«الذئب» ذلك الحيوان الغريب الذي طالما أدخل عواؤه الليلى الخوف إلى قلوب البشر، فربطته الأساطير والخرافات بعالم الأشباح والأرواح، وربما كان لخفته في الحركة وظهوره واختفائه المفاجئ دور كبير في إسباغ هذه الصفات عليه. على الرغم من إنكار الكثير لوجود تلك الكائنات في الواقع، غير أن بعض المؤرخين أوردوا بعض القصص الحقيقية عن تلك الوحوش، وقد تم تجميعها في كتاب «مطرقة السحرة»، معتمدين دومًا على الحقائق والوثائق والتحليل العلمى والمنطقى، بعيدا عن الإثارة القائمة على الأساطير والخرافات، فهناك العديد من الوثائق التاريخية حول المستذئبين، بعضها لقضايا منفردة وأخرى ضمن مجموعة كبيرة من الاعترافات لأشخاص كانوا يتهمون بممارسة السحر الأسود أثناء عقود التعذيب في القرون الوسطى. «كارنير» ملتهم الأطفال «كليز كارنير» أحد أشهر وأقدم الأشخاص الذين اتهموا بأنهم ينتمون لفصيل «المستذئبين»، وتمت محاكمتهم في العصور الوسطى، ورغم اختلاف الروايات حول قصته إلا أن جميعها تتفق على أنه كان يعيش منعزلا في كوخ في الغابة قرب قرية دولى في «فرنسا»، وكان يوصف بأنه شخص كئيب المنظر ومريب النظرات والتصرفات، ويعيش على الصيد من الغابة، وبدأت متاعب «كارنير» بعد زواجه، حيث إنه اعتاد على حياة الزهد والقناعة بالطعام البسيط المتوفر الذي يهيئه ويعده لنفسه فقط، ولذلك واجه صعوبة جمة في توفير الطعام الكافى والجيد لزوجته، مما تسبب بحدوث المشاكل بينهما، والتي بدأت بعدها بقليل حوادث اختفاء الأطفال الصغار في القرية بشكل غامض. كارنير نفسه بعد إلقاء القبض عليه اعترف تحت التعذيب بأنه كان يتجول في الغابة ليصطاد عندما قابل شخصا شبحيا علمه طريقة التحول إلى «ذئب» ليتمكن من الصيد بسهولة، ولكنه وجد بعد فترة بأنه بدأ ينجذب بشكل لا يمكن مقاومته إلى الطرائد البشرية، وهكذا قام بقتل والتهام أولى ضحاياه التي كانت طفلة صغيرة في العاشرة من العمر، رآها كارنير تسير في أحد الحقول فقام بمهاجمتها، وقتلها ثم نزع عنها ثيابها والتهمها، ثم قطع كمية من اللحم وحملها إلى زوجته. بعد ذلك بعدة أسابيع هاجم كارنير ضحيته الثانية، وكانت طفلة صغيرة أيضا، ورغم أنه جرحها في عدة أماكن من جسدها، إلا أنه لم يستطع الإجهاز عليها والتهامها بسبب مرور مجموعة من المزارعين، فتركها وهرب إلى داخل الغابة المظلمة، وأنقذ المزارعون الطفلة، إلا أنها ماتت بعد عدة أيام بسبب جراحةا البليغة، وقد أخبر المزارعون الجميع بما رأوه عن الذئب والفتاة، وانتشر الخبر كالنار في الهشيم، مسببا موجة من الهستيريا والخوف لدى السكان، وقد أمر حاكم المقاطعة بالبحث عن المستذئب وقتله مقابل جائزة مالية، فبدأت حملة تفتيش واسعة، إلا أن أحدا لم يشك في «كارنير» وكوخه الصغير المنعزل في الغابة. وبعد تكرار حوادث «كارنير»، وعدم قدرته على التحكم في شهوته نحو أكل اللحم البشري، تم إلقاء القبض عليه وعلى زوجته بسرعة، وقد تم الحكم على كارنير بالحرق حيا، وجرى تنفيذ الحكم فيه عام 1573. هانز المستذئب وثيقة أخرى عن «المستذئبين» وصلت إلى يد الباحثين مصدرها إستونيا، فبين عامى 1610 و1650 تم حرق العشرات في إستونيا بتهمة السحر والشعوذة، حيث توضح الوثيقة أن المتهم «هانز» اعترف حسب وثائق المحكمة بأنه «مستذئب» وأنه اصطاد بهيئة ذئب لمدة سنتين، وادعى بأن شخصا يرتدى السواد علمه كيف يتحول إلى ذئب، وهو ما اعتبرته المحكمة وصفا للشيطان، وعندما سأله القاضى فيما إذا كانت تتحول روحه أم جسده إلى ذئب، أجاب «هانز»: أنه اكتشف في إحدى المرات آثارا لأسنان كلب في قدمه حدثت نتيجة لعراك بينهما وكان في شكله الحيواني، وهو ما يدل على أن جسده هو الذي يتحول، وفى سؤال آخر استفسر القاضى منه فيما إذا كان يشعر كإنسان أم كحيوان عندما يتحول إلى ذئب؟ أجاب هانز بأنه يشعر ويتصرف كحيوان. «نساء مستذئبات» كانت هناك نساء مستذئبات أيضا وقد تم توثيق محاكمات بعضهن، فمثلًا «جوتا بينجون» تمت محاكمتها عام 1580 واعترفت بأنها «مستذئبة» وأنها قامت بخطف طفلين والتهامهما، إضافة إلى «آن جون» التي ألقى القبض عليها ضمن مجموعة من الرجال والنساء بتهمة ممارسة السحر الأسود، واعترفت بأنها أصبحت «مستذئبة» لمدة أربع سنوات، قامت خلالها بقتل حصان والعديد من الحيوانات الصغيرة، لكى تمنع نفسها من أكل اللحوم البشرية. النسخة الورقية