الخطاب الأول للبابا لاون الرابع عشر.. نداء إلى السلام والوحدة    أسعار ومؤشرات العملات الرقمية اليوم.. بيتكوين تهيمن بحصة سوقية قدرها 63.9%    محافظة الجيزة تزيل حالات بناء مخالف بمنطقة المنصورية فى الهرم    الأونروا تدين اقتحام قوات إسرائيلية لمدارس فى القدس الشرقية    تشيلسى ضد يورجوردين.. البلوز يتفوق بهدف فى الشوط الأول.. فيديو    ترامب يأمل في حل المشكلة النووية الإيرانية دون قصف ويريد للإيرانيين النجاح الكبير    تشكيل تشيلسي - الشباب يغلبون على موقعة حسم التأهل لنهائي دوري المؤتمر    تصفيات كأس العالم - فلسطين تواجه عمان في الأردن    طاقم إسعاف كفر الشيخ يجري عملية ولادة لسيدة في محطة قطار    المعاينة: ماس كهربى وراء حريق شركة أدوية بالأزبكية    أحمد داود وخالد كامل يحضران ندوة فيلم الهوى سلطان بمهرجان المركز الكاثوليكى    الخارجية الألمانية تنشر بيانا باللغة الروسية في الذكرى السنوية لنهاية الحرب العالمية الثانية    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    أخبار مصر اليوم.. بوتين يستقبل السيسي في الكرملين    "أوتشا": عنف المستوطنين بالضفة الغربية فى تزايد    هيبة: مصر أنفقت 550 مليار دولار على تحسين البنية التحتية خلال 10 سنوات| خاص    مستشار وزيرة التخطيط: 44% من القوى العاملة بحلول 2030 ستكون من الجيل التكنولوجيا الحديثة    نفس توقيت نهائي الكأس.. ديسابر يعلن ضم ماييلي لقائمة الكونغو الديمقراطية في يونيو    الزمالك يدعم فريق اليد ب 3 صفقات استعدادا للسوبر الأفريقي وكأس الكؤوس    محافظ سوهاج يتفقد مركز الكوثر الطبى ويوجه بخطة عاجلة لتشغيله    السبت المقبل.. 23 ألف طالب يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة أسوان    معدات ثقيلة لرفع سقف موقف قوص المنهار فوق 40 سيارة (صور)    رائحة كريهة تكشف عن جثة خمسيني متعفنة بالحوامدية    النواب يناقش تعديل قانون مهنة الصيدلة وتنظيم إصدار الفتوى الشرعية    تقرر مد مسابقة توفيق الحكيم لتأليف المسرحي .. اعرف تفاصيل    «كان يخاف ربه».. هالة صدقي تحسم جدل أزمة طلاق بوسي شلبي من الراحل محمود عبد العزيز    ما تأثير الحالة الفلكية على مواليد برج الحمل في الأسبوع الثاني من مايو 2025؟    أكشن بتقنيات عالية.. الإعلان التشويقي لفيلم المشروع X ل كريم عبد العزيز    فعاليات تثقيفية متنوعة ضمن دوري المكتبات بثقافة الغربية    مسابقة قرائية بمكتبة مصر العامة    ياسمينا العبد: كنت متأكدة إني هبقى سبب فشل مسلسل «موضوع عائلي 3» (فيديو)    أمين الفتوى: لا يجوز للزوج أخذ "الشبكة" من زوجته رغمًا عنها بعد الزواج    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق قوافل المراجعة النهائية المجانية لطلاب الشهادة الإعدادية بالأقصر (صور)    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    القومى للبحوث: اكتشاف إنزيم مهم من فطر الاسبرجليس لتقليل الكوليستيرول بالدم    الدخان الأبيض يعلن بدء رحلة بابا الفاتيكان الجديد.. الأجراس تدق والاحتفالات تملأ الشوارع    وزارة الشباب والرياضة ... شكراً    طلاب جامعة الدلتا التكنولوجية يشاركون في معرض HVAC-R.. صور    رابط نتيجة الاختبارات الإلكترونية للمتقدمين لوظائف معلم مساعد مادة رياضيات    خبراء يحذرون: الزمن هو الخطر الحقيقي في النزاع النووي الهندي الباكستاني    محافظ الجيزة: تحسين كفاءة النظافة بمحيط المدارس استعدادا للامتحانات    محافظة الجيزة ترفع 150 طن مخلفات في حملات نظافة مكبرة    نيوم يدخل على خط المنافسة لضم سعود عبد الحميد.. والاتحاد يتصدر السباق    غموض حول اختفاء فتاة ببنها.. والأسرة تناشد الأمن مساعدتها في العودة    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    زوجة الأب المتوحشة تنهى حياة طفلة زوجها بالشرقية    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    تركيا: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات الإنسانية وتحاول تهجير الفلسطينيين وتثبيت وجودها في غزة بشكل دائم عبر توسيع هجماتها    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة علي جمعة

يعد فهم التراث من المسائل الشائكة التي تتطلب معرفة حقيقية بقواعد وأصول ذلك المنهج موضع النقد والتجريح، لفهم معانيه قبل الخوض في إنكاره أو الاعتراف بصلاحيته، ولعل هذا ما ذكره الدكتور على جمعة، مفتى الديار الأسبق، من خلال القول بأن كثيرا من الناس يرفضون التراث رفضا تاما، من خلال الرفض الوجدانى أو القبول التام للتراث من قبيل القبول الوجداني، لكن الأخير من وجهة نظره أفضل من الرفض التام، لأنه ينتمى إلى آبائه الصالحين وإلى سلفه الأماجد.
ويشير جمعة إلى أن التراث يتطلب خلال الحكم عليه سلوكا وطرائق، ونظريات وأفكارا، وأساليب معينة في التفكير والتحليل، أشبه ما تكون بالتعامل مع الشفرة. وعدد جمعة أسباب الجهل بالتراث المكتوب التي وضع في مقدمتها فقدان التصور الكلى لدى القارئ المعاصر، وغفلته عما كان شائعا عند الكاتبين للتراث عبر الزمان والمكان، والتي تتضمن الإدراك التام للتصورات الكلية التي كانت في ذهن هؤلاء.
كما أشار إلى وجود غفلة لدى المعاصرين في فهم النظريات الكلية التي حكمت الذهن العلمى عند إنشاء تلك العلوم، والتغافل عن قضية المصطلحات التي بدورها كانت سببا من أسباب عدم فهم التراث من وجهة نظر مفتى الديار الأسبق، إلى أن قال بأن لكل عصر ولكل مذهب، ولكل علم مصطلحاته الدقيقة التي إذا ما فقدها القارئ المعاصر أو طالب العلم فإنه لا يدرك كثيرا مما أمامه. كذلك أشار إلى الغفلة عن دور العلوم الخادمة في صياغة النص التراثى المكتوب، مختتما بدور الصياغة اللغوية والمنطقية التي تتطلب إدراك الفلسفة اللغوية وعلاقتها بما في الأذهان.
ومن خلال التعريف بالمذاهب الأربعة قدم جمعة ترجمات لإعلام كل مذهب من المذاهب الأربعة وشيوخهم والعصور التي وجدوا فيها، إضافة إلى الأسس التي اعتمدوا عليها في صوغ منهجهم، متطرقا إلى المصطلحات التي اختص بها كل مذهب عن سابقه ولاحقه.
وضعوا تعريفًا جامعًا للشريعة الإسلامية
الفقهاء الأربعة.. إجماع على «المفاهيم» واختلاف في «التفسير»
اعتمد الفقهاء الأربعة خريطة للمفاهيم والمصطلحات المعتمدة لديهم، لبيان ما اعتمدوا عليه في التعامل مع النصوص الثابتة والمستجدات من الأمور المعاصرة التي لا وجود لها في النص الصريح أو التأويل المباشر، إذ اصطلح أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم من علماء الحديث على جملة من الاختصارات المتعارف عليها فيما بينهم من خلال اختصار كلمتين أو أكثر في كلمة واحدة كقولهم (رح) والتي تعنى رحمه الله، (صلعم) وتعنى صلى الله عليه وسلم، مكتفين بتلك الاختصارات على الكتابة دون النطق، مع قولهم بكراهيته حين الصلاة والسلام على النبى.
وظهر النحت لديهم على درجات، منها ما شمل كتب الحديث، ومنها ما اختص به علماء كل مذهب، تيسيرا على الكاتب وخشية الملل، حيث يقول (ح) وتعنى تحويل الإسناد، ومنها رموز جعلوها لرواة الحديث كالرمز بالبخارى ب(خ)، ومسلم (م)، والنسائى (ن)، متفق عليه (ق).
كما وضع الأئمة تعريفا جامعا للشريعة الإسلامية يقصد به وضع القواعد وبيان النظم التي تسير عليها الأفراد والجماعات، لتأكيد أن الشريعة الإسلامية تشريع سماوى، مفرقين بينها وبين التشريعات الوضعية التي ليست دينا يُمتثل لأوامره المرء بطاعة يثاب لأجلها، أو ينتهك نواهيه فتعد معصية يعاقب عليها، وجزاء هذه المخالفة قد تتقرر له عقوبات دنيوية، إلا أنه في الثواب والعقاب مرتبط بالآخرة في حين أن التشريع الوضعى لا يتعلق بما في القلوب، موضحين علاقتها بغيرها من الشرائع حيث جاءت الشريعة الإسلامية ناسخة لسابقيها في جانبها الفقهى، وأقرت الحق الموجود في تلك الشرائع في جانبه الاعتقادى وبينت مدى انحراف هذه العقائد المختلفة. وأجمع الأئمة على جعل القرآن الكريم على رأس تلك المصادر المعتمدة في التشريع الإسلامي كونه كلام الله المنزل على رسوله المعجز بأقل سورة منه، المنقول إلينا بين دفتى المصحف، وهو دليل قطعى الثبوت قطعى الدلالة في معظم آياته ظنى في بعضها، يتبعه في الاعتماد السنة النبوية والتي تعد مصدرا ثانيا من مصادر الشريعة وهى الصادرة عن النبى من غير قرآن سواء قولا أو فعلا أو تقريرا، وهى في مجملها التطبيق المعصوم من النبى للوحى، وتقسم أحكامها إلى أربعة أنواع سنة مؤكدة للقرآن، مبينة ومفصلة له، مقيدة لمطلق القرآن، متضمنة لأحكام جديدة لم يذكرها القرآن.
كما اعتمد الفقهاء على الإجماع كمصدر ثالث من مصادر التشريع، حيث اصطلحوا على أن اتفاق المجتهدين من الأمة في عصر من العصور على أمر من الأمور الشرعية يعمل على إزالة احتمال من الاحتمالات مدعوما بالأدلة مستندين بالقول المروى عن النبى بأن الأمة لا تجتمع على خطأ. كما ينظر إلى القياس كواحد من مصادر التشريع وهو عندهم إثبات حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في سبب الحكم عند المثبت، وتهدف الشريعة في مقاصدها إلى تهذيب النفس وإرساء الآداب والأخلاق التي أمر الله نبيه باتباعها ونبذ الخلق السيئ، كما اصطلح الفقهاء على منهج عرف فيما بينهم بالتقعيد الفقهي ويقصد به وضع حكم كلي في قاعدة فقهية يستعان بها في الحكم على أمور جزئية وفرعية تندرج تحتها.
وقد رد بعض المذاهب كالشافعية إلى أربع قواعد منها «اليقين لا يزول بالشك» قياسا على قول النبي: «إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيقول له: أحدثت فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا»، «المشقة تجلب التيسير» لقوله تعالى «وما جعل عليكم في الدين من حرج»، «الضرر يزال» لقوله صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار»، العادة محكمة لقوله صلى الله عليه وسلم «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن»، وقد ضم إلى تلك القواعد الأربع قاعدة خامسة عرفت ب«الأمور بمقاصدها» استنادا إلى القول ب«إنما الأعمال بالنيات».
أبوحنيفة.. إمام ديمقراطي.. سجل مذهبه ب«الشورى الجماعية»
يعد الإمام أبو حنيفة أبرز الأئمة الأربعة وأكثر مذاهبهم انتشارا بين أهل العراق، والمعروف بإمام أصحاب الرأي وفقيه أهل العراق، يقول الدكتور علي جمعة، مفتى الديار المصرية السابق، ترجمة بالقول: هو الإمام البارع أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى المولود 80 هجريًا، والمتوفى ببغداد 150 هجريًا، عاصر أربعة من الصحابة لم يرو عن أحد منهم، أبرزهم أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وأبو الطفيل، تتلمذ على يد حماد بن أبى سليمان، وعطاء بن أبى رباح، وأبى إسحاق السبيعى، ومحارب بن دثار.
تفرد إسناده في الفقه بالأخذ عن الصحابة الذين نزلوا بالكوفة، ومن بعدهم علمائها، وكان ألزم بمذهب إبراهيم النخعى، عظيم الشأن في التخريج على مذهبه.
كما أورد عدة ترجمات لثلاثة من إعلام المذهب الحنفى، وفى مقدمتهم الإمام أبو يوسف القاضى، والإمام محمد بن الحسن، والإمام زفر، مشيرًا إلى أنه رغم اختلافهم مع أبى حنيفة إلا أنهم أعدوا ضمن مدرسته.
تميز المذهب الحنفى بالشورى الجماعية فيما يقول به أصحاب المذهب، حتى روى المغيرة بن حمزة أن أصحاب أبى حنيفة الذين دونوا معه الكتب أربعون رجلا من كبراء الكبراء، ووضع أبو حنيفة مذهبه شورى بين أصحابه، لم يستبد فيه بنفسه دونهم اجتهادا منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ولرسوله والمؤمنين. امتاز أبو حنيفة بالفقه التقديرى في مسائل لم تقع ويفرض وقوعها، متخذا من الكتاب والسنة أصولا ثابتة، فإن لم يجد بحث في أقوال الصحابة، ثم التفضيل بين الآراء المتباينة للصحابة، ثم الاجتهاد بعد ذلك، والإجماع، والقياس، وأخيرا العرف.
كان أبو حنيفة يفرق بين الأمر الثابت بالقرآن ذى الدلالة القطعية، والثابت بالسنة ذي الدلالة الظنية، مقدما القرآن في كل أقواله، حتى وصفه البعض بمخالفة السنة، لكنه كان يرى أن النص القرآنى بدلالته فرض، والنص النبوى وجوبى، كما اعتمد أبو حنيفة الأحاديث المتواترة ولم يكن ينكر أيا منها.
في الوقت الذي نعانى فيه من ديكتاتورية الرأى، ونسب تلك الديكتاتورية للدين، لاسيما مع تصدير كل عالم لرأيه على أنه الصحيح، أورد الدكتور على جمعة في كتابه «نموذج لمفهوم الشورى في الإسلام»، الذي يعد ردًا على المتشككين في التراث الإسلامى كله، والداعيين إلى هدمه، وهو الطريقة التي اعتمد عليها الإمام أبو حنيفة في تدوين مذهبه.
وكان أبو حنيفة يسأل أصحابه في المسألة قبل أن يرجح أحد الأقوال بالأدلة الشرعية، حيث يقول الشيخ الكوثرى: إنه خالف زفر بن الهذيل وأبى يوسف ومحمد ابن الحسن أبا حنيفة في مسائل أصلية وفرعية، كما هو ظاهر من كتب المذاهب في الأصول والفروع، ومع ذلك دونت آراؤهم مع آراء أبى حنيفة في كتب المذهب، وعدها الجميع من مذهب أبى حنيفة مع هذا التخالف، بل نصوا على أن الفتوى في المذهب على رأى أبى حنيفة مرة، وعلى رأى أحد من أصحابه مرة أخرى، حتى سأل أمير مكة الشريف سعد بن زيد قائلًا: ما تقولون في مذهب أبى حنيفة، وصاحبيه أبى يوسف ومحمد، فإن كل واحد منهم مجتهد في أصول الشرع الأربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وكل واحد منهم له قول مستقل غير قول الآخر في المسألة الواحدة الشرعية، وكيف تسمون هذه المذاهب الثلاثة مذهبا واحدا، وتقولون: إن الكل مذهب أبى حنيفة، وتقولون على الذي يقلد أبا يوسف في مذهبه، أو محمدا إنه حنفى، وإنما الحنفى من قلد أبا حنيفة فقط فيما ذهب إليه؟ فكان جواب أحد شيوخ الحنفية عبد الغنى النابلسى أن آراءهما روايات عن أبى حنيفة، فتكون أقوالهما من أقوال أبى حنيفة، فيكون عدها في مذهب أبى حنيفة صحيحا، واستند في ذلك إلى أقوال مروية عن الإمامين في ذلك.
الشافعي.. خالف أستاذه في الاستعانة بإجماع أهل المدينة
يعد الشافعى أبرز المذاهب التي وجدت من الأراضى المصرية مجالا خصبًا للانتشار، حيث يعتبر المذهب الشافعى المعمول به في الآراء الفقهية والمعتمدة في مصر، ويقول عنه الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي المولود بغزة 150 ه، والمتوفى بمصر 204 ه، موضحا النشأة اليتيمة في كنف والدته، وإتمامه لحفظ القرآن في سن السابعة من عمره، من شيوخه وفى مقدمتهم إسماعيل بن قسطنطين الذي عرف بشيخ أهل مكة، وسفيان بن عيينة إمام أهل الحديث، ومسلم بن خالد الزنجى فقيه مكة، وسعيد بن سالم القداح، والإمام الليث بن سعد.
مراحل تطور المذهب الشافعى ولعل أبرزها مرحلة الإعداد والتكوين والتي بدأت بعد وفاة الإمام مالك 179 واستمرت فترة طويلة مستغرقة ستة عشر عاما، إلى أن قدم الشافعى إلى بغداد، ومن ثم ظهر المذهب القديم، أعقبها النضج والاكتمال لمذهبه الجديد والذي بدأ مع قدومه مصر 199 ه حتى وفاته بها 204 ه.
هذه المراحل الثلاث أعقبها مراحل أخرى بعد وفاة الشافعى منها طور التخريج والتذييل الذي قام به أصحاب الشافعى حتى القرن الخامس أو السابع على أقصى التقديرات، قبل أن تختتم المراحل بطور الاستقرار الذي رجحت فيه أقوال المدرسة الشافعية. ولعل من الأسس التي اعتمدها الشافعى في مذهبه أقوال الصحابة فيما جعلوه حجة، ثم العمل على ترجيح الأقوال حال اختلافها، ثم العمل على تقديم القول الآحاد على القياس، وكان منهجه في القياس خلاف مالك وأبو حنيفة، حيث سلك مسلكا وسطا وجعله مرادفا للاجتهاد، حيث قال الاجتهاد القياس، ثم اعتبار الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يكن هناك نص بالتحريم، مقرا العمل بالاستصحاب وهو ثبوت الأمر في الزمان الثانى بناء على ثبوته في الزمان الأول.
كما اعتمد الشافعى فكرة الاستقراء من خلال تتبع الأمور الجزئية والحكم عليها من خلال الحكم الكلى أو الجزئى للمسألة، والأخذ بأقل ما قيل في المسألة إذا كان الأقل جزءا من الأكثر ولم يجد دليلا غيره.
واستبعد الشافعى بعض الأدلة التي قال بها غيره من الأئمة ومنها المصالح المرسلة التي كان يقول به مالك، إضافة إلى مبدأ الاستحسان الذي يقول به أبو حنيفة، إجماع أهل المدينة الذي اعتبره مالك حجة، والاحتكام إلى شرع من سبقنا.
مصطلحات الشافعية ضمت القول بالإمام ويقصد به إمام الحرمين الجوينى ابن أبى محمد، أما القاضى والقاضيان فيُقصد القاضى حسين، والقاضيان الرويانى والماوردي، بينما الشارح وهو الجلال المحلى شارح المنهاج، أما الشيخان فهما «الرافعى والنووي».
مالك.. جعل إجماع أهل المدينة أصلًا في التشريع
يعد المذهب المالكى من المذاهب الفقهية المنتشرة بالوطن العربى، حيث يمثل 35٪ من إجمالى المسلمين مرتكزا في شمال أفريقيا وصعيد مصر، وقد وضعه الدكتور على جمعة في المرتبة الثالثة من كتابه «المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية»، حيث بدأ بترجمة الإمام مالك من خلال القول بأنه إمام دار الهجرة أبو عبدالله مالك بن أنس بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان، أحد أئمة المذاهب المتبوعة، وهو من تابعى التابعين، قال عنه البخارى: أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر، وقيل في موطأ: ما في الأرض كتاب من العلم أكثر صوابا من موطأ مالك.
وأوضح أن «مالك» أخذ العلم عن تسعمائة شيخ منهم ثلاثمائة من التابعين، وستمائة من تابعيهم، توفى بالمدينة عام 179 ه، ذاكرا من إعلام مذهبه أبو الحسن الشاذلى أبو بكر بن العربى.
وقد اعتمد مالك في مدرسته على سبعة عشر أساسا في مقدمتها نص الكتاب وظاهره ودليله، مفهومه وشبهه، كذا الأمر مع السنة في معرفة ظاهرها ودليلها ومفهومها وشبهها، ثم الإجماع والقياس، وعمل أهل المدينة، قول الصحابى، الاستحسان، سد الذرائع، الاستصحاب.
وكان للإمام مالك منهج في الاستنباط الفقهى لم يدونه كما دون بعض مناهجه في الرواية، ولكن مع ذلك صرح بكلام قد يستفاد منه بعض منهاجه، فقد ألمح إلى ذلك وهو يتحدث عن كتابه «الموطأ»: «فيه حديث رسول الله وقول الصحابة والتابعين ورأيى، وقد تكلمت برأيى، وعلى الاجتهاد، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، ولم أخرج من جملتهم إلى غيره».
ولعل أبرز مصطلحات المذهب المالكى استعمال لفظة المشهور وهو ما قوى دليله وكثر قائله، الشاذ- المنكر وهو مقابل المشهور، كذا المعروف وهو مرادف للمشهور، وقد يأتى بالأصح تعبيرا عن المشهور.
ابن حنبل.. قال بعدم التعارض المطلق بين القرآن والسنة
يعد الأمام أحمد ابن حنبل أحد الأئمة الأربعة المعتمدين لدى أهل السنة من حيث المذاهب الفقهية، إلا أن المشهور عن مذهبه التشدد في إصدار الأحكام مخافة مخالفة الشرع، ويترجم له مفتى الديار الأسبق قائلًا: «الإمام البارع المجمع على جلالته وإمامته وورعه وزهادته وحفظه، ووفور علمه أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل، ولد ببغداد 164 ه، وتوفي 241 ه، من شيوخه سفيان بن عيينة، إبراهيم بن سعد، يحيى القطان، هشيم، ووكيع، ويقول عنه الشافعى: ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي».
ويعتمد ابن حنبل في مذهبه على خمسة أصول، أبرزها النص والمتمثل في القرآن والسنة، ثم ما أفتى به الصحابة، التخيير من بين أقوال الصحابة ما توافق مع النص القرآنى والسنة، ثم الاستعانة بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، ثم الارتكاز على القياس إذا وجدت ضرورة ملحة للاعتماد عليه.
ويعد النص صاحب المكانة الرفيعة عند ابن حنبل ما دامت نصوصه ثابتة وصحيحة، مرتأى في السنة البيان والتوضيح للقرآن فلا تقدم نصوصها على القرآن ولا يرى في نصوصهما تعارض ظاهريا كان أو خفيا، جاعلا الوقوف عند ظاهر النصوص أمرا ملزما إلا إذا وجد دليلا يوجب الصرف.
كما يتفق الحنابلة مع الجمهور في القول بحجية مفهوم الموافقة، أما مفهوم المخالفة فيقر بحجيته حتى إن لم يوافق البعض على ذلك، جاعلا رد المتشابه إلى المحكم في حكم الوجوب كون النصوص توافق بعضها بعضا ولا يؤخذ المتشابه على ظاهره دون النظر في كل الأدلة.
ويرى أحمد أن السنة مقدمة على ظاهر الآيات كونها مبينة للقرآن تقييدا مطلقا وتخصيصا لعامه وبيانا لمجمله، متخذا من تفسير الصحابة مرجعا في فهم معانى القرآن شرط عدم تعارضها مع النص القرآنى أو السنة، جاعلا من تفسير التابعين موضعا للتخيير بين الأخذ به أو الرفض.
وهو مع الجمهور في القول بوجوب العمل بالخبر الواحد، وأن الخبر المتواتر لا يولد العلم بنفسه بل يقع العلم عنده بفعل الله، وكذا القول بقبول العمل بقول الواحد في الحدود.
وفند جمعة ما يتردد على لسان الإمام أحمد من رفض القول بالإجماع قائلا: أما الإجماع فهو حجة عند الإمام أحمد وأصحابه، ويتفرد أحمد بالقول بسد الذرائع.
من المصطلحات التي اعتمدها المذهب الحنبلى ما هو صريح، ظاهر، مجمل، ما دل سياقه على معناه، ومنها القول بأهل الرأى ويقصد به أبوحنيفة والأشعرى، أهل السلف السنة ما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الدين ممن شهدوا له بالإمامة دون من رمى ببدعة كالخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والمعتزلة وغيرهم.
كذا القول ب«الشارح»، «الشرح» ويقصد بالأولى الشيخ شمس الدين عبدالرحمن ابن الشيخ أبى عمر محمد بن أحمد المقدسى، والشرح أي كتاب «شرح المقنع».
يقول جمعة: إن المرجح في معرفة الصحيح والترجيح في المذهب يرد إلى أصحابه، وقد حرر ذلك الأئمة المتأخرون، حيث اعتمدوا في معرفة الصحيح على ما قالوه، وفى مقدمتهم الشيخ الموفق في الكافى والنجم المسدد والشارح والشيخ تقى الدين، والشيخ زين الدين ابن رجب، وبين أن المقدم في الترجيح عند الاختلاف بينهم إلى ما قاله الشيخان الموفق والمجد، ثم ما وافق رأى أحدهما مقدمين الموفق على المجد، ثم ينظر فيمن شاركهما من الأصحاب لاسيما تقى الدين أو ابن رجب، مستشهدا في ذلك بما قاله ابن رجب في طبقاته حيث يقول: «وأهل زماننا ومن قبلهم يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين الموفق والمجد».
من النسخة الورقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.