انزل الله آدم وحواء إلى الأرض، فوجدا الأرض مغطاة بالأشجار العالية والأعشاب، ووجدا السباع والنمور والفيلة والضباع وجميع الوحوش تعيش في الأرض، فخافا أن تأكلهما هذه الوحوش، وتذكرا كيف كان يعيشان في الجنة، يأكلان ما يشتهيان، ويناما آمنين، بلا خوف أو جذع، لولا وسوسة الشيطان، التي أخرجتهما من جنتهما، اختار الاثنان سكنا في كهف عال، خوفًا من الوحوش والسباع، أصبح عليه أن يتعب ويتصبب عرقًا وتتقطع أنفاسه، قبل أن يجد طعامه، وشاركته حواء قسوة الحياة ومتاعبها ليستطيعا مواصلة الحياة، وحملت حواء ووضعت طفلا سمته قابيل، وفرح آدم بأول ولد له، ومرت سنة أخرى، وحملت حواء ووضعت طفلا آخر سمته هابيل، واستمر آدم في البحث عن الطعام وإحضاره للأسرة، التي زاد عددها. وكبر قابيل وهابيل، وكان عليهما أن يعملا ليساعدا آدم في إحضار الطعام للأسرة، وفى حمايتها من السباع والنمور والوحوش. كان قابيل هو الأكبر، ولكن كان هابيل هو الأقوى، وكان قلبه رقيقا ونفسه طيبة، رؤوفا رحيما بكل من حوله من نبات وحيوان. زادت الفواكه والثمار التي رزق الله بها آدم وولديه، فأراد آدم أن يعلم ولديه الكبيرين كيف يشكران الله على هذه النعم الكثيرة، فأمرهما أن يذهبا إلى قمه الجبل، وأن يضع كل منهما شيئا من محصوله، ليأخذه ويأكله أي من مخلوقات الله التي لا تعرف تربية الحيوان ولا زراعة الأرض، فيكون زكاة منهما وقربانا إلى لله. ذهب هابيل إلى غنمه، وأخذ يبحث حتى وجد خروفا سمينا كان أحسن خروف عنده، فذبحه، وهو مسرور، لأنه سيقدمه لله الذي يرزقهم بالطعام والشراب، أما قابيل فقد أخذ يبحث في الفاكهة والثمار، ولكنه لم يكن يبحث عن الحسن، بل كان يبحث عن شيء رديء، لأنه هو نفسه كان رديئا بخيلا حتى وجد فاكهة فاسدة. قدم قابيل إلى الله هديته الرديئة الفاسدة، وكان قلبه رديئا كهديته، وقدم هابيل هديته التي كانت أحسن ما عنده، وكان قلبه صافيا نظيفا. وفى اليوم التالي، ذهبا ومعهما أبوهما آدم إلى قمة الجبل، فلم يجد هابيل هديته، فعرف أن الله قبلها منه، أما قابيل فوجد هديته الرديئة كما هي. ففرح هابيل وشكر الله، وغضب قابيل، واغتاظ من أخيه. وقال لأبيه وهو غضبان: إنما تقبل الله منه لأنك دعوت له ولم تدع لى. فقال له آدم: بل تقبل الله منه لأنه قدم أطيب ما عنده، وقلبه صاف، أما أنت فقدمت إلى الله أردأ ما عندك وقلبك رديء، إن الله طيب لا يحب إلا الطيب. وانصرف هابيل، ووقف قابيل ينظر إليه وهو غضبان، كان حزينًا لأن الله فضل أخاه عليه، ولم يدرك أن قلبه الممتلئ بالكره والبخل كان السبب في أن يفضل الله شقيقه هابيل عليه. وجاء الشيطان وهمس في أذن قابيل: اقتل أخاك، اقتل هابيل.. فرفع رأسه ونظر فرأى أخاه يسير هادئا، فشعر بضيق، وراح الشيطان يقول له اقتل هابيل اقتل هابيل. أسرع خلف أخيه حتى إذا لحق به، قال له في غضب لأقتلنك، فقال له هابيل في استغراب لماذا تقتلنى؟ نظر قابيل نظرة كلها كره وحقد إلى هابيل، وقال: لأن أبى يحبك أكثر منى، ولأن الله فضلك على. فقال له هابيل في استغراب: إن قتلى لن يغير شيئا، فلن يحبك أبى لأنك قتلتني، وسيزداد غضب الله منك. وقبض قابيل هابيل وهو ثائر، فقال له: سأقتلك لأستريح منك. فقال هابيل لأخيه: لن تعرف الراحة إذا قتلتني. فقال قابيل والغضب يعميه: لن أعرف الراحة حتى أقتلك. فقال له هابيل في هدوء، وكان أشد من أخيه وأقوى: «لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ». وانصرف هابيل في هدوء، ووقف قابيل، وهو ينظر إلى الأرض، ويشعر بكره شديد لأخيه. مراجع الحلقات أنبياء الله .. أحمد بهجت محمد واللذين أمنوا معه .. عبدالحميد جودة السحار قصص الأنبياء .. للإمام إبن كثير