في اليابان تستقيل الحكومة لعجزها عن إنقاذ طفل، وعندنا يموت المئات وربما الآلاف، وتظل الحكومة مستمرة في عملها، هكذا نقارن دائمًا بيننا وبينهم في الكوارث والمآسي، نتذكر الدول المتقدمة في الأحزان، وننساهم في الأفراح، نأخذ ما يرضينا ونترك ما لا يرضينا، حسب الأهواء والمزاج. غرقت ناقلة تحمل الفوسفات في النيل، فتبارينا في انتقادنا اللاذع للحكومة، تسمم المئات من أهلنا في محافظة الشرقية، فاندفعنا في السخرية من حكومتنا ومهاجمتها، ننتظر الجنازة لنخرج أبشع ما لدينا ونقذفه بالحكومة. صحيح تستقيل الحكومة في اليابان أو على الأقل تلوح باستقالتها بسبب خطأ نراه هينًا ويسيرًا، بالمقارنة مع حجم وفداحة ما يحدث عندنا، لكن في المقابل لم نتحدث عنا وعنهم كشعوب، كأفراد، كمواطنين، نتغنى بحب الوطن ليل نهار، وربما يبكى البعض منا لحظة سماعه أغنية وطنية أو بعض الأشعار، لكن أن نقوم بأداء واجباتنا.. هيهات. نعم نحمل الحكومة والنظام الجزء الأكبر من المسئولية، لكن ذلك لا ينفى ولا يلغى مسئوليتنا كمواطنين، إذا كانت المشكلة في 30 فردًا أو أكثر يتولون الحقائب الوزارية، فالأمر بسيط، سيأتى غيرهم ولن يتغير من الأمر شىء، لأننا ببساطة ننسى أن هؤلاء الثلاثين وبدلاءهم منا كمواطنين، ولمن تم اختيارهم بمعايير الولاء للوطن والاجتهاد، فلن يحققوا شيئًا ما دمنا على وضعنا، فنحن أيضا مساعدى رئيس الحكومة والوزراء، ووكلاء الوزارات ومديرى الإدارات، حتى أصغر موظف بالجهاز الإداري للدولة. إذن ماذا يستطيع المواطن أن يفعله وهو بدون حول ولا قوة؟ ماذا تطلب منه وهو يجاهد للحصول على مياه يشربها، وهو أبسط حقوقه الإنسانية؟ لماذا تتحامل عليه وتلقى بالمسئولية على عاتقه؟ لا أتحدث عن واقعة بعينها، ولا أحمله أبدًا المسئولية على شربه مياهًا غير صالحة، فلو وجد غيرها لما حدثت الأزمة، والحكومة والمحافظ والإدارات المعنية تتحمل المسئولية قولًا واحدًا. ما أتحدث عنه وتحدثت عنه سابقًا، هو سلوكنا في تناول الأزمات، سهام النقد ومعاول الهدم، التي لن تفيد الوطن، لم أسمع عن مساهمة مجتمعية لإصلاح الوضع، لم أجد شركة من عشرات الآلاف اندفعت في حل الأزمة انطلاقًا من مسئوليتها المجتمعية، لم نسمع عن مبادرة على فيس بوك من شبابنا لحصر القرى المشابهة، والمنتظر أن تشهد -لا قدر الله- نفس الأزمة، فقط صراخ وعويل لا يقدم بل يؤخر. إن اليابان التي نأخذها كمثال في المقارنة بيننا وبينهم دائمًا، يفعل شعبها المستحيل من أجل زيادة التقدم، يساهم بصورة رئيسية في تهيئة المناخ لأى حكومة لكى تنجح وترتقى بشعبها، يعملون أكثر مما ينامون، يقرءون أكثر من عبثنا على مواقع التواصل الاجتماعي، يحرصون على عاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم، كحرصنا على مشاهدة الأفلام الجنسية، والاستماع لفتاوى أنصاف المشايخ، يهتمون بالوقت مثل اهتمامنا بمشاهدة المسلسلات والأفلام التافهة، لن تجد لديهم باسم يوسف يجمع الملايين حول الشاشة، ليطلق نكاته ويسخر من هذا وذلك، يبدأ يومهم من الخامسة صباحًا، مش ينتهى في الخامسة صباحًا. لو خصص كل أب وأم منا ساعة أو ساعتين يوميا للجلوس لأطفالهم، وتعليمهم فضل الأخلاق، وقيمة العمل والعلم، وأهمية ما يدرسه الأطفال في الارتقاء بهم وبالأسرة وبالوطن، سيختلف الوضع كثيرًا، لو اجتزأ كل أب نصف الوقت الذي يقضيه على المقاهى، وخصصه لأسرته وزوجته سيختلف الوضع كثيرًا. [email protected]