في أحضان الطبيعة الجميلة، والمرتفعات الشاهقة، والبحر المتسع الذي يحتضن المدينةالجزائريةوهران بدأت مساء الخميس الماضي فعاليات مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في دورته الثامنة، والذي كان باسم الروائية الجزائرية الراحلة آسيا جبار، ويستمر خلال الفترة من 3 يونيو حتى 12 من نفس الشهر، بدأ حفل الافتتاح في تمام العاشرة مساء بتوقيت الجزائر متأخرا عن موعده الرسمي ساعتين كاملتين، ولكن لعل هذا التأخير في موعد الافتتاح يعوضه الحفل الجيد والمنظم من قبل إدارة المهرجان التي نجحت في تقديم حفل افتتاح مشرف للمهرجان. لعل اللافت للنظر في حفل الافتتاح هي القاعة الضخمة التي ضمت أعدادا هائلة من الضيوف والفنانين، والروائيين، والمنظمين، هذه القاعة التي تفوق المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية من حيث الحجم والمساحة، كما كان المسرح مُعدا بشكل مُشرف من حيث الديكور، والألوان الزاهية الحيوية، فضلا عن الصوت الذي لم يشبه أي عطل طوال الساعتين اللتين تم فيهما حفل الافتتاح؛ وبالتالي خلى المهرجان تماما من أي أخطاء صغيرة أثناء الحفل سواء من حيث الصوت، أو شريط الصورة الذي عرض تريللر سريع للأفلام التي ستعرض أثناء هذه الدورة، أو الإضاءة التي كانت مناسبة إلى حد كبير مع الجو الاحتفائي للمهرجان. بدأ الحفل بكلمة السيد إبراهيم صديقي محافظ المهرجان الذي رحب بالضيوف، لتليها كلمة والي ولاية وهران، ثم كلمة وزير الثقافة الشاعر عز الدين ميهوبي الذي أكد على أن السينما فكرة، لكنها في النهاية إبهار، وأن السينما صورة، لكنها إبداع، كما قال في معرض كلمته "لا أغالي إذا قلت أن السينما هي أعظم ابتكار سعى من خلاله الإنسان إلى محاكاة نفسه خارج الذات"، وانتهز وزير الثقافة الفرصة من أجل توجيه التحية للكثيرين من السينمائيين الراحلين قائلا: "في وهران ستكون وقفة للذكرى مع أرواح كبار وكبيرات السينما العربية الراحلين والراحلات: فاتن حمامة، وسيد علي كويرات، وعمار العسكري، وحسن مصطفى، وفتيحة بربار، وإبراهيم يسري، ومعالي زايد، وكلها أسماء صنعت البهجة والفرحة طويلا، واحترقت بضوئها بعد عمر من السعادة.. وفي وهران سيستعيد الجميع ملامح الزمن الجميل لهؤلاء المبهرين والمبهرات". لم ينس وزير الثقافة في معرض كلمته تحية المخرج الجزائري محمد الأخضر حامينا الذي كان حاضرا بين الضيوف قائلا: "في وهران سيقف الجميع مصفقا لصاحب السعفة الذهبية الأولى للعرب في مهرجان كان السينمائي، الكبير جدا، محمد الأخضر حامينا، عبقري الشاشة الذي لا يتعب أبدا.. هذا الذي انتزع قبل أربعين عاما اعتراف العالم بالميلود، صانع وقائع الجمر، وراوي معاناة شعبه القاسية". تلا كلمة وزير الثقافة تكريم الفنانة المصرية ليلى علوي التي صعدت على خشبة المسرح وأهداها والي ولاية وهران ثوبا جزائريا يعبر عن الثقافة الجزائرية وتراثها الوطني مطرزا بخيوط من ذهب، لتلقي كلمتها التي تحدثت فيها عن أهمية مهرجان وهران، وأهمية رعايته للفيلم العربي. ثم حرص المنظمون على تقديم تريللر سريع للأفلام التسجيلية، والأفلام الروائية القصيرة والطويلة التي ستعرض أثناء دورة المهرجان. ربما كان الجديد في مهرجان وهران في دورته الثامنة هذا العام تأسيس ملتقى الرواية والسينما الذي يؤكد أن السينما لا يمكن أن تكون لها الأولوية، أو الاستمرارية من دون الفن الروائي، وهذا يدل على أن الرواية والسينما لا يمكن لهما الانفصال؛ فكل منهما فن يعمل على إكمال الآخر والاستفادة منه؛ ولذلك كان ملتقى الرواية والسينما هذا العام الذي حرص على دعوة الكثير من الروائيين العرب من أجيال مختلفة إلى الملتقى من أجل تقديم تجاربهم الروائية التي استفادت من مجال السينما، أو أفادته بتحويل أعمالهم إلى أفلام سينمائية، وكانت الدورة رسالة وفاء لروائي من أهم روائيي الجزائر؛ ولذلك كانت الدورة الأولى باسم الروائي الجزائري رشيد بوجدرة الذي تم تكريمه خلال دورة المهرجان، كما كان من ضمن الحاضرين من الروائيين العرب الروائي الجزائري واسيني الأعرج، والعراقي المقيم في إسبانيا محسن الرملي، والجزائري بشير مفتي، والأردني مفلح العدوان، والمصري وحيد الطويلة، والكويتي طالب الرفاعي، والأردني معن البياري، والفلسطيني إبراهيم نصر الله، والجزائري حاج أحمد الصديق الزيواني، وغيرهم الكثير من الروائيين العرب الذين أضفوا على المهرجان طابعا أدبيا، يدلل على صعوبة الفصل بين الفن الروائي والسينمائي. بدأ اليوم الأول الخميس بفيلم الافتتاح الجزائري "لطفي" للمخرج الجزائري أحمد راشدي الذي يتناول السيرة الذاتية لأحد الشخصيات التي ساهمت في الثورة الجزائرية، والذي سقط في ميدان الشرف وعمره لم يتجاوز ال26 عاما، مدة الفيلم 170 دقيقة رأينا من خلاله الحياة الثورية لبن على بودغان المعروف بالعقيد لطفي الذي أدى دوره الممثل يوسف سحايري، نرى من خلال الفيلم حياة المناضل الجزائري لطفي منذ كان طالبا يتحدر من عائلة مثقفة بتلمسان ومولعا بالأدب، وبعدما صار الشاب مطاردا من قبل الشرطة يهرب إلى الجبل وعمره لم يتجاوز الواحدة والعشرين من العمر، فيلتحق بولاية وهران ليشرف على قيادتها بعد ذلك حيث اُختير له الاسم الثوري "راهيم"، وتستمر أحداث الفيلم في عرض حياة هذا المناضل وكيفيه تقدمه في الجيش وتوليه العديد من الرتب المختلفة وكيف كان يرفض تفضيل العسكري على السياسي في تشكيله الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كما كان يطرح دائما مسألة غياب المرأة المجاهدة في القيادة، ولكن يُلاحظ على الفيلم أنه مال كثيرا باتجاه التوثيق على حساب الروائي، ليصبح الفيلم أقرب إلى الأفلام الوثائقية منه عن السينما الروائية، حيث اعتمد السيناريو خطابا مباشرا، فلم يترك المجال من أجل قراءة الشخصية وتأملها. تكونت لجنة تحكيم الأفلام الطويلة من العماني خالد الزدجاني، والتركي محمد باسوتسو، والجزائرية باية الهاشمي، والمغربي كمال كمال، والليبية زهرة مصباح، ليترأس لجنة التحكيم الناقد اللبناني إبراهيم العريس. عُرض الفيلم الجزائري im dead راني ميت للمخرج الجزائري ياسين محمد بن الحاج، وهو الفيلم الذي يدور في إطار بوليسي حول عمر الذي يطلب منه ابنه شراء قناع غوريلا لأجل مسرحية بالمدرسة؛ ولأنه لا يمتلك النقود يقوم بسرقة سيارة يجد بداخلها حقيبة ممتلئة بالنقود، ولكن تكون المفاجأة أن مالك هذه السيارة قاتل شهير، لا يتركه يمر بفعلته لتكون المطاردة بينهما طوال مدة عرض الفيلم، كما عرُض الفيلم التونسي "الزيارة" للمخرج نوفل صاحب الطابع الذي يتحدث عن يوسف الذي عاش في طفولته مأساة عائلية جعلته يتيما يعاني من فقدان دائم للذاكرة، والذي يتعرف على فتاة غامضة أمام منزل غير مألوف دخلته ولم يقابلها مرة أخرى، ولكن هذا اللقاء كان له أكبر الأثر في مساعدته على استعادة ذاكرته، حيث يبدأ يوسف في النبش في الذاكرة ويتعرف أثناء بحثه الذي جعله يتردد دائما على هذا المنزل من دون أن يدخله على شيخ طريقة من الطرق الصوفية، مقيم في هذا الحي منذ فترة طويلة، ولكنه يخبر يوسف أن هذا المنزل الذي أوصل له الفتاة هو في حقيقة أمره منزل مهجور منذ الثلاثين عاما، وموصد الأبواب دائما، ولا يمكن أن يسكنه إلا الجان رافضا أن يفصح له عن أي تفاصيل أخرى، وهنا تبدأ رحلة يوسف في معرفة سر هذا المنزل والفتاة، كما تكون رحلته من أجل استعادة ذاكرته. وفي مسابقة الأفلام الروائية القصيرة عُرض الفيلم الليبي الإمارة للمخرج مؤيد زابطية الذي يتحدث عن وسام الشاب الليبي الناشط في المجتمع المدني والذي يتعرض للاختطاف والسجن والتعذيب بسبب حديثه في إحدى القنوات التليفزيونية عن قضايا حقوق الإنسان؛ لتبدأ رحلته من خلال السجن في التعرف على جميع أنماط المجتمع الليبي من مختلف الميليشيات القبلية والمحتمية بجنون السلطة، كذلك الميليشيات الإسلامية التي تسيطر على كل هذه الأطياف وتستغلها في خدمة مصالحها والسيطرة عليها. في مساء اليوم الأول لفعاليات المهرجان بدأت أولى فعاليات ملتقى الرواية والسينما المقام للمرة الأولى على هامش المهرجان، والذي حضره جميع الروائيين العرب المدعوين، حيث كانت هناك حلقة حوارية بين الروائيين للنقاش حول العالم الروائي والعالم السينمائي، والعلاقة بينهما، أدار الحوار الروائي الجزائري واسيني الأعرج، حيث تحدث الروائي الكويتي طالب الرفاعي عن علاقته بالكتابة الروائية أولا منذ نشأته صغيرا وكيف كانت تمثل له النافذة التي يرى العالم من خلالها، ثم تحدث عن أهمية السينما والفن الروائي والعلاقة بينهما، ثم تحدث الروائي العراقي محسن الرملي عن علاقة السينما بالأدب خلال رحلته الأدبية، وكيف قام من خلال هذه الرحلة بكتابة بعض السيناريوهات مباشرة إلى شاشة السينما، وقيامه كذلك بالتمثيل على خشبة المسرح، مؤكدا أن السينما قد أفادته كثيرا في أعماله الأدبية، لكنه أكد أنه لا يمكنه القيام بتحويل رواية له إلى عمل سينمائي بشكل مباشر؛ لأنه لا يحتمل أن تفشل رواية له قام بتحويلها إلى عمل سينمائي. بدأ الكلمة بعده الروائي الأردني مفلح العدوان الذي تحدث عن الأسطورة وأهميتها في الكتابة الروائية، ومن ثم إسقاط هذه الأسطورة في النهاية على الصورة، أو العمل السينمائي. وبدأت الجلسة تتصاعد في النقاش حيث تحدث فيها كل روائي عن تجربته مع الرواية والسينما، حيث قال الفلسطيني إبراهيم نصر الله أن العمل السينمائي الآن يكاد يكون من أكثر الفنون التي تعمل على التنافس مع الفن الروائي حتى أنها تكاد في أحد جوانبها تحتل المشهد بالكامل في مقابل الرواية، وأبدى اندهاشه من أن هناك روائيا لا يمكن له أن يرى السينما، فالروائي الذي لا يشاهد السينما هو بالتأكيد روائيا لا يتميز سوى بالجهل، أو بنقص كبير في ثقافته التي لا يمكن لها أن تكتمل سوى بالفن السينمائي في نهاية الأمر. ولكن هذا الأمر أدى إلى أن يعترض عليه أحد الروائيين مؤكدا على أن الفن الروائي هو الأبقى ولا يمكن للسينا أبدا أن تحتل مكانه في أي يوم من الأيام، فأوضح نصر الله على أنه يقصد بحديثه خطورة الصورة أمام الكلمة، وكيف أن الصورة لها من السطوة ما يمكن له أن يكون في منافسة خطيرة مع الكلمة المكتوبة. كما تحدث الروائي المصري وحيد الطويلة حول تجربته مع الصورة من خلال الكلمة المكتوبة وكيف أنها أفادته أيما إفادة في كتابة العديد من أعماله الروائية.