تكشف الأزمة الأخيرة بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، إثر بيان الخارجية العراقية حول الحكم على رئيس جمعية الوفاق الشيعية الشيخ علي سلمان بالسجن أربع سنوات، الأمر الذي اعتبرته دول الخليج تدخلا في الشأن البحريني، مقدمة مذكرة رسمية للسفارة العراقية بالسعودية ، مطالبة فيها العراق بوقف تدخله في الشؤون الداخلية لإحدى دول الخليج العربي، تكشف هذه الأزمة أن العراق العربي الخالد في الذاكرة العربية للأبد، أصبح مجرد وهما، وأن العراق "العربي"، الذي كان حائط الصد الأقوى أمام إيران، ذهب وأصبح مجرد ذكرى، بعدما سلمته الولاياتالمتحدةالأمريكية على طبق من فضة لإيران، فجاءت الأخيرة بحكومات طائفية، تمارس مذهبيتها وطائفيتها ليس فقط على بني جلدتها بل تمتد يدها الآثمة خارجيا نحو دول الجوار، في محاولة للفتك بدولة هادئة مثل مملكة البحرين، وهو ما يعني أن ثمة دولة أخرى على الحدود مع دول التعاون غير العراق العربي الذي نعرفه. ولعل المثير للدهشة هو أن الحكومة "الإيرانية" في العراق، التي حولت هذا البلد العربي إلى دولة مفتتة منهكة، تسيطر عليه الصراعات الطائفية وتتغلغل المذهبية إلى أبعد ركن فيه، ويتهاوى جيشه أمام عصابات "داعش"، هي من تطالب مملكة البحرين اليوم بالالتزام بقيم الديمقراطية!! فماذا جاءت ديمقراطية أمريكا في العراق إلا بالعملاء والخونة الذين دمروا وخربوا العراق؟ وهل انتهت الحكومة العراقية من كل أزماتها وحروبها لتواجه البحرين بمثل هذه التهمة السخيفة، رغم صدور الحكم من القضاء، حاملا مضمونه البراءة لسلمان، وليس الإدانة، بعد تبرأته من تهمته الرئيسية وهي "الدعوة إلى قلب نظام الحكم". وبطبيعة الحال؛ فالخطوة العراقية لم تأت من تلقاء نفسها، وإنما تقف ورائها إيران التي تريد شغل الرأي العام الخليجي دائما من خلال تحريك خلاياها في المنطقة، بالوكالة، لاستمرار المعركة الإعلامية مع دول المنطقة. غير أن الضجة الإيرانيةالعراقية حول سجن سلمان باعثها ومحركها الأول الانتصار الخليجي في اليمن على الحوثيين، الأمر الذي يربك إيران يوما وراء الآخر، حيث أصبحت على يقين من خسارة المعركة بسبب صعوبة تزويد مقاتلي الحوثي بالسلاح بعد أن سيطرت قوات التحالف العربي الخليجي على خليج عدن بالكامل، ما يعني انحسار فرصة إيران في مد الحوثيين بالسلاح، وهو ما جعل طهران تدير اللعبة من ناحية أخرى، مستخدمة البحرين كعادتها لشن هجومها على المنطقة، وتأليب الرأي العام العالمي ضدها. أيضا ؛ لا تكمن الأزمة في الحرب الإعلامية المستمرة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، فهذا أمر اعتاده الجميع، بسبب معرفة دوافع إيران ومواقفها الطامعة في المنطقة، لكن الأزمة الحقيقية هي بدء استخدام العراق في حرب بالوكالة مع البحرين، فهنا يختلف الموقف ، فالعراق مهما كان ومهما سيكون سيظل عربيا، فهو لا زال عضوا في الجامعة العربية، فضلا عن أن الشعب العراقي عربي مهما حاولت إيران تغيير هذه الحقيقة، والاشتباك بين دولتين عربيتين عضوتين في الجامعة العربية أمر غير مطلوب في هذا التوقيت، ويعود إلى المبدأ الصهيوني الشهير"فرق تسد" ، الذي يبدو أن إيران تستخدمه هذه المرة، وهذا هو مقصد الجمهورية الإسلامية الحقيقي، وفي هذا إشارة أيضا إلى ان طهران بدأت في اللعب بورقة العراق مثلما فعلت باليمن ولبنان وسوريا. أخيرا فالتعامل مع العراق يحتاج إلى دبلوماسية عالية، وحنكة عالية، وهو أمر يدور ما بين احتوائه ومحاولة فصله عن إيران تدريجيا، والحذر منه وتقويض يده في المنطقة إذا ما حاولت حكومته العبث بالأمن القومي لدول الخليج، وهي حالة خاصة من التعامل ترجع إلى عوامل الجوار والجذور العربية المشتركة والانتماء القومي وغيرها.