أدى تكرار مفردات حسينيين ويزيديين أو أتباع الحسين وأتباع يزيد على لسان كل من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والمرجع الشيعي وكيل مرجعية الولي الفقيه في البحرين عيسى قاسم، للتساؤل عن ماهية الأهداف والدوافع وراء استدعاء التاريخ من نقطة "كربلاء"، وهل للأمر علاقة بمشروع الشرق الأوسط الجديد ومحاولات تفتيت الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات متناحرة على أسس طائفية، وهو ما يتجه العراق نحوه بقوة الآن؟، وهل المشروع الأمريكي المتمثل في النموذج العراقي قابل للتكرار في بلد كالبحرين التي تعيش على وقع تجاذبات وأزمة سياسية منذ نحو أربع سنوات؟ وما هي طبيعة العلاقة التي نسجتها واشنطن مع الكيانات المعارضة، وهل تكون تلك الكيانات هي "حصان طروادة" القرن الواحد والعشرين للسيطرة على مقدرات الدول والشعوب؟ العشائر العراقية شوكة في حلق المخطط الأمريكي والإيراني : شخصيات كثيرة من أمثال أحمد الجلبي ونوري المالكي وإبراهيم الجعفري وإياد علاوي وعبدالعزيز الحكيم، احتلت صدارة المشهد السياسي في العراق على ظهر الدبابات الأمريكية منذ احتلاله في العام 2003، وهي شخصيات اختارها الاحتلال الأمريكي بعناية كما لو كان أجرى لها اختبارات أثبتت ولعهم الشديد بالسلطة ونهمهم الأشد للانتقام والقضاء على المكونات الأخرى التي تختلف معها في المذهب ، فكانت المهمة الأمريكية سهلة في القضاء على العراق كقوة عربية وتحويله إلى ولاية إيرانية تابعة للولي الفقيه . وقد أدت السياسات الطائفية المدعومة أمريكيا وإيرانيا إلى ما وصلت إليه العراق حاليا من ثورة تدعمها العشائر السنية، ويحاول الإعلام الصفوي والمالكي أن يصبغها بالصبغة الإرهابية في محاولة لاستدعاء التدخل الخارجي مرة أخرى ولكن للقضاء على المكون السني هذه المرة بعد أن أصبح شوكة في حلق المخطط الأمريكي والإيراني . المالكي والمنطق الطائفي المقيت : نوري المالكي اختصر منطقه الطائفي المقيت عندما أعلن فى نهاية عام 2013 وقبل أن تنتهى ولايته السابقة أن: "المعركة الحالية هي بين انصار الحسين وأنصار يزيد في هذا الزمن وأن الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد وها هم اليوم موجودون ، والحسين بلون آخر لا يزال موجودا، وهو الذي يستهدف الآن. العراقوالبحرين .. مسار التخطيط والتفتيت : أما في البحرين ورغم الفارق الكبير بين ظروف وواقع الدولتين، إلا أن مسار التخطيط والتفتيت ظل متشابهًا، بل متطابقًا سواء في أدواته أو في آلياته ودعاماته، فالأدوات هي تلك الشخصيات المنتمية لجمعية الوفاق التي تتصدر المشهد السياسي أيضا تحت مسمى قيادات "المعارضة" والتي تستظل بظل المرجعية الدينية للشيخ عيسى قاسم، والتي يبدو حراكها معتمدًا بشكل كلي وعلني على استجداء التدخل الغربي وخصوصًا من الجانب الأمريكي، والذي دعم حراك 14 فبراير 2011 بممارسة أدوات الضغط كافة على النظام البحريني لمحاولة إخضاعه وإسقاطه فيما عرف بموجة الربيع العربي. فمنذ بداية الأحداث التي شهدتها المملكة عام 2011، وتحديدا في شهر فبراير طالبت "المعارضة" المجتمع الدولي ومجلس الأمن بحماية المدنيين في البحرين من خطر التدخل العسكري الخارجي، موجهة نداءً للأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" في بيان مشترك زعمت فيه أن الشعب البحريني في خطر حقيقي يهدده بشن حرب من قبل جيش مسلح ضد المواطنين البحرينيين دون إعلان حالة الحرب، واعتبرت وجود قوات درع الجزيرة احتلالاً لمملكة البحرين وتآمرًا على شعبها الأعزل، ويخالف الاتفاقيات والأعراف الدولية في السلم والحرب. ووصل الأمر إلى أن هدد رئيس جمعية الوفاق "علي سلمان" بأنه سيعتبر قوات مجلس التعاون لدول الخليج العربية قوات احتلال في البحرين، وسيطلب الدعم من الجمهورية الإيرانية في حالة التعرض إلى الشيعة في البحرين، كما هدد مرارا وتكرارا باللجوء إلى المجتمع الدولي وتشجيعه للتدخل في شئون البحريني تحت العديد من المسميات. وهذا نبيل رجب الناشط الحقوقي الشيعي، يدعو المجتمع الدولي الى معاقبة بلاده، معتبرا أن البحرين تحولت الى "ديكتاتورية"، وذلك في مؤتمر صحفي نظمه قبل أسابيع في جنيف بعد الإفراج عنه. وطالب الدول الديمقراطية مثل بريطانيا وفرنسا ودول الاتحاد الاوروبي عليها أن تتبنى مواقف أكثر حزما" حيال البحرين! أما عضو الوفاق والنابي السابق في البرلمان مطر مطر فهو يحظى بتواجد دائم في الكونجرس الأمريكي، وقد طلب صراحة التدخل الأمريكي المباشر بدعوته الكونجرس الأمريكي في أغسطس عام 2012 للسعي لاستحداث حكومة وحدة وطنية في البحرين من جميع الأطراف بتمثيل متناصف من المعارضة والموالاة بقيادة رئيس وزراء متفق عليه. مهندس الطائفية من العراق إلى المنامة! ومن الواضح أن هناك ترابطًا وتلازمًا بين هذه الشخصيات وبين الدولة الأمريكية فضلاً عن الدولة الإيرانية، بدليل حرص واشنطن على تعيين السفير توماس كراجيسكي "مهندس الطائفية في العراق" سفيرًا لها في المنامة في عام 2011 وذلك بعد أن انتهى من مهمته في تفتيت العراق بكفاءة عالية، وهو ما أثار الريبة حول أهداف واشنطن من وراء اختيار كراجيسكي سفيرا في البحرين تحديدا، واعتبره البعض توظيفا لتجربته في العراق واستنساخها في البحرين بعد أن اكتسب الخبرة اللازمة وكون التحالفات الضرورية لتقوية علاقاته مع تيارات متعاونة مع ايران وتسهيل وصولها للحكم. وقد كان السفير واضحًا منذ البداية حينما قال في جلسة استماع نظمها الكونغرس الامريكي للقبول بتعيينه سفيرا في البحرين أن الاعتقالات والمواجهة بالقوة من قبل النظام البحريني ستؤدي الى القضاء على اية حلول سياسية، وانه سيحض الحكومة البحرينية على استمرار الحوار الوطني لكنه سيراقب سيرها في هذا المجال. واكد السفير كراجيسكي انه سيهتم بالعمل مع المنظمات الحقوقية المدنية البحرينية بالإضافةللأجهزة الحكومية وسيعمل على تدعيم عمل ونشاطات البرنامج الاميركي لتدعيم الديموقراطية (ميبي) في البحرين. والحق يقال أن السفير الأمريكي التزم بما صرح به في بداية تعيينه، وبات وكأنه قياديًا في جمعية الوفاق البحرينية ينظم لها الأنشطة والبرامج الداخلية والخارجية ويحدد لها السياسات ويضع لها الخطط للوصول لغاية واحدة وهي إسقاط النظام الشرعي القائم وتمكين أتباع الولي الفقيه من الحكم في البحرين. وقد عكست محاكمة القيادي الوفاقي خليل المرزوق مؤخرا هذا الترابط والتلازم بل والتلاحم بين الجانبين، فضلاً عن النشاطات الإعلامية والسياسية التي يقوم بها الوفاقي مطر في أروقة الكونجرس الأمريكي. الفتاوى والتهديدات المجتمعية أما الآلية الثانية المهمة لتقسيم المجتمع كما حدث في العراق فكانت الفتاوى التي تصدر عن مرجعيات هذه المعارضة، فهذا هو عيسى قاسم وكأنه يسير على ذات خط نوري المالكي ، فيتحدث فى فبراير عام 2006 مع بدء موسم عاشوراء وفى إحدى خطبه موجهاً الكلام الى جماهيره "إن معركة كربلاء قائمة بطرفيها اليوم وغداً .. في النفس .. في البيت .. في كل ساحات الحياة والمجتمع .. وسيبقى الناس منقسمين الى معسكر الحسين (ع) ومعسكر يزيد .. فأختر معسكرك ". إن هذه الدعوة حملت في نصها وجوهرها فكرة تقسيم البحرينيين إلى معسكرين متضادين احدهما مع الحسين والآخر ضده ، وهو ما يتعارض أولا مع نصوص الدستور البحريني الذي يمنع مثل هذه التقسيمات كما يجرم أية نصوص أو عبارات أو شعارات تحرض على الفتنة الطائفية. وفي تأكيد على هذا النهج الطائفي البغيض، يصدر عيسى قاسم فتوى بسحق رجال الأمن ، في فتوى أثارت العنف والتخريب في البلاد. إن دعوة المالكي في عام 2013 ودعوة عيسى قاسم في عام 2006 تؤكدان أن الشخصين وأتباعهما هم من خريجى مدرسة واحدة وهى مدرسة قم فى طهران، تلك المدرسة التى يتتلمذ فيها أحفاد الخمينى وحلفاؤه الذين يستهدفون تشطير الامة العربية وتقسيم دولها وبث الفتنة بين أبنائها برفع شعارات طائفية مذهبية. التقسيم الأجوف على أساس طائفي مذهبي : كما تكشف الدعوتان فقر هذا الخطاب الذي يحمله أمثال هؤلاء وعدم قدرتهم على التجديد، فما زال الخطاب ورغم بعد السنوات يدور فى حلقة مفرغة من التقسيم الاجوف على أساس طائفى مذهبي، فرغم ما يرفعه أنصارهما من شعارات عن الديمقراطية والمواطنة وحقوق الانسان، إلا أن ممارستهم تكشف عن سياسة تتناقض كلية مع هذه الشعارات، فنجد الاستحواذ والاقصاء والعنف والارهاب تجاه كل المخالفين حتى ولو كانوا ينتمون إلى المذهب الشيعى ذاته ولكنهم يعارضون سياستهم وأفكارهم وتوجهاتهم، يدلل على ذلك بعض الأطراف الشيعية في البحرين الرافضة لنهج جماعة عيسى قاسم وعلى سلمان، وكذلك الشيعة الرافضون لسياسات المالكي التي تستقوي بالدعم الإيراني والاحتلال الأجنبي على حساب وحدة الدولة العراقية واستقرارها. لقد بدت مخاطر وصول أمثال هؤلاء للسلطة، فهم يتنفسون الطائفية، وتجربة العراق أبرز مثال إذ بات على شفا التحول على أيدي هؤلاء إلى دويلات ومعسكرات لا تعرف الاستقرار .