علبة شيكولاتة بلجيكي وأكلة يابانية فتحت الطريق لقلب «رانيا» قالت في أول لقاء: «سمعت عنك حاجات».. فعرفت أن صورتي «سوداء» في نظرها الملك حسين أعجب ب«سحر» طالبة الجامعة الأمريكية.. وانتظرني في المطار لطلب يدي صباح يوم 6 ديسمبر عام 2008، ضربت الصحف العربية إسفينًا في علاقة الملك عبدالله، والملكة رانيا، قالت إن ملك الأردن طلَّق زوجته لأجل عيون هند الحريرى، ابنة السياسي اللبنانى، رفيق الحريرى، التي تزوّج منها، لكنه يتكتّم على الخبرين. ولأن جزءًا من طبيعة الصحافة أن تكون مثيرة، وتضع كثيرًا من الشطة على أحداث لم تحدث، ووقائع لم يشهد عليها أحد، قالت: «دخلت العروس الجديدة قصور آل هاشم من أوسع أبوابها بملياراتها ونفوذ آل الحريرى». كانت «رانيا» سيدة الأردن الأولى، ليس فقط لأنها زوجة ملك، إنما لأسباب أخرى كثيرة جدًا، فهى أشهر منه أمام العالم، أعمالها الخيرية توفر لها قدرة هائلة على الظهور في المناسبات العامة والخاصة، جمالها ليس «صناعة» عمليات التجميل، سمح لها بأن يكون لها دلالها على الجميع، تطلب القرب من عامة الناس، ولا تجد حرجًا في أن تبكى بين يديْ سيدة مسنة لا تملك من أمرها شيئًا. هي الملكة، والسيدة الأولى، إلا أنها وبالصدفة محبوبة من أهل بلدها. هل عرفتم لماذا لا يجرؤ الملك على الانفصال عنها؟ إجابة السؤال ليست صعبة، ف«الزواج الملكى» ليس عرضة لأن تلوثه ذرة تراب، ولا يمكن أن يتحول بين يوم وليلة إلى لا شىء، يُنسى كأن لم يكن. هذا اختصار غير مخل للإجابة التي فرد لها الملك عبدالله كتابا كاملًا يصدر قريبًا، وعنوانه «فرصتنا الأخيرة»، يروى فيه قصة زواجه بالملكة رانيا.. كيف بدأت قصة الحب؟، ولماذا استمرت؟ يتخفف عبدالله من كونه ملكًا، يروى تفاصيل الرباط المقدس بينه وبين «رانيا» كعاشق مراهق، يتذكر أول نظرة، وأول كلمة «بحبك».. بالضبط، كما تتخفف هي من كونها ملكة حين تكون في صحبته، تتحول إلى طفلة لا تتوقف عن إعلان حبها للملك، نظرات عينيها تؤكد، همساتها تقول، قربها الشديد منه في الحفلات الرسمية جعلها تملأ الصورة، ولا تترك فراغًا لمن يقول إنه سيتزوج أخرى.. فهى مشغولة عن كل الكلام الفارغ الذي يقال عنها بأن تحبه «في صمت». 1- طالبة الجامعة الأمريكية يدير الملك معاركه في السياسة، لكنه يترك معركة الحياة لزوجته؛ فلا يمكن أن يكسر لها كلمة، أو يرجع عن كلامها.. حدث هذا منذ لقائه الأول بها.. يقول: في شهر أغسطس 1992 كنت قائدًا لكتيبة المدرعات الملكية الثانية، وكنا نجرى مناورات وتدريبات ميدانية، حيث بقينا أنا ورجالى في معسكر صحراوى ننام في الخيام طوال شهرين متواصلين دون انقطاع. قال لى قائد اللواء إن بإمكاننا، أنا والضباط الآخرين، أن نذهب في إجازة ليلة واحدة. خلعت الزى العسكري وارتديت قميصًا بسيطًا وحذاءً خفيفًا وقدت سيارتى إلى عمان. ما إن وصلت إلى المنزل حتى اتصلت شقيقتى عائشة وقالت «علمت أنك في المدينة، لم لا تأتى إلى العشاء ؟»، توجهت إلى منزل عائشة وكان وجهى أشبه بالرغيف المحمص، بعد قضاء شهرين تحت شمس الصحراء، دون أن أنتبه أن لديها ضيوفًا على العشاء، ذهبت مرتديًا الملابس ذاتها التي كنت قد استعجلت ارتداءها عند مغادرتى المعسكر. أحد أصدقاء شقيقتى كان يعمل في شركة أبل للكمبيوتر في عمان، وقد اصطحب معه إلى العشاء إحدى زميلاته، رانيا الياسين. ما إن وقع عليها نظرى حتى قلت في نفسى: «ما أجملها»!. كانت رانيا آنذاك على مشارف الثانية والعشرين، ولم تكن أمضت الكثير من حياتها في الأردن، وذلك لأنها نشأت في الكويت التي غادرتها مع عائلتها المنحدرة من أصول فلسطينية إلى الأردن خلال حرب الخليج. لم نتحدث سوى حديث عابر حول مائدة العشاء، لكنها انتزعت إعجابى الكبير برصانتها الواثقة، وأناقتها اللافتة، وخصوصا بذكائها. لقد أخذ منى سحرها مأخذه، وأدركت لتوى أننى لا بد أن أراها ثانية. انقضى بعض الوقت قبل تمكنت من تحديد وسيلة للحديث معها مرة أخرى. اتصلت بها في مقر عملها. قدمت لها نفسى وقلت لها بأننى أرغب في لقائها ثانية، فقالت: «سمعت عنك أشياء ...»، لم تنه جملتها، لكن الإشارة كانت واضحة بأن ما سمعته لم يكن مديحًا كله. أجبتها «لم أقدم نفسى كملاك، لكن نصف ما سمعت، على أقل تقدير، هو مجرد أقاويل فارغة». لا يبدو أن كلامى أقنعها وقالت إنها سوف تفكر في الموضوع. 2- طلبت يد «الملكة» يعترف الملك عبدالله خلال صفحات الكتاب بأنه لا يتراجع عن مخططاته بسهولة، قرَّر أن تدخل «رانيا» كيانه، وبيته كزوجة، فدخلت.. ما كان لها أن ترفض مهما جرى.. يقول: طلبت من صديق مشترك أن يزورها في مكتبها ويؤكد لها حسن نواياى، لكنها مع ذلك لم تقتنع واعتبرته متحيزًا. عاد توفيق من مهمته يعتذر عن أنه لم يدبر لى لقاء معها، لكنه اكتشف أن رانيا تحب الشوكولاتة، فعدت وأرسلته ثانية مع علبة من الشوكولاتة البلجيكية. في النهاية قبلت دعوتى إلى العشاء في نوفمبر.. «طبخت لها الطعام بنفسى». يؤكد الملك أن ما أجبره على تعلم الطبخ هو الحاجة «أم الاختراع»، لكنه أصبح من هواياته الخاصة، ووسيلة مضمونة للراحة، والاسترخاء. كان يحب إعداد الأطعمة اليابانية، والفراخ، ولحم البقر. لقاء العشاء مرَّ على نحوٍ لطيف، ولأول مرة يعرف القيمة الحقيقية لعادة «الطبخ». قابلها مرة والثانية قبل آخر السنة، تبادلا أرقام التليفونات، اتفقا على أن يظلّ ما بينهما ذكريات خاصة لأن الناس «يحبون الثرثرة». ويروى ما جرى في السنة الجديدة: دعوت رانيا إلى العشاء بمناسبة عيد ميلادى. جلس والدى إلى جانبها ودار الحديث بينهما دورته الكاملة لينتهى بوالدى مدهوشًا بما شع منها، ذكاءً وسحرًا وجمالًا. ولم يطل به الوقت حتى كشف سرنا. وبعد أن غادر والدى والضيوف، وبينما كنت لا أزال جالسًا مع رانيا في المنزل، رن جرس الهاتف وكان والدى على الطرف الآخر. قال: «ما دمنا الآن قد اكتشفنا السر متى تريدنى أن التقى والديها؟». نظرت رانيا إلىّ مبتسمة ولاذت بالصمت. اعتبرت سكوتها عن الرد. 3- الملك حسين يتدخل أما لماذا كان الملك حسين في صف الزواج، وكيف دعم عبدالله في اختياره ل«رانيا».. فهذه قصة أخرى. يقول: بعد مضىّ ما يقارب الأسبوعين رتبنا زيارة لوالدى في منزل والديها. كنت يومئذ عائدًا من رحلة عمل تتعلق بالجيش، وما إن خطوت خارجا من الطائرة في مطار الملكة علياء الدولى حتى لمحت والدى واقفًا أمام البوابة وكانت المرة الأولى على ما أذكر، يأتى إلى المطار لملاقاتى، أظنه شاء أن يتأكد من ثبات موقفى وعزمى على الإقدام على الزواج، فوالدى كان قد مضى عليه بضع سنوات يحثنى على الزواج والاستقرار. في تقاليدنا الاجتماعية، عندما يريد الرجل أن يطلب يد الفتاة للزواج، يأتى بأهم أفراد عائلته أو عشيرته وأصدقائهم وأكثرهم نفوذًا على رأس جاهة، يؤكد لأولياء العروس أن ابنتهم سوف تكون في ديار الزوج على الرحب والسعة وموضع عناية بيت حميها. وهل لك، في هذه الحال، أن تحلم بناطق باسمك يطلب القرب، أعلى شأنًا وأكبر قدرًا من ملك الأردن؟ بوصولنا إلى المنزل بدا واضحًا أن والدى رانيا كانا يتوقعان لقاءً بسيطًا وغير رسمى، ولم يكن لديهما أدنى فكرة عن أن والدى كان ينوى طلب يد ابنتهما للزواج بى رسميًا في ذلك اليوم. كان مضيافين كريمين، وكانت والدتها قد أعدت الحلويات والشاى والقهوة، وحين قدمت فنجان القهوة العربية إلى والدى تناوله من يدها ووضعه أمامه دون أن يشرب منه. شربه إلى أن يتقدم بطلبه من أهل الفتاة حتى إذا وافقوا يشرب هو وبقية. سرعة الأحداث جعلتنى أنسى كليًا أن أبلغ رانيا، ووالديها، بما عليهم توقعه من تفاصيل، مع أننى كنت قد تحدثت مع رانيا عن الزواج منذ أن طلبت يدها من قبل. وأخيرًا التفت والدى إلى والد رانيا، وتحدث عن الأسباب التي تجعل من زواجنا مشروع عائلة ناجحة. كنت في حالة من التوتر الشديد حتى إننى لم أعد أذكر الكثير مما قاله والدى ثم وافق والد «رانيا».. وبدأ الفرح. النسخة الورقية