كتبت الباحثة والمؤرخة ماري غوتين لواشنطن بوست، استعراضًا لكتاب جديد حول سيرة ميشيل أوباما، يرصد حياتها من شيكاغو إلى البيت الأبيض، مركزًا على أثر الوضع العرقي في تكوين شخصية سيدة أمريكا الأولى. وبحسب الباحثة جوتين، قليل ممن يتذكرون حملة انتخابات 2008 الرئاسية، هم الذين قد ينسون الظهور الأول للسيدة الأولى ميشيل أوباما، نقطةً بارزة على راداراتهم، لا بد أنهم كانوا من قبل قد سمعوا بها ورأوا صورها مع زوجها، ولكن قولها "للمرة الأولى في حياتي البالغة، أفخر ببلدي" أثار عاصفة من الجدل، تعرضت على إثره لنقد شديد من "شين هانيتي" مقدم برنامج فوكس نيوز، ومن "سيندي مكين" زوجة المرشح الجمهوري جون مكين، ومن الصحفية المحافظة ميشيل ميلكين، وعشرات آخرين، ولم يكن قد سبق لزوجة رئيس أن أرادت تصدّر الدوائر الإخبارية على ذلك النحو. وفي كتابه الجديد عن السيدة الأولى، يكتب بيتر سيلفين أن أقوالها في ذلك اليوم "لم تكن صدفة أوهفوة"، فقد قالتها في خطبتين مختلفتين من الحملة، ولم تثر تلك الأقوال قلق أحد في حملة باراك أوباما أو تجعل أحدًا منهم يتوقع أن تثير ضجة، ولعل تلك الأقوال تعكس حياة بدأت في الجزء الجنوبي من شيكاغو، واستمرت في برينستن، وهارفرد وأماكن أخرى انتهت بها جميعا إلى الحملة الانتخابية الرئاسية. وفي تعليق على تلك الأقول قالت إحدى صديقات ميشيل "إنها كانت تشك في ما إذا كانت الأغلبية البيضاء قد تنتخب رئيسًا أسود"، وقد أعربت هي نفسها عن شكوكها تلك لباراك حينما أخبرها أنه يعتزم دخول معترك السياسة إذا قالت له إن "هذا المجال ليس نبيلا"، وظلت شكوكها بشأن ترشح زوجها تتنامى، حتى وهو يحرز انتصاره التاريخي. يقدم سيلفن في كتابه هذا ميشيل لافون روبنسن أوباما، بوصفها امرأة ذكية عالية القدرات متفجرة الطاقة ذات شعبية عالية وحرص شديد على خصوصيتها داخل البيت الأبيض الزجاجي المكشوف، كتاب مليء بالتفاصيل، ناتج عن بحث مضن، بما يجعله الصورة الأكمل للسيدة أوباما حتى اليوم، وبرغم اعتماده على التحليل، إلا أنه أبعد ما يكون عن الجفاف، إذ يحتوي الكثير من النوادر التي تبث الروح في صورة ميشيل العامة. وبعد ست سنوات مضت على وجودها في البيت الأبيض، أصبحت قصتها معروفة لأغلب الأمريكيين، وفي حين يقدم سيلفن هذه الأرضية المشتركة، إلا أنه يملأ فجوات في الدراسات السابقة، ففي حين بحثت كتب سابقة المسائل العرقية، يمكّن سيلفن القارئ من تقييم جيشان ما قبل وما بعد حركة الحقوق المدنية في شيكاغو وكيف عاشتها الشابة ميشيل وأسرتها وأصدقاؤها، في زمن لم يكن السود فيه يلقون الترحاب في الحي التجاري من شيكاغو، وحتى بعد عام 1966 الذي صدر فيه قانون الحقوق المدنية ظل العمال السود يتعرضون للتمييز، لدرجة أن المبجل مارتن لوثر كنغ الابن الذي جاء إلى شيكاغو لقيادة مسيرة من السود والبيض المناصرين لحركة الحرية قال "إنه وبعد تنقله في كثير من أرجاء الجنوب لم يصاف قط حشودًا" معادية وكارهة كالتي في شيكاغو"، تلك العداوة قوَّت شخصية ميشيل وكانت حافزًا لها، فلم تملأها بالمرارة بل بالتصميم على أن تمتلك "حلمًا كبيرًا"، وتلك رسالة بقيت تبعثها إلى الشباب بعدما أصبحت سيدة أمريكا الأولى. نشأة ميشيل ومسيرتها ولدت ميشيل لأبوين كانا يتوقعان الكثير من ابنهما وبنتهما ويطالبانهما ببذل أقصى الجهد، وكانت ميشيل تتحلى بروح المنافسة وتكره الهزيمة في أي شيء وتبنت على مدى السنين أخلاقيات عمل "ضارية"، وقد مضت بها قدراتها التنافسية إلى الالتحاق بجامعة برنستن فشعرت في أول الأمر أن الأمر يفوق قدراتها و"أنني لا يفترض أن أكون هنا"، وشعرت بعزلة المؤسسة الأكاديمية النخبوية مرة ثانية في مدرسة القانون بهارفرد برغم ما لقيته من تشجيع من اتحاذ طلاب القانون السود، تطوعت للعمل في مكتب هارفرد للمساعدات القانونية وتخصصت في قضايا المرأة والإسكان، تابعت نضال الأمريكيين من الطبقة العاملة طوال حياتها، حتى على مستوى أسرتها، فهمت معنى العمل بأجر زهيد، والاستبعاد من العمل في الوظائف بسبب العرق، وجعلتها خبرة العمل لمكتب المساعدات القانونية حساسة تجاه مشكلات الأمريكيين في الطبقة العاملة. لقائها باراك أوباما وبعد تخرجها، عادت أوباما إلى شيكاغو وبدأت ما كان يمكن أن يصبح مسيرة مهنية قانونية لامعة في شركة سايدلي أوستن القانونية، وهناك طلب منها العمل مع موظف قانوني كان طالبًا في هارفرد في سنته الأولى يدعى باراك أوباما، وبدأ بينهما على الفور ما سيصل إلى الزواج سنة 1992. مسيرتها المهنية ولم تسترح ميشيل للعمل في الشركة فتركتها بحثًا عن عمل ذي معنى أكبر، ومضت بها الرحلة إلى العمل في مكتب عمدة شيكاغو، ثم في إدارة برنامج "الحلفاء العموميين" الذي كان معنيًا بتدريب الشباب على القيادة واختبار المسئولية العامة، ثم أصبحت مديرًا لمكتب جامعة شيكاغو للخدمات المجتمعية الذي كان معنيًا بالوصول إلى السكان الأمريكيين الأفارقة في المنطقة وتحسين صورة الجامعة في وقت كانت المؤسسة أحوج ما تكون فيه إلى ذلك. وفيما كانت تتنقل من منصب إلى منصب كان باراك يعمل على "مشروع التصويت" محفزًا الناس على استغلال هذا الامتياز، ويقوم بتدريس القانون في جامعة شيكاغو، حينما قرر أنه يريد بدء مسيرته السياسية، ولم ترض زوجته عن ذلك الخيار، فكان قراره سببًا للتوتر في زواجهما. الترشح للانتخابات وموافقة ميشيل وفي أواخر 2006، طلب السناتور آنذاك باراك من صهره كريغ أوباما أن يقنع أخته ميشيل بمسألة ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية في 2008، كان باراك يتخوف من أن زوجته "لن تقبل بخوض ذلك"، ويتذكر كريغ قوله "أنت محق تمامًا في أنها لن تخوض ذلك"، كان مستشارو أوباما يرون أن فرصته مثلى في انتخابات 2008، ولكن ميشيل كانت تتمتع بقوة الفيتو، فلو كانت لم تقتنع، لما كانت هناك مشاركة في الانتخابات. واحتاج إقناعها محاولات مضنية، كانت مخاوفها تتركز على الأمور اللوجستية، وعلى أطفالها، والوظيفة التي تحبها، ودورها في الحملة نفسها، يكتب سيلفن أنه "كان من شأن النجاح في الانتخابات أن يعني تخليها عن وظيفتها لأربع سنوات، وربما ثماني، وأن يعني أكثر من ذي قبل ارتباط هويتها بهوية زوجها"، وبالتدريج بدأت تقتنع، وتنحِّي مخاوفها ومصلحتها الشخصية، وقد بدأت تؤمن أن زوجها قد يساعد أولئك الذين يرون أن العالم خذلهم، بدا أن السياسة قد تكون أنبل مما كانت تظن، ثم إن "الترشح للرئاسة كان أمرًا لا بد لباراك أن يقوم به وإلا لظل إلى الأبد يتساءل ما الذي كان ليسفر عنه الأمر". السيدة الأولى وبوصولهما إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2009، أعلنت أوباما أنها سوف تكون "الأم الأولى"، كانت ابنتاها ساشا وماليا هما أولى أولوياتها، وكانت تريد أن تطمئن إلى استقرارهما في حياتهما الجديدة، ولو أنها كانت تأسف على تضحيتها بحياتها المهنية، فقد أحسنت إخفاء ذلك، ووجهت طاقتها إلى مباردة البيت الأبيض "هيا نتحرك" الرامية إلى مكافحة السمنة لدى الأطفال من خلال التغذية الصحية والرياضة، وجاءت الخطب واللقاءات والالتزامات الاجتماعية الكثيرة لزوجة الرئيس لتلتهم وقتها، لم ترغب السيدة الأولى الجديدة أن تخوض في أي مستنقعات تستوجب التدخل من رأسمال زوجها السياسي، ونضجت في مهتمها، مؤدية مسؤولياتها بإخلاص، مسيطرة على الإعلام باعتمادها على وسائل الإعلام الاجتماعي وصارت جزءا أساسيا من حملة زوجها الدائمة، فطولبت بهذا الدور فعليًا في حملته الانتخابية سنة 2014. وفي حين أن أوباما لم تكن السيدة الأولى المؤثرة على غرار إليانور روزفلت أو هيلاري رودهام كلينتن، لكنها كانت أنشط من كثير من السيدات الأولىات السابقات، وعندما سئلت عما إذا كانت تعرضت لضغوط إضافية لكونها سيدة أولى من أصل أمريكي أفريقي قالت "إن مشاعرها تجاه الوظيفة لم تكن فريدة بسبب العرق" وقالت "إن السابقات عليها رأين الوظيفة مثلما رأتها هي". وفي عام 2014 صدرت دراسة عن معهد سينا كولدج للأبحاث متناولة السيدات الأوائل في الولاياتالمتحدة، معتمدة على استطلاع للرأي بين المؤرخين والباحثين حول دور السيدة الأولى في قضايا المرأة، فجاءت ميشيل في مرتبة متقدمة للغاية، واعتبرت شديدة الفعالية في حياة البيت الأبيض، كما اعتبرت بمثابة جزء من الرأسمال السياسي الفاعل، فقد جاءت ميشيل أوباما في المرتبة الخامسة بعد روزفلت وأبيغيل آدمز، ومتقدمة على كلينتن. ويقول سيلفن "إن السيدة الأولى تنتظر بشوق خروجها من البيت الأبيض لتقول أخيرًا ما تريد أن تقوله، وتنهي صفحة السيدة الأولى الأمريكية الأفريقية، وإنني لأرجو أن لا تطوى هذه الصفحة إلا وقد كشفت ميشيل عن حقيقة الدور الذي لعبته كواحدة من مستشاري باراك أوباما".