حاورت «البوابة» الكاتبة والمفكرة الكبيرة إقبال بركة، صاحبة الباع الطويل في الدفاع عن قضايا المرأة، خاصة بعد كتابيها «الحجاب» و«الحب في زمن الإسلام». وتحدثت «إقبال» عن أهم المشكلات التي تقف حائلًا أمام التقدم الفكرى للمجتمع، وتطرقت إلى وضعية المرأة الآن، وغيرها من القضايا والأمور المهمة في المجتمع المصرى. ■ بداية.. كيف تقيمين وضع المرأة داخل المجتمع المصرى؟ - لكى أجيب عن هذا السؤال لا بد أولا من الحديث عن المجتمع المصرى، نحن لدينا مجموعة من الخصال السيئة و«المستفزة» التي يجب التخلص منها، فمثلًا المجتمع لا يحترم المثقفين، بالتوازى مع وجود فجوة كبيرة بين رجال الدين وأصحاب الفكر، بينما «عامة الشعب» يتأثرون بآراء رجال الدين الذين يقابلونهم في المساجد والزوايا، وحتى على المقاهى، في حين أن المفكرين والمثقفين يجلسون في «بروج مشيدة»، ويرفضون النزول لهؤلاء «العامة»، أو التعامل معهم، والاقتراب من أفكارهم. أما الخصلة الثانية، فخاصة ب«المثقفين» الذين يتفادون الوقوف أو دعم الآراء التي تخلق جدلًا في المجتمع، فلو كان المثقفون وقفوا معى منذ الثمانينيات من أجل تطهير المجتمع من الأفكار المتطرفة لتغير الوضع ولو قليلًا، ولكان الناس تنبهوا لخطورة ما يحدث في المساجد وحقيقة «الدقون والجلابية». والثالثة، تتمثل في رفض المجتمع الاستماع إلى رأى المرأة، وعدم احترم آرائها، فما تقوله بالنسبة لهم «كلامه فارغ» يتعاملون معها بمنطق «دى ست مجنونة». والخصلة الرابعة والأخيرة، خاصة بالأزهر الذي يزيح أي فكرة تأتى من العلمانيين جانبًا، كما أن لديه تهمة جاهزة للمفكرين اسمها «علمانى»، التي تعنى بالنسبة للأزهر أن صاحبها «كافر»، مع أن العلمانى هو شخص لا يؤمن بالدولة الدينية، ويرفض سيطرة رجال الدين على النظام السياسي. وأنا أرى أن كل هذه الخصال السبب في عدم تقبل المجتمع لأفكارى وأفكار غيرى من المفكرين، والسبب فيما وصل إليه وضع المرأة. ■ هل المصريون مؤهلون في الوقت الجارى لفتح الباب أمام النقاش حول القضايا الخاصة بالمرأة؟ - أنا أعتقد أن النساء هن الأكثر خوفًا من فتح تلك القضايا، فالمرأة تخاف من أن يحدثها أحد عن الحرية، لأنها تشعر أنها ستكون مسئولية وهى تفضل القيود.. «الست عايزة أهلها يحكموها بالحديد والنار»، حتى إن الأمهات تفخر جدًا ببناتهن المطيعات فيقلن: «أنا بنتى زى الفل عاقلة وكاملة وملهاش رأى»، وحتى البنت التي تدافع عن حريتها يهاجمها المجتمع ويعتبرها «مسترجلة»، وأحيانًا «قليلة الأدب». ■ كواحدة من السيدات الداعيات ل«حرية المرأة».. كيف يتعامل معكِ «العامة» من النساء؟ - الحقيقية أنا اكتشفت شيئا غريبا جدًا.. أنا لدى شعبية كبيرة جدًا في الأوساط النسائية، وكنت أقابل بعض المحجبات يغمرونى بجمل إطراء، لكن في النهاية يقولون لي: «إحنا مقتنعين جدًا بكلامك عن الحجاب بس منقدرش». كانت مبرراتهن «زملائى في العمل يقاطعونى لو خلعته»، أو «أمى فرضته عليا عشان أتجوز»، أو «جوزى مش عايزنى أخلعه»، ولا مرة قابلت امرأة وقالت لى إنها ترتديه عن قناعة ورغبة.. كل أسبابهن كانت بعيدة عن التدين، لدرجة أن 90٪ من مرتديات الحجاب يعرفن جيدًا أنه ليس فريضة وأنه «مالوش لأزمة». ■ هاجمك البعض بعد وصفك النقاب بأنه «شيء حقير».. ما تعليقك؟ - ده رأيى الشخصى وأنا حرة فيه.. ولم أسع لفرضه على أحد، أنا أرى أن فرض النقاب على المرأة المسلمة شيء حقير جدًا، لأن ليس له علاقة بالدين مطلقًا، فحتى إن كان هناك بعض اللغط فيما يخص الحجاب، فإن الأمر «محسوم» بالنسبة للنقاب، وأنا بهذا القول لا أتعدى على أحد، أنا أقول رأيى، ومن تريد أن تتأثر به هي حرة، ومن لا تريد فالعكس صحيح.. أنا ليست لى سلطة على النساء. ■ تحدثتى في إجابة السؤال الأول عن الأزهر.. كيف تنظرين إلى الاتهامات التي توجه إليه ب«فرض آرائه على المجتمع»؟ - مبدئيًا أنا لن أنسى لمؤسسة الأزهر وقوفها بجانبى بعد رفع قضية على عقب نشر كتاب «الحجاب»، حيث طالب البعض بمنعى من الكتابة، وأحد المحامين الذين رفعوا القضية طالبوا «الأزهر» بالإقرار بضرورة مصادرة الكتاب، لكن «الأزهر» رفض مصادرته، رغم أن هذا القرار منعنى من جائزة كبيرة كنت سأحصل عليها إذا قرروا مصادرته. لكن للتعليق على أداء الأزهر في الوقت الحالى، فيجب أن نعود للأزهر في أوائل السبعينيات عندما كان طلابه بمنأى عن التشدد والتطرف الفكرى الذي ينتشر في الوقت الحالى، حتى كنا نفتخر بأن جميع المتطرفين الإسلاميين ليس بينهم شخص واحد أزهرى. ■ بعض مناصرى قضايا المرأة يقولون إن الإسلام لم ينصفها.. ما رأيك؟ - لا بد من فهم أن القرآن الكريم نزل في سياق زمنى وتاريخى وفكرى معين، فكان لا بد أن يخاطب هذا السياق.. المولى عز وجل بقدراته الخارقة كان يعلم كل ما سيتم اكتشافه، لكنه لم يذكره في القرآن، لأن عقول تلك العقود لم تكن ستفهم هذه المصطلحات، وكانت سترفض هذا الكتاب الذي يتحدث عن «خزعبلات»، فكل النصوص القرآنية الموجودة التي لا نتقبلها نزلت لأجدادنا الذين عاشوا منذ أكثر من 1400 عام، فمثلًا «الرق» لم ينزل نص صريح بمنعه، لأن منعه كان سيؤدى إلى أزمة كبيرة في هذا الوقت وهى «البطالة»، لأنه كان بمثابة وزارة العمل في الوقت الحالى، لكنه فتح الباب لكى ينتهى ويتلاشى مع مرور الزمن. ونفس الأمر بالنسبة لتعدد الزوجات، فعندما نص القرآن على أن الرجل من حقه الزواج بأربعة كانت مسألة خاصة بهذا الزمن، وثارت القبائل والعرب ثورة عارمة، لأن الرجل في ذلك الوقت كان يتزوج بالعشرات، وكان الزواج وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعى لبعض النساء، وحتى عندما يهاجم البعض الإسلام والرسول لأنه تزوج تسع نساء أو يزيد، فأنا بررت تلك المسألة قائلة: «الرسول كان بزواجه مثل عمل وزارة الداخلية، يقيم علاقات مع القبائل بأن يناسبهم، فتفتخر تلك القبيلة بهذا النسب، وتخضع له». الخلاصة، أن القيم الإسلامية في حد ذاتها معجزة بالنسبة لهذا الزمن، فمن كان يقول إن الإسلام سوف يسمح للمرأة بأن «ترث» في حين أنها كانت «تورث». ■ الدكتورة سعاد صالح قالت إنه من حق المحتل الإسلامى التمتع بنساء الدولة المحتلة.. ما تعليقك؟ - هذا هو الخبل الذي يصيب من تجاهلوا التقدم الذي طرأ على المجتمع، فهى تسعى للعيش في العصور المظلمة، في حين أن هذا الكلام انتهى من عقلية البشر، فلم يعد هناك شيء يسمى «ملك اليمين»، مع أنه موجود في الدين لكن الدين أمرنا بالتطور. ■ ننتقل إلى نقطة أخرى.. هل يمكن أن تعود جماعة «الإخوان» إلى الحكم من جديد؟ - هذا مستحيل، فمصر ليست حفنة من الرجال المتطرفين، مصر لا يتحكم فيها إلا شعبها، وهذا الشعب رفض «الإخوان»، ولن يسمح بعودة الجماعة من جديد، وهو في بداية الأمر لم يكن مقبلا عليها، لكن خدع البعض في شعاراتها، وأنهم ناس «بتوع ربنا» والكلام المخدر الذي لا يمكن للشعب أن يرفضه. ■ أيهما أكثر خطورة على مصر «السلفيون» أم «الإخوان»؟ - لم يكن هناك شيء اسمه سلفيين، هؤلاء اختراع «زرعه مرسي» أثناء توليه الحكم، فوقتها فوجئنا بحزب «النور»، وعندما سألنا: «من هؤلاء؟»، قالوا: «دول السلفيين»، فكتبت مقال عن معنى كلمة «سلفى»، فالسلفى هو الذي يتبع خطى السلف، لكن أنت لماذا ستحكم على الناس بالتحجر والرجوع للخلف؟ ولهذا فهو حزب «الظلمة»، لأنه يريد أن يتجاهل ألف عام من التقدم العلمى والتطور الهائل في الفكر الإسلامى وعلاقة الإنسان بنفسه ووطنه والآخرين، ويحاول العودة للدولة العباسية. ■ ماذا عن موقف النظام الحالى من حزب النور؟ - استمرار التعاون مع حزب «النور» يشين النظام الحالى بشكل كبير، كيف يترك «السيسى» حزبا، أعضاؤه لا يحترمون علم مصر دون حله؟.. هو حزب لا يؤمن بمشاركة المرأة فيستبدلها بزهرة. ■ هل تتوسمين خيرًا في الرئيس «السيسى» فيما يخص قضايا المرأة؟ - أتمنى ذلك، لكن الحقيقة مع استمرار بعض الأفكار المتشددة ضد المرأة في المجتمع المصرى لا أتوقع ذلك، فهل هناك عقل يقول إن القضاة يجتمعون ويقررون رفض تولى المرأة منصب قاضية؟.. أين العدالة الاجتماعية وعدم التمييز؟ فإذا كان القضاء نفسه لا يحكم بالعدل فيما يخص المرأة إذن أي إصلاح أو انتصار لحقوقها، فهناك تجاوزات كبيرة لا بد من إصلاحها، وأتمنى أن يهتم «السيسى» بتلك القضايا. هامش في واقعة هي الأولى من نوعها وافق مجلس القضاء الأعلى مؤخرًا على تعيين قاضيات من الإناث بالمحاكم المصرية المختلفة، تضمنت تعيين 8 مستشارات بدرجة رئيس محكمة من الفئة «أ»، و3 بدرجة رئيس محكمة من الفئة «ب»، وانتقال 15 مستشارة بدرجة قاض. ■ ما المحاور الواجب مراعاتها عند فتح قضية تجديد الخطاب الديني؟ - مبدئيًا لا بد من تحقيق التراث، بمعنى إعادة قراءة كتب التراث الإسلامى من جانب أكثر من باحث، ويقول كل منهم ملاحظاته على الكلام الموجود في تلك الكتب، والمحقق يعيد نشر هذه الكتب، ويكتب في الهامش الأخطاء الموجودة، ويأتى التصحيح من القرآن والسنة الصحيحة، وأؤكد على السنة الصحيحة. ثانيًا، لا بد من منع توزيع القرآن الكريم بدون تفسيره من جانب لجنة علمية حديثة، ويكون تفسيرًا علميًا معاصرًا، وتلك اللجنة لا تشكل فقط من علماء الدين لكن بوجود علماء في كل المجالات «الدين، والمجتمع، والفكر الإنسانى، والثقافة»، لأن بعض تفسيرات العلماء القدامى تتفق فقط مع عقلياتهم، وذلك حتى نتجنب الأفكار التي تخرج نتيجة قراءة «القرآن» وصمه «زى البغبغانات». وعلى سبيل المثال، وأنا أبحث في قضية «الحجاب» حاولت ألا أترك ثغرة لكى أمنع أي جهة من التنظير على بحثى، فوجدت مثلًا في أحد التفسيرات أن «الحجاب» فرض وأنه غطاء الشعر، ولا يوجد دليل على هذا، وعند البحث عن الأدلة التي استند إليها نجدها عبارة عن آرائه الشخصية، ويقول لك «أصله جيه في التفسير».. طيب و«احنا مالنا بالتفسير إحنا عاوزين اللى جه في القرآن والسنة الصحيحة». ولابد أيضًا من البحث العلمى العقلانى في السيرة النبوية، لأننا عندما نطلع عليها نجد فيها كلاما ينافى العقل والدين والواقع، فلابد من تحقيقها أيضًا، وكل ذلك تحت نظر «الأزهر» والحكومة المصرية، ولا ينفرد بها الأزهر وحده.