كافيه ريش، الذي تأسس عام 1908م على أنقاض قصر محمد على بالقاهرة كان أكبر تجمع للمثقفين والسياسيين في المنطقة العربية، يقع قرب ميدان طلعت حرب. شيد هذا المقهى ألماني، باعه عام 1914 إلى هنري بير أحد الرعايا الفرنسيين الذي أعطى له اسم "ريش" ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس التي ما زالت قائمة حتى الآن، وتسمى "كافيه ريش". وقبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى اشتراه تاجر يوناني مشهور من صاحبه الفرنسي، ووسعه وحسن بنائه. وحاليا يملك المقهى مجدي ميخائيل، وهو أول مالك مصري له. ووفق عبد الرحمن الرافعي في كتابه (تاريخ مصر القومي 1914- 1921) فإن ريش ملتقى الأفندية من الطبقة الوسطى، كما عرف مقرًا يجتمع فيه دعاة الثورة والمتحدثون بشئونها أو شئون البلاد العامة. كما كان معقل لمختلف الطلائع السياسية المتحررة من التعصب الحزبي يتحاورون ويتسامرون ويتندرون ويتشاغبون لكنهم غالبا ما يتفقون على موقف واحد في مواجهه القضايا الكبري التي تحتاج إلى الحشد والوحده الوطنية. وكان للمقهى دور كبير في ثورة عام 1919، بل يرى كثيرون أن صاحب المقهى في هذه الآونة كان عضو في أحد أهم التنظيمات السرية، حيث وجدت بعد 80 عامًا من ثورة 1919 آلة لطبع المنشورات وذلك عقب شرخ في أحد جدران المقهى عقب زلزال 1992، واكتشاف سرداب سري وبه منشورات وآلات طباعة يدوية أثناء عمليات الترميم. وخلد اسم مقهى ريش، في العديد من الأعمال الأدبية، أشهرها ديوان نجيب سرور "بروتوكولات حكماء ريش" والذي انتقد فيه مدعي الأدب الجالسين دائما على المقاهي. كما قدمت فرقة عزيز عيد فصولًا من مسرحيتها في "بهو" المقهى، يتخللها مونولوجات للفنان محمد عبدالقدوس وهناك بدأت قصة الحب بين نجمة فرقة عزيز عيد روز اليوسف، والفنان محمد عبدالقدوس، لينجبا للأدب المصري الأديب إحسان عبدالقدوس. فقد كان المقهى ملتقى الأدباء والمثقفين أمثال نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأمل دنقل، ويحيى الطاهر عبد الله، وصلاح جاهين، وثروت أباظة، ونجيب سرور، وكمال الملاخ، والمثال كامل جاويش والرسام أحمد طوغان والمحامي الأديب عباس الأسواني وشاعر النيل حافظ إبراهيم وامام العبد ومحجوب ثابت ومحمد البابلي والشيخ أحمد العسكري وكامل الشناوي ومحمد عوده كامل زهيري ومحمود السعدني وعبدالرحمن الخميسي وزكريا الحجاوي وأيضا كثير من اللاجئين السوريين والعراقيين واليمنيين واشهرهم الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي وحسين الحلاق السوري والشاعر معين بسيسو الفلسطيني والشاعر السوداني محمد الفيتوري ومحمد أحمد نعمان السياسي اليمني والأمير على عبدالكريم سلطان الحج المخلوع وغيرهم ممن كانوا يحرصون على حضور ندوات نجيب محفوظ الأسبوعية التي كان يعقدها عصر يوم الجمعة منذ عام 1963، وكان ريش يقدم المشاريب والوجبات بتخفيض خاص من باب الحفاوة بضيوف الروائي الكبير. وصباح الأمس السبت توفي مجدي عبد الملك مدير ريش كافيه، وينتظر المقهى التاريخي الأشهر في وسط البلد، مستقبلا غامضًا، حيث أن المكان مؤجر حسب قانون الإيجارات القديمة الذي ينص على عدم سريان العقد إلا للوريث الأول، وبعد وفاة جميع ورثة عبد الملك ميخائيل، فإن المكان في وضع قانوني غير معلوم حتى الآن. ويعتبر مجدي عبد الملك هو المؤسس الثاني لريش كافيه، حيث أعاد ترميم المكان وافتتاحه، بعد أن ظل مغلقا طوال ما يزيد عن عشرين عاما. ويعرف مجدي عبد الملك بحارس تاريخ ريش، حيث أصر على أن يعود المقهى بنفس ديكوراته وشكله القديم الذي بدأ به عام 1908.