أكل اللحوم وحبها من العلامات الأصيلة في الثقافة العربية، وكانت أهم موارد العرب، ويفخر العربي بقدرته على الصيد، وآخر بثروته من الماشية، وكان الرجل يُكرم ضيفه بأن ينحر له الذبائح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكد على مكانة اللحم بين الأطعمة عندما قال "سيد طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم". في دراستها عن الأطعمة في التراث العربي، ذكرت الدكتورة سهام الدبابي، أستاذة اللغة والآداب العربية أن التراث العربي ذكر أن العرب "قوم لاحمون شاحمون، يأكلون لحوم الصيد من أرنب، وحمار وحش، وظبي، ونعام، وطير، ويقرمون إلى لحوم الإبل والغنم والماعز، ويحبون شحومها، ولكنهم لا يفضلون على لحوم الإبل لحمًا، فهي حيوانهم الذي يعتمدون عليه في معاشهم، خاصة أهل الوبر منها". واعتبر العرب أطيب اللحم هو لحم العوذ، وقال القدامى أن طيب هذا النوع من اللحم ناتج عن المتعة التي تحدث أثناء أكله، ووصفت الكتب هذه المتعة للآكل ب"يشد القطعة بين يديه، يلامسها، فينظر غليها ويدبر كيف يأكلها، فينهش اللحم، ينتزعه بالثنايا، ويخلل ما على العظم، فيتمخمخه، ويمتص ما فيه، ويمضغه إذا كان هشاشًا، ويحقق حيوانيته نهشًا ومضغًا ومصًا". وذُكر كذلك أن العرب كانوا يحبون "الجنيد" هو اللحم المشوي، فقد جاء أن الجنيد "هو الذي يقطر ماؤه وقد شوي، وهو الشواء الذي لم يبلغ في نضجه"، كما عُرف عن طرق أكل اللحم وتخزينه أنه"تأكل العرب اللحم طريًا ومجففًا، وتشرحه قطعًا طوالًا فيكون قديدًا، وعراضًا فيكون صفيفًا، وتقطعه صغارًا فيكون متممًا، وتغلي اللحم بالملح إغلاءه قبل تجففه فيكون وشيقًا، وتقدم سناب البعير شطانب، وتجفف الكرش فتملؤها لحمًا وشحمًا مقددين مطبوخين، وتصب عليهم الودك حتى يجمد، وتحفظها في حوالق تخزنها". وكان للعرب عِدة طرق في طبخ اللحم ما زلنا نتّبع أكثرها حتى الآن رغم تطور وسائل الطبخ، وهذه الطرق ذكرت منها الكتب "اللحم يكون قديرًا يطبخ في الماء والملح، وقد يتولبون ماء القدر، ومع علمنا بإنتاج اليمن للتوابل، وبوجود الأفاوية في أسواق مكة، ويجلب بعضها من الهند، وقد تُضيف العرب إلى اللحم القدير الحمص والقرع أو الدباء، ويطبخ أهل اليمن اللحم بالخل، ويبقى الطعام في القدر شهرًا أو شهرين جامدًا لا يفسد، وإذا أسخن تظهر فيه رائحة يومه، وتكون قدور العرب من معدن أو فخار أو حجارة منحوتة، وقد يُقلى اللحم وتستعمل المقلاة لذلك، وغالبًا ما يشوى"؛ وجاء في الدراسة أن العرب يفضلون اللحم السمين "لا تميل العرب إلى اللحم الغثيث، كما لا تحب المرأة الهزيلة ولا الرجل الغث، وتستطيب العرب الآلية والشحم، فتأتدم بالشحم، وتفضل اللحم السمين تجتمله، كما تستديف الشحم، وتستلذ المرقة المتحيرة، والمدومة والدوامة". أما الثريد، وهو مركب من خبز ولحم، فهو الأكل المُفضل للعرب على الإطلاق، حيث رُويَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"، ما يوضح المكانة الكبيرة للثريد ومرتبته بين الأطعمة ؛ فهو طعام أهل الجنة، وقد قال الله تعالى لمن طلبوا منه القثّاء والفوم والعدس والبصل " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ". وحسب ما جاء في كتاب"الطب النبوي" لابن القيم الجوزية فإن المرق، وهو ماء اللحم المطبوخ، هو أول طعام تذوقه الإنسان عندما عرف صناعة القدور وطبخ اللحم فيها، ومن ثم اهتدى إلى عمل الخبز ومزجهما فعرف الثريد الذي يتصل بالمرق اتصالًا وثيقًا، فلا ثريد بلا مرق"وإن كان هناك مرق بلا ثريد وثرد الخبز يثرده ثردًا، إذا فتّه في المرق، فهو ثريد ومثرود، ومؤنثه ثريدة ومثرودة". وفي المأثورات الشعبية احتل كلاهما مكانًا بارزًا، فجاءت كثير من الأمثال على هاتين اللفظتين، وسبب ذلك ارتباطها ارتباطًا وثيقًا بجياة الناس وبخاصة الطبقات الشعبية منهم، حيث كانت أكلتهم الرئيسية منهما، فلا يوجد من لا يتناول مرقًا وثريدًا يوميًا، فأطلقوا على الشخص الذي يتهافت على موائد السراة وذوي الحظوة والنفوذ ويبيع ماء وجهه في سبيل لقمة يأكلها في بيوت المترفين اسم "أبوالثريد" أي الذي يلعق الثريد المتبقي في صحون الأغنياء، بعد أن يتناولوا اللحم ويشربون المرق.