منذ أحد عشر عامًا لم يتوقف نزيف الدم العراقى ولم تهدأ السيارات المفخخة والانتحاريون وكانت النتيجة الأسوأ للاحتلال الأمريكى هو تحول الصراع إلى صراع مذهبى وطائفى تغذيه وتموله جهات داخلية وخارجية لقد خرجت أمريكا من العراق بعد أن اسقطت بغداد وتخلصت من نظام صدام حسين، لكنها لم تنشر الديمقراطية والحرية، بل تركت العراق نهبًا للطائفية والمذهبية تحت رعاية نورى المالكى. وأمريكا الآن غير مستعدة، ولن تتدخل عكسريًا لإنقاذ العراق من دوامة العنف، وقد تكتفى بهجمات للطائرات بدون طيار ضد بعض قادة «داعش» او ضد قادة ثوار العشائر. أما الموقف الإيرانى فقد كان الأقوى على الإطلاق، فقد سارعت للتعليق على التطورات بنبرة توحى وكأن الأحداث وقعت على الأراضى الإيرانية لا العراقية، وقد تحركت طهران تبعًا لذلك. فالكل يعرف مدى النفوذ الإيرانى فى بلاد الرافدين. وقد ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» يوم الخميس قبل الماضى أنباء تفيد بنشر الحرس الثورى الإيرانى كتيبتين من فيلق القدس لمساعدة الحكومة العراقية فى حربها ضد المسلحين. ولا شك أن طهران لاتعوزها الوسائل لبسط وجودها على الأرض، حيث لا تخفى علاقاتها مع ميلشيات شيعية، وكذلك مع مختلف مستويات الحكم فى بغداد، ولن يثير أى تدخل إيرانى مرتقب ردود فعل سلبية فى الخارج لدى الغرب، فى ظل العلاقات الجيدة بين الغرب وإيران الآن، وبخاصة أن التدخل سيبدو ظاهريًا لمكافحة إرهاب «داعش»، وإعادة الأمر لما تريده المعادلة الأمريكية للعراق. بنظرة سريعة على الماضى القريب ستجد أن العراق قد خرج منذ 25 عامًا من الصف العربى نتيجة غزو الكويت وتعرضه للدمار على أيدى القوات الأمريكية وحلفائها، حتى عاد العراق إلى العصور الوسطى، لا كهرباء ولا ماء ولا خدمات للمواطنين ومنذ ذلك التاريخ لم يحدث أى تقارب ملحوظ مع أى دولة عربية، بل على العكس تأزمت العلاقات بين العراق وبين أكثر من جار له. أما العلاقات العراقية - الإيرانية فقد شهدت تحسنًا كبيرًا منذ سقوط صدام حسين. وذلك بسبب الانسجام العقائدى والمذهبى للحكومتين، وهو ما يؤدى الآن إلى استعداد إيران للتدخل وتقديم الدعم للحكومة العراقية فى حربها على «داعش» وثوار العشائر، وهذا يعنى إشعال الصراع مرة أخرى بين مرجعيتى المذهبين. إن ما حدث فى العراق يتحمل العرب جزءًا كبيرًا من مسئوليته، فالعرب يكتفون بمشاهدة ما يحدث فى العراق، كما يتفرجون على ليبيا، ويشاهدون ما يحدث فى سوريا منذ أربع سنوات دون أن يدركوا الخطر القادم المحدق بهم جميعًا. إن العراق فى أمس الحاجة إلى عمل عربى مشترك لا ينطلق من الانتماء المذهبى والطائفى والدينى، بل يستند إلى المصالح العليا للشعوب العربية. فلم تنجح «داعش» فى إحراز هذه الانتصارات السريعة إلا بأخطاء سياسة نورى المالكى الطائفية، وترك الساحة العراقية خالية أمام دعاة المذهبية والتقسيم، واكتفاء العرب بالمشاهدة.. لعلنا نتعظ هذه المرة ونتحرك قبل فوات الآوان.