ليس من الضرورى أن يخرج الناس فى مظاهرات ترفع مطلب تجديد الخطاب الدينى، فثورتهم ضد حكم الإسلام السياسى أكبر تجسيد لحاجتهم للتجديد والتغيير تلح علىّ هذه الشخصية الأسطورية التى أنتجتها الأساطير اليونانية، تلح علىّ كلما نظرت حولى إلى حالنا الثقافى والإعلامى، الأساطير اليونانية ظلت وستظل مفتاح التفسير لكل التصرفات البشرية، فأسطورة «أوديب» أشهرها صارت تفسيرا لعقدة أوديب على سبيل المثال، و«ميديا» صارت علامة على الغيرة القاتلة للمرأة، فهى المرأة التى ذبحت ولديها وقدمتهما طعاما لأبيهما الذى أحب غيرها، فأصابته بالجنون و«السيرينيات» اللاتى يغنين فى البحار، فيذهب البحارة وراء أصواتهن ولا يعودون، هن «النداهة» فى التراث الشعبى المصرى والعالمى، وهكذا تستطيع أن تجد تفسيرا لكل سلوك إنسانى، لكن «بروكست» لم ينل حظه من الشهرة فى عالمنا العربى، ولا فى حياتنا المصرية، رغم أن عالمنا العربى وحالتنا المصرية يمثلها «بروكست» أعظم تمثيل، «بروكست» هو صاحب «موتيل» فندق صغير فى الطريق ينام عنده المارة والمسافرون، لديه أسرة ذات مقاس واحد، إذا وجد القدم أطول من السرير يقطع جزءا من قدميه ليتساوى مع السرير، وإذا وجدها أقصر من السرير يشد ساقيه فيفصلهما عن جسمه، لتتساويا مع السرير، وهكذا ترى فيض الكتابات والتعليقات فى مصر حول أمر ما، قد يكون تافها جدا ويشغل مساحة كبيرة من الإعلام والمقالات، مثل حكاية صاحبة فيديو «سيب إيدى» مثلا، ومواقع الفضاء الافتراضى تتوسع أيضا فى هذه الأمور الصغيرة فى الوقت الذى تنتقد فيه وسائل الإعلام الأمر نفسه فى حياتنا الاقتصادية، فكل مشروع هو مشروع العمر ومشروع المستقبل، ثم تكشف فى النهاية أنه لا مشروع من الأساس، أو أن المشروع انتهى قبل أن يوجد، وساعتها لا تجد له أثرا فى الإعلام لأن الأصل فيه الدولة وليس الناس، والأمر نفسه يمكن أن تمشى به على التعليم والصحة والصناعة والزراعة وكل شيء، فكل قرار هو قرار تاريخى وسيغير الأمور، والأمور لا تتحرك، فمثلا صدر قرر صحى بأن تلتزم المستشفيات الخاصة بقبول المريض ليوم كامل حين يضطر إلى اللجوء إليها بصرف النظر عن حالته المادية، والنتيجة طبعا لم يحدث ذلك، احتفلت الصحف والقنوات بالقرار ولم تحتفل بأنه لم يتحقق أبدا، بل لا يزال الناس يموتون على أبواب المستشفيات العامة، فما بالكم بالخاصة، فى التعليم زهقنا من خطط الإصلاح والحديث عن خطط الإصلاح لكن ما تم مضحك، مجرد حذف بعض الدروس دون إعادة النظر فى الدروس والتدريس والمدارس وعددها وإمكاناتها وحال المدرسين العلمية، وغير ذلك مما لا يمكن للإصلاح أن يتم بدونه، الحديث كبير عن تحديث وتطوير التراث الدينى، وأول من فعل ذلك أغلق برنامجه وتم تكفيره، ولا تزال الأصوات تتحدث عن الإصلاح الدينى، ومن المراكز الدينية نفسها، وإسلام بحيرى الذى حدث معه ذلك كان يمكن أن يقال له فقط اترك الألفاظ التى هى أقرب للشتائم حتى لا تضيع أفكارك، الأمر نفسه فى الثقافة، الحديث مع كل وزير حول خطة تفعيل الثقافة ودور الثقافة ومؤتمر حول الثقافة وخطة للثقافة وكل شيء يمضى تمام التمام والنتيجة أن لا شيء يتحرك، فقصور وبيوت الثقافة تنعى من بناها، والأسباب هى هى من ضعف الميزانيات والخوف من التدخل الأمنى فى الندوات أو التدخل الأمنى فى اختيار الموضوعات ومستوى ثقافة القائمين على هذه القصور والبيوت وهكذا، لن أمشى معكم كثيرا لأنى سأجد نفسى أتحدث عن المجتمع كله والبلد كلها، لكنى أعود إلى فكرة الأسطورة اليونانية، «بروكست» الذى يشوه الأجساد لتناسب الحقيقة التى يمكن تغييرها بسهولة، يعنى ما أسهل أن يغير السرير الذى ينام عليه الضيوف، لكن الأسطورة أرادت أن تقول إن من يملك المكان حر فى تشويه الحقائق بصرف النظر عن كون هذه الحقائق مشوهة، فالناس الذين يشد سيقانهم أو يقطعها يصبحون مشوهين ولا يصلحون لشيء بعد ذلك، وهذا حال كل المشروعات التى يتم النفخ فيها ثم تفشل، تصبح أمرا شائها، فى الثقافة وهى ما يهمنى أكثر هناك من يفعل ذلك بل دائما هناك من يفعل ذلك، فاذا حدث مؤتمر ثقافى ولم يدع إليه كاتب، فالمؤتمر فاشل وإذا تم سفر وفد ما ولم يسافر كاتب فالوفد مشوه، وإذا طبع كتاب لفلان ولم يطبع لفلان فالكتاب المطبوع تافه، وهناك بالتأكيد عذر عن الكتاب لأن بعض المسئولين كثيرا ما يخصون أصدقاءهم بهذه الأشياء، لكن هذا كله سهل أمام المشكلة الأكبر وهى وجود وزارة الثقافة نفسها، هل ما تفعله يليق بمجتمع يسعى إلى الحرية، ويقوم على المشروع الحر، ولماذا إذا تحدث أحد فى الثقافة كان يقصد وزارة الثقافة، بينما هى لا تمثل أكثر من عشرة بالمائة من الإنتاج الثقافى، هذا هو حال وزارة الثقافة، تم شد ساقيها من زمان لتناسب السرير، فصارت مشوهة، وتنزف ولا أحد يقتنع أنه لا فائدة منها غير بعض مسئوليها.