لوكسمبورج تواجه خلال رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي مجموعة من التحديات الصعبة التي تشكل أهمية أولية على الساحة الأوروبية ، أولها أزمة ديون اليونان وخروجها المحتمل من منطقة اليورو. فبعد فشل آخر جولة من المفاوضات بين اليونان وباقي دول مجموعة اليورو يوم السبت الماضي حول التوصل إلى اتفاق خاص بقائمة الإصلاحات الهيكلية المطلوب من أثينا تنفيذها لتتمكن من الحصول على الدفعة الأخيرة من برنامج المساعدات الأوروبية وقدرها 7,2 مليار يورو ، لتستطيع الوفاء بالتزاماتها خاصة لجهة سداد دينها لصندوق النقد الدولي والبالغ 1,5 مليار يورو ، ازدادت الأزمة اليونانية تعقيدا بعد إعلان رئيس الوزراء اليوناني إليكسيس تسيبراس عن تنظيم استفتاء شعبي في 5 يوليو القادم على برنامج الإصلاحات المقترح من قبل الدائنين وهو ما أثار استياء الأوساط الأوروبية والدولية. ويبدو مما سبق أن الوضع المتأزم في اليونان يزداد تعقيدا يوما تلو الآخر وهو ما يزيد من احتمال وقوع السيناريو الأسوأ المتمثل في خروج اليونان من منطقة اليورو والذي سيعد سابقة في تاريخ الاتحاد الأوروبي وينذر باحتمال انتقال هذه العدوى إلى دول أخرى مثل أسبانياوإيطاليا والبرتغال مما قد يؤدي بدوره إلى فقدان العملة الأوروبية الموحدة لقوتها ومصداقيتها في الأوساط الدولية وتراجع النفوذ الاقتصادي للاتحاد الأوروبي. ويعد الاستفتاء حول استمرار عضوية بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي هو ثاني التحديات التي تواجه لوكسمبورج خلال فترة رئاستها الدورية للاتحاد ، فبعد أن أقر البرلمان البريطاني في التاسع من يونيو الجاري مشروع قانون ينظم عملية الاستفتاء حول بقاء بلاده عضوا في الاتحاد الأوروبي ، يُنتظر أن يخوض رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مفاوضات جادة خلال الفترة المقبلة مع القادة الأوروبيين لإجراء تعديلات على معاهدة لشبونة والحصول على تغييرات كبيرة في علاقة بريطانيا بالاتحاد من أهمها مبدأ حرية الحركة وتشديد شروط حصول المواطنين الأوروبيين على مساعدات اجتماعية. وفي ضوء ذلك يٌنتظر أن تقود لوكسمبورج ، باعتبارها رئيسا للاتحاد الأوروبي ، عددا من الاجتماعات والمفاوضات لمناقشة هذه المسألة ولعب دور الوسيط بين بريطانيا والقادة الأوروبيين من أجل التوصل إلى حل توافقي للإبقاء على عضوية بريطانيا داخل المنظومة الأوروبية. أما ثالث التحديات التي تواجه الرئاسة اللوكسمبرجية هي أزمة الهجرة غير الشرعية التي أصبحت تتصدر الأولويات الأوروبية خلال المرحلة الراهنة ، وقد اتفق القادة الأوروبيون، خلال القمة الأوروبية الأخيرة التي عقدت في 25 و26 من يونيو الجاري ، على توزيع اللاجئين بين الدول الأوروبية على أساس طوعي إلى أن يتم التوصل إلى تفاهم تفصيلي حول هذا الأمر نهاية يوليو القادم ، مستبعدين بذلك مقترح نظام الحصص في توزيع المهاجرين الذي اقترحته المفوضية الأوروبية من قبل، مما أثار استياء بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها إيطاليا التي تعد من أكثر الدول تضررا من الهجرة غير الشرعية. ونظرا للخطورة التي باتت تشكلها قضية الهجرة على أمن القارة الأوروبية، فمن المنتظر أن تلعب لوكسمبورج خلال الستة أشهر المقبلة دورا محوريا في بلورة سياسة أوروبية فعالة لمكافحة موجات الهجرة غير الشرعية التي تتدفق إلى أوروبا بمعدلات هائلة وتشكل هما كبيرا على كثير من الدول الواقعة على البحر المتوسط مثل اليونان وإيطاليا. ومن المنتظر أن تحتل القضايا المناخية أولوية على أجندة الرئاسة اللوكسمبرجية للاتحاد الأوروبي خاصة أن فترة رئاسة لوكسمبورج ستشهد انعقاد مؤتمر باريس للمناخ المقرر عقده نهاية العام الجاري ، وانطلاقا من ذلك ستترأس لوكسمبورج في أكتوبر القادم اجتماعات وزراء البيئة الأوروبيين وستدير المفاوضات الخاصة بالبنود التي سيقوم الاتحاد الأوروبي بالتفاوض عليها خلال المؤتمر من أجل التوصل إلى اتفاق عالمي جديد بشأن التغيرات المناخية ، كما ستمثل لوكسمبورج رسميا الاتحاد الأوروبي خلال مفاوضات باريس في الفترة من 20 نوفمبر حتى 11 ديسمبر 2015. وتعتبر لوكسمبورج من أقدم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حيث أنها كانت ضمن الدول المؤسسة التي وقعت على عقد إنشاء الاتحاد عام 1951 ، كما أنها تعد أغنى دول الاتحاد إذ يبلغ الناتج الاقتصادي للفرد الواحد أكثر بمرتين ونصف من متوسط دول الاتحاد الأوروبي الثمانية والعشرين وهو ما يبرر اتجاه عدد كبير من الأفراد للعمل في هذا البلد صغير المساحة.