محاولة إشعال التنظيم للصراع الطائفي مسلسل بدأ ب«حرق الكساسبة» و«ذبح المصريين» على أرض ليبيا بعد الهجوم الانتحارى الذى استهدف مسجدًا شيعيًا فى منطقة القديح فى القطيف بالسعودية، يوم الجمعة الماضي، بث عناصر تنظيم «داعش» الإرهابى على «يوتيوب»، مقطع فيديو يُظهر العشرات من رواد المسجد وهم يمارسون الطقوس الشيعية، فى إشارة من عناصر التنظيم إلى أنهم يستحقون القتل كونهم ينتمون إلى مذهب لا يخرج فقط عن نطاق أهل السُنة والجماعة، بل «طائفة كفرية»، وفق اعتقاد التنظيم الإرهابي. الأهداف الخفية من وراء استهداف المواطنين الشيعة فى القطيف، لم تكن مجرد عملية ثأرية يضحى فيها التنظيم بأحد عناصره مقابل توجيه ضربه لطائفة تختلف معه عقائديًا وخارجه عن دائرة الصراع الجغرافى معه، بل كانت تهدف إلى تفجير المنطقة عبر النفوذ إلى الثغرة الطائفية التى تهدد «السبيكة المجتمعية» السعودية. فالتنظيم الذى وجد نفسه بعد التمدد فى العراق يتماس الآن حدوديًا مع السعودية التى يمتلك إرثًا تاريخيا فى العداء معها، ما دفعه لوضعها كنقطة أولى فى التمدد القادم على خريطته المصطنعة «الخلافة». واستغل «داعش» دخول المملكة فى حرب طاحنة مع الحوثيين فى اليمن ومن خلفهم إيران، وتزايد وتيرة الأحقاد الطائفية فى مناطق المملكة ذات الأغلبية الشيعية، ليشعل بعدها كرة اللهب بالعملية الأخيرة، آملًا فى تفجير الحراك الطائفى فى الجنوب والجنوب الغربى القريب من معاقل الحوثيين فى اليمن. ويهدف التنظيم إلى حرب أهلية يتجرأ بعدها الحوثيون على احتلال نجران وجيزان وبعدها الطائف، وربما منها إلى جدة ومكة، وحينها تشتعل المنطقة بحرب طائفية، يتخذها التنظيم بعد ذلك كنقطة انطلاق للسيطرة والتوسع، كما استفاد من الصراعات الطائفية فى كل من سورياوالعراق. ورأى «داعش» فى رفض سكان القطيف استقبال ولى العهد محمد بن نايف بعد العملية الانتحارية، ثمار مبشرة لبداية الصراع بين حكام المملكة والشيعة هناك، الذى يرى التنظيم أنهم على أهبة الاستعداد لإشعال الصراع فى المملكة بعد منح إيران الإشارة الحمراء لهم ببدء الهجوم. واستشاط التنظيم غضبًا من علماء المملكة، الذين أدركوا مخطط «داعش» فى إشعال الفوضى فأطلقوا بدورهم العديد من التحذيرات من وقوع الفتنة التى قد تؤدى بالجميع للهاوية. وليست هذه المرة الأولى التى يسعى فيها «داعش» إلى محاولة تفجير الصراع الطائفى فى المنطقة، فعملية ذبح المصريين الأقباط فى ليبيا هدفت بالأساس إلى محاولة إشعال مصر عبر الثغرة الطائفية. كما جاءت عملية حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة، فى السياق ذاته، بعد محاولة التنظيم إيقاع النظام الأردنى فى الفخ ومحاولة إقناعه بتسليم «الجهادية» العراقيةساجدة الريشاوي، المحكوم عليها بالإعدام، على خلفية محاولة انتحارية فاشلة حاولت تنفيذها فى أحد الفنادق الأردنية، مقابل الإفراج عن «الكساسبة»، الذى كان أُعدم بالفعل بعد سقوط طائرته فى منطقة خاضعة للتنظيم. ويطبق «داعش» نظرية أطلق عليها «إدارة التوحش»، وتقضى بالسيطرة على أرض تقيم بها إمارة تخوض بعدها معارك شرسة مع خصومها، لكنها فى الوقت ذاته تعمل على إضعاف الدول المركزية المجاورة عبر إشاعة الفوضى، إلى أن تتمكن هى من تقوية دولتها ثم تسيطر على الدول التى تكون أُنهكت بفعل محاولات الفوضى المتكررة، ويرى التنظيم من نفسه الأقدر على إدارة تلك الفوضى بما يؤهله لتأسيس دولة جديدة. النسخة الورقية