تحليل «مكعب» خرسانى بأحد العقارات المنهارة بالإسكندرية تطابق مع النتائج التي أشرنا إليها والأملاح تجاوزت وزن الأسمنت 400٪ 18٪ من عقارات مصر آيلة للسقوط.. مليون عقار آيل للسقوط يهدد 5 ملايين أسرة استخدام الركام «السن» من الحجر الجيرى المحرم دوليا غير المطابق للمواصفات له تأثير قلوى يتسبب في تآكل الحديد 17 ألف مخالفة بالإسكندرية.. 600 ألف عقار مخالف.. 400 حادث أصاب 400 وقتل 200 شخص في 2014 أجرينا تحليلًا ل«عينة» عشوائية بالمركز القومى لبحوث الإسكان فاكتشفنا أن أملاح الرمال بنسبة200٪ تؤدى لتآكل حديد التسليح وتحوله لبودرة يتبعه انهيار كامل للمبنى طالعتنا الأخبار ولا تزال تخبرنا بمآسى انهيار العقارات.. تقوم الدنيا ولا تقعد ثم تخبو تمامًا شعلة البكاء على من مات ومن تشرد، يقبض على المقاول وصاحب العقار الذي تسبب جشعه في عملية الانهيار بعد أن زاد من ارتفاع العقار فكان ما كان، الحاصل أن الناتج النهائى لا يخرج عن عدة أشياء، أهمها بل وأخطرها عملية التصالح التي تتم عادة بين صاحب العقار والحى التابع له، مقابل غرامة يسددها أو رشوة يدفعها لضعاف النفوس في إدارات الإسكان هناك، فيما يكون الناتج الأعم في هذه العمليات هو خروج المتهم بعد قضائه مدة عقوبة، لن ترتقى لحكم القصاص العادل لما اقترفه من قتل للسكان، ليعود مجددًا لممارسة عمله بينما جريمته لا تزال شاخصة للعيان. الأمور كلها تتوقف إلى أن ينهار عقار جديد بضحايا جدد، لكنها سرعان ما تلحق بسابقيها دون أن تجد جديدًا حتى في ظل الحديث عن قوانين جديدة أو تغليظ لعقوبات، دائما ما يفلت منها المجرم أو مساعدوه في كل الأحياء في مصر غير المحروسة، الغريب أن أحدًا لم يسأل نفسه عن السبب الخفى، الذي يكمن خلف انهيار العقارات الحديثة على الأقل، وعن سر خلطة الأسمنت رغم كونها القاتل الأساسى في كل الانهيارات السابقة، وهى المتهم الرئيس في كل الدفاعات التي يسوقها محامو أصحاب العقارات المنهارة. «البوابة» قامت بأول تحقيق استقصائى عن تلك الخلطة، التي تشبه عملية جراحية تجرى بسكينة «تلمة» وسط الشارع على مرأى من الناس، بحسب مقولة الدكتور هلال كامل، أستاذ الهندسة المدنية، ولكى يصبح التحقيق علميًا يأتى بثماره ونتائجه كما نرجو، حصلنا على عينة عشوائية من هذه الخلطة من أحد العقارات بمنطقة زهراء مدينة نصر، ومن ثم حصلنا على النتيجة بعد فترة تحليل داخل المركز القومى لبحوث الإسكان، استمرت كما يقول القانون 28 يومًا. وتم ذلك عبر إجراء 11 خطوة لتحليل المواد الأولىة والكلوريدات والتحليل المنخولى لكل من الرمل والسن، كذلك تم تحليل فترة الشك للخلطة باختبار فترة الشك الابتدائى والنهائى على 28 يومًا، مع إجراء الاختبارات الكيميائية للخلطة الخرسانية، ثم مقارنة النتائج بالأرقام القياسية للمواصفة الجيدة والمتفق عليها بالكود المصرى، فكانت النتائج التي خلصنا إليها من تحليل العينة كما قال الخبراء، تتمثل في عدم مطابقتها للمواصفات، لكن قبل أن نصل إلى تفصيل التقرير المسلم إلينا من المركز القومى لبحوث الإسكان، تجدر الإشارة إلى عدة أرقام وإحصائيات تمثل جزءًا من الخطر الذي حدث، وما ينتظرنا من كوارث إذا ما استمر العمل بذات طريقة العينة التي حصلنا عليها. حيث تفاجئنا الأرقام أن 18٪ من العقارات المصرية، التي تزيد على نصف مليون عقار، آيلة للسقوط، وهو ما يهدد حياة 5 ملايين أسرة، علاوة على 600 ألف عقار مخالف تم إنشاؤها، دون أي مراجعات هندسية أو علمية حقيقية، منها 200 ألف صادر بحقها قرارات ترميم وتدعيم، بالإضافة لأكثر من 60 ألف قرار إزالة دون تنفيذ، بالإضافة لكارثة أخرى تتمثل في وجود نصف مليون عقار تم بناؤها دون ترخيص. فيما تتصدر محافظة الإسكندرية كوارث العقارات، ففيها وحدها 17 ألف عقار مخالف بعدد 70 ألف مخالفة، وقد تفاجأ لوصول عدد الانهيارات لقرابة 400 حادثة، نتج عنها إصابة 400 ووفاة قرابة 200 شخص، علاوة على تشريد ألف أسرة، حسب آخر الإحصائيات لتقرير صادر من جهاز التفتيش بالمركز القومى لبحوث الإسكان. تلك هي أرقام الكوارث التي حدثت أو المرشحة للسقوط فوق رءوس المصريين، أما تقرير المركز القومى لبحوث الإسكان الذي صدر بناء عن العينة التي سلمتها «البوابة» بغرض التحليل فكانت تفاصيله وآراء الخبراء في كل نقطة منه كالتالى: أولا.. زيادة نسبة «الأملاح» في الرمال، وهو ما يسمى «الركام الصغير» فوصلت لنسبة 15٪، فيما المواصفة القياسية لا تتعدى نسبة الكلوريدات فيها 0٫06٪، وهنا تظهر الخطورة، بحسب قول الدكتور هانى الشافعى «أستاذ الهندسة المدنية» بجامعة عين شمس، الذي أوضح خطورة ارتفاع نسبة الأملاح في الرمال، التي تتفاعل مع حديد التسليح، وتعمل على تآكله، وبالتالى يتحول من صورته الصلبة إلى بودرة حديد، وهو ما يكون سببا مباشرا في انهيار العقارات. وأشار «الشافعى» إلى أن السبب في ذلك هو عدم وجود محاجر رمال معتمدة من حيث الناحية الفنية، وسلامة المواد الداخلة في الخلطات الخرسانية ومطابقتها للمواصفات، كذلك اعتمادنا على المحاجر غير الشرعية، أو التي تأتى بالرمال من الظهير الصحراوى، دون وجود أي إشراف فنى، اللهم فرض المحليات لإتاواتها فقط، مما يشكل خطورة على الخلطة الخرسانية، وسلامة المواد الأولىة التي تدخل بنسبة 75٪ من مكونات الخلطة الخرسانية. كما حملت العينة في البند ثانيا: «السن» وهو ما يسمى بالركام الكبير المكون من الحجر الجيرى، المحرم استخدامه لما له من تأثير قلوى على الحديد، أما الخطورة فتكمن في زيادة نسبة الكبريتات «so4» والكلوريدات «cl2» اللذين يعملان على تآكل الحديد، ما يجعله يتمدد أو يزيد حجمه «ينفش»، وهو ما يسبب الشروخ الرأسية وبالتالى صدأ الحديد أو مرحلة الانهيار. كما حملت العينة زيادة نسبة «المواد الناعمة والطينية» بنسبة 4.5٪ وهى تزيد على النسبة المحددة، في أرقام وبيانات الكود المصرى، التي تقول بأن نسبة المواد الناعمة والطينية، يجب ألا تتجاوز حدود 3٪، مما يجعل الخلطة الخرسانية في حاجة لنسبة عالية من المياه، التي تتسبب في ضعف قوة الخلطة الخرسانية، وتجعلها أكثر مسامية ونفاذية، وبالتالى نفاذ الرطوبة لحديد التسليح، وينتج عنها الصدأ للحديد، أما الرمال فيجب أن تكون خالية من المواد الضارة، مثل الطفلة والمواد الناعمة والطينية، وفقًا لما ذكره «الدكتور عادل عامر، أستاذ الهندسة بجامعة الأزهر»، الذي أضاف أن عدم مطابقة التدرج المنخولى «الحبيبى» للمواصفات حتى يصل بالخلطة الخرسانية لقوة التحمل المطلوبة يتسبب في حدوث شروخ. ويتفق معه في الرأى الدكتور حسام سليم، أستاذ مواد البناء بالمركز المصرى لبحوث الإسكان، بأن زيادة نسبة المواد الناعمة والطينية والطفلة تجعل الخلطة الخرسانية تحتاج لنسب عالية من المياه، مما يضعف من قوة تحمل الخرسانة ل50٪ ويجعل مُعامل التهشيم «التحطم»، أكبر ما يمكن ويضعف عامل الأمان، ومن ناحية أخرى فكثرة المياه في الخلطات الخرسانية، الذي يتعمد «الفورمجى» تزويدها لتسهيل تبسيط «وفرد» الخلطة الخرسانية في مساراتها الحديدية فيجعلها أكثر مسامية، مما يزيد من وصول الرطوبة وأملاح الجو أو مياه الأمطار لحديد التسليح، فيسبب الصدأ ومن بعده عمليات الانهيار، وأضاف بأن المياه المالحة ممنوع استخدامها في الخلطة. كما حملت العينة زيادة نسبة «الكلوريدات» «CL2» لتصل إلى 0٫038٪ والكبريتات so4 لتصل 0٫03٪ بنسب مرتفعة عن المواصفات القياسية. كما أن «السن» وهو من الحجر الجيرى المحرم استخدامه لما له من تأثير قلوى بمعنى يعمل على تآكل الحديد، كما أن درجة الصلادة «القوة والتحمل» ضعيفة في حين أن معامل التهشيم أو «التحطيم» عال وهذا يخالف المواصفات القياسية، وهو يماثل السن المستخدم في الرصف غير المطابق للمواصفات، نظرًا لأن درجة صلادته ضعيفة، ومعامل التهشيم أو التحطيم به عال، وأفضل مكان «للسن» في مصر وهو ذو اللون البنى الداكن أو الرمادى من جبل عتاقة، أما ما جاء بالعينة فهو أبيض اللون ومصنع «من الحجر الجيرى» غير المطابق للمواصفات. وبالنسبة للأسمنت فنظرا للأساليب الخاطئة، وسوء طرق التخزين فيتم استخدام الأسمنت الشاكك «المتيبس» في الخلطة الخرسانية لتعطى قوة «انضغاط» أقل من 500، مما ينذر بتشققات في الخرسانة كما جاء في التحليل الكيمائى، حيث يوجد بالعينة أكاسيد الكالسيوم والألومنيوم والماغنسيوم والصوديوم بنسب عالية، وهو ما يجعلها تتفاعل مع الحديد، وتولد أحماضًا لها تأثير قلوى، تعمل على تآكل حديد التسليح الذي ينتج عنه انهيار العقارات، مثل «الأسمنت الحديدى سابقا الذي كان يصنع من خبث الحديد مع إضافة مواد الأسمنت ولكنه لوحظ بأنه يتفاعل مع الماء ويفرز أحماضًا عالية تتفاعل مع الحديد وتآكله. وفى نفس السياق يقول الدكتور محمد نعمان محمد «أستاذ الهندسة المدنية» بأن زيادة الأملاح في الرمال تمثل خطورة زائدة على حديد التسليح ووفقا للمعادلة.. H2O+CI=2HCL وتفسير المعادلة هو اتحاد أملاح الرمال مع مياه الخرسانة أو مياه الأمطار لينتج حمض الهيدروكلوريك الذي يعمل على تآكل الحديد ويحوله لطبقة هشة حجمها أكبر من حجم الحديد «تنفش» فتضغط على الخرسانة وتفككها لتتعرض للرطوبة ويحدث الصدأ. أما الكبريتات والتي تتفاعل مع بخار الماء لينتج حمض الكبريتيك، الذي يتفاعل مع الأسمنت لينتج الجبس، الذي لا يتحمل الرطوبة ويتسبب في الشروخ في كل الاتجاهات، وأضاف «نعمان» بأنه نظرًا لعدم توجيه المهندس المتخصص في مجاله فنجد مهندس عمارة يشرف على الخلطة الخرسانية مع أنها ليس من تخصصه، كما أن 60٪ من المنشآت لا تخضع للإشراف الهندسى، علاوة على إلغاء المواصفة القياسية المصرية «م ق م» رقم 373 وإحلالها بالمواصفات الأوربية رقمى 2421 و4657 رغم أن أغلب المهندسين القدامى ما زالوا يدرسون للطلبة المواصفة المصرية التي تم إلغاؤها منذ 2005. علاوة على ذلك ضعف معامل الأمان، نتيجة لزيادة الأحمال، كما حدث في عمارة مصر الجديدة الشهيرة بعمارة «أكثم»، ونظرًا لزيادة الأحمال حدث لها انهيار تتابعى، بالإضافة، لعدم الاهتمام بالغطاء الخرسانى الجيد، الذي لا يقل عن 25 سم لأن هذا السمك، تكون له أهمية مزدوجة في حماية الحديد من الصدأ والأخرى حمايته من الحريق لفترة معينة. كما أن المياه المالحة من أخطر الأشياء على الخلطات الخرسانية، ومن المفروض عدم استخدام المياه غير الصالحة للشرب، في أي خلطات خرسانية، لكن يجوز استخدامها في عمليات الترطيب فقط. وفى نفس السياق يقول الدكتور هانى الشافعى «أستاذ الهندسة المدنية بجامعة عين شمس»: لا يوجد أي إشراف فنى على المحاجر الخاصة بالرمال أو الركام، ولا توجد شهادات للمواد التي تبيعها، مما ينتج مواد أولىة للخلطات الخرسانية غير مطابقة للمواصفات، تزيد بها نسب الكبريتات والكلوريدات بشكل واضح، لذا نطالب بخضوع هذه المحاجر لجهات اعتماد فنية، بالتعاون مع الجهات الرقابية من خلال هيئات اعتماد موثوق فيها للحد من كوارث ومخالفات المحاجر. ويضيف: «لا توجد لدينا محاجر معتمدة على مستوى الجمهورية، ونعتمد بشكل أساسى على الظهير الصحراوى، في حين أن الدول في العالم يتم غسيل الرمال للتخلص من الأملاح الموجودة بها، ويتم بيعها مرفق معها شهادة بخواصها. ويتفق معه في الرأى الدكتور محمد عبدالغنى، رئيس الشعبة المدنية بنقابة المهندسين، الذي طالب بتشديد العقوبات على السيارات التي تنقل المواد الأولىة، من المحاجر غير المرخصة أو من الظهير الصحراوى، لما تمثله من خطورة على سلامة الخلطة الخرسانية علاوة على استخدام ركام وسن من الحجر الجيرى المحرم استخدامه لأنه يعمل على تآكل الحديد. فيما كشف «سلمان الحاملى» أستاذ الأسمنت بالمركز القومى لبحوث الإسكان، عن خطورة الصب في درجات الحرارة العالية، التي تفقد الخرسانة رطوبتها مما يؤدى لظهور تصدعات في سطحها، وشروخ تسبب وصول الرطوبة وبخار الماء والأملاح للحديد الذي يصدأ بفعل هذه العوامل ومن ثم يحدث الانهيار. مفاجأة أخرى تفجرها «البوابة» التي حصلت من مصدر مسئول داخل المركز القومى لبحوث الإسكان على نتيجة لتحليل كيمائى، لركام أحد العقارات المنهارة جزئيًا بالإسكندرية، لكشف أسباب الانهيار، حيث كانت المفاجأة هي تطابق النتيجة مع ما كشفناه خلال السطور السابقة، حول خطورة الأملاح الموجودة بالفعل في الرمال أو الممتصة، من بخار الجو المحمل بأملاح البحر في المناطق الساحلية كالإسكندرية. نتيجة التحليل جاءت كالتالى: «رغم أن نسبة الإسمنت بالعينة مناسبة، جاءت نسبة الكلوريدات أو «الأملاح» بقيمة 4 أمثال المسموح به لتصل إلى 133٪ من وزن الأسمنت، وهو ما رفع النسبة إلى 400٪، تفاعلت مع الحديد وحولته لبودرة مما سبب الانهيار، وكان سببًا مباشرا له، وفقًا لما ذكره الدكتور محمد نعمان محمد، أستاذ الهندسة المدنية، مضيفا أن الأملاح في شكلها الصلب، لا تؤثر على حديد التسليح، فيما يكمن الخطر في تفاعله مع الحديد بفعل بخار الماء، أو مياه الخلطات الخرسانية ما يسبب الانهيارات التي تحصد أرواح مئات الأبرياء. واتضح أن المحليات تحصد المليارات من محاجر الأسمنت وما يدخل خزانة الدولة فتات، دون أي إشراف فنى على المحاجر أو وجود هيئات رقابية على المحاجر أو تحليل المواد الأولىة لتدخل كعنصر مضاف بل والأخطر في لغز انهيار العقارات في مصر. من النسخة الورقية