الكتاب مجموعة من الصفحات المطبوعة مثبتة مع بعضها، وقد تطور الكتاب وتنوعت أهدافه على مر العصور، كما توالت الابتكارات الهادفة إلى تحسينه من الداخل والخارج. ولا يخفى علينا أن الكتاب قد وضع منذ البداية لغرض شبه تعليمي؛ فالكتابة اليدوية أداة قديمة حاول بها الإنسان أن يتخطى حواجز المسافات البعيدة ويخاطب الناس من خلالها، وتمثل مرحلة صناعة الكتاب الجانب الأكبر من تاريخ الطباعة بدءًا بلفائف البردى التي صنعها المصريون القدماء، وحتى اختراع المصريين القدماء للورق كمادة للكتابة عام 105م، وقد اشتق اسم مادة الورق من البردى. ووصل الشكل الكتاب في العصر الحديث نتيجة لاجتهادات فكرية وتكنولوجية تطورت مع الزمن لتصل بصناعة تصميم الكتاب على الوجه العصري طبقًا لتطور تقنيات الطباعة وصناعة الأحبار والورق وأساليب التشطيب والتجليد، سواء كانت أساليب عادية أو فاخرة. الكتاب مجموعة من الأوراق المطبوعة والمجمعة في مجلد واحد أيًا كان شكل التجليد، وكان له اسم الصحيفة والدواة، وله تعريف آخر باسم المؤلف من النثر، ويعرف أحيانًا بأنه فرع من المصنفات، ولكن يبقى التعريف الأخير والأهم وهو أن الكتاب هو مصدر من مصادر التعلم والثقافة لمحاربة الجهل والتخلف. كان الإنسان في بداية الأمر يعاني من نسخ الكتاب لأن نسخ المجلد الواحد يحتاج إلى أيام كثيرة وأحيانًا شهور لصناعة نسخة واحدة منه، وهو الأمر الذي يستحيل معه تداول الكتاب لأكثر من شخص. ولذلك كان المؤلف يخاف خوفًا شديدًا على ضياع نسخة كتابه المخطوط، أو تعرضها للحرق أو التف نتيجة العوامل الطبيعية، وكان يطلق عليه هذا الاسم نظرًا لأن الكتاب خط بخط اليد. كان بداية الطباعة الميكانيكية سنة 200م عندما أخذ الصينيون يحفرون الكتابة والصور البارزة فوق قوالب خشبية، وكان كتاب Tipitaka البوذي المقدس يطبع عام 972 م، في 130 ألف صفحة بالقوالب الخشبية. وتطورت الطباعة إلى طريقة التجميع لحروف المونوتيب Movable Type المتحركة وترصيصها في قوالب "شاسيه". وفي أوربا صنعت الحروف البارزة والمتحركة. وفي منتصف القرن 15 ظهرت آلة الطباعة على يد الألماني يوهان جوتنبرج، لتتطور للطباعة الحديثة التي تطبع بها الصحف والكتب بالملايين على الورق. إلى أن ظهرت الطباعة بالمعنى الحديث لها، وكان أول من أستخدم آلة الطباعة هو الألماني يوهان جوتنبرج في عصر الإمبراطورية الرومانية نحو العام 1440. وبدخول أوروبا عصر النهضة ازدادت الحاجة إلى أسلوب جديد في الطباعة أكثر سهولة وفعالية، فتوالت الاختراعات في مجال الطباعة واحدًا تلو الآخر على النحو التالي: ففي عام 1800، تمكن نبيل إنجليزي من اختراع آلة طباعة كاملة من الحديد، وفي عام 1811، قام الألماني فريدريك كويننج "Friedrich Koening" باختراع آلة طباعة أسطوانية تعمل بالبخار، الأمر الذي زاد من كفاءة الطباعة وسرعتها، وفي عام 1826، قام عالم الطبيعة الفرنسي جوزيف نيبس "Joseph Niepce" باختراع أول آلة تصوير ضوئي في العالم، الأمر الذي فتح المجال واسعًا أمام العديد من الاختراعات الأخرى في مجال الطباعة، وفي عام 1825 اخترع فوكس تابلوت "Fox Talbot" الأكليشيهات، وفي عام 1855 اخترع ألفونس بوافا "Alphonse Poitevin" طباعة الصفائح الضوئية "Photolithography"، وقد أدت هذه الاختراعات إلى ظهور طباعة الأوفست في أوروبا بنهاية القرن التاسع عشر، وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي أمريكا، فقد دخلت مضمار الطباعة متأخرة بعض الشيء، وسارت الأمور بسرعة على النحو التالي: في عام 1846، اخترع الأمريكي ريتشارد هيو "Richard Hoe" آلة الطباعة الدوارة التي تم فيها توصيل حروف الطباعة بأسطوانة دوارة، ثم استخدمت أسطوانة أخرى لتثبيت الطباعة، ووصلت سرعة تلك الآلة إلى 8 آلاف صفحة في الساعة. اخترع وليام بلوك "William Bullock" عام 1863م آلة لطباعة الصحف ذات تغذية ذاتية من الورق الملفوف على بكرات، الأمر الذي زاد من كفاءتها وسرعتها. وفي عام 1871، طور ريتشارد مارش "Richard Marsh" هذه الآلة لتنتج 18 ألف صفحة في الساعة. في عام 1884، قام أوتمر مارجنثالار "Ottmar Mergenthalar" بصناعة قطعة معدنية تحتوى على قوالب معدنية تمثل كل الحروف المستعملة منضدة بجوار بعضها بعضًا، وقد أطلق عليها اسم "خط الحروف الطباعية"، "Linotype" وقد استخدمت هذه الآلة في طباعة جريدة النيويورك تريبيون عام 1886. وبعد عدة سنوات استطاع تولبرت لانستون "Tolbert Lanston" اختراع آلة لجمع الحروف المستقلة، تتألف من وحدتين رئيسيتين؛ هما: وحدة لوحة المفاتيح، ووحدة صب الحروف. ثم قام الأمريكيان ماكس ولويس ليفي "Max & Louis Levy" باختراع شاشة التلوين النصفي "Halftone Screen"، الأمر الذي مهد الطريق أمام ازدهار طباعة الصور في مختلف المواد. ومع بداية القرن العشرين تمكن الأمريكي آيرا روبل "Ira Ruble" من استخدام طباعة الأوفست التي انتشرت على نطاق واسع. ثم قفز فن الطباعة قفزات واسعة ليساير النهضة العلمية، والتقدم التقني في نهاية القرن العشرين، فمع اختراع أجهزة الحاسوب أصبح صف الحروف وتنسيقها يتم باستخدام تلك الأجهزة، ثم تعدى ذلك إلى استخدام أشعة الليزر في تنسيق الحروف، والتقاط الصور، وفصل الألوان، وتنسيق الصفحات. إنّ البداية الحقيقية للطباعة في مصر، كانت في 1821، عندما أنشأ محمد على مطبعةً ببولاق، وعيّن لها مديرا هو "نقولا المسابكي" اللبناني الأصل، واعتبرت هذه المطبعة رمزا للتحديث في مصر والعالم العربي. وقد نشرت هذه المطبعة في الفترة الممتدة بين عامي 1822 و1842 أكثر من 240 كتابا موزعا على الميادين العسكرية والحربية والعلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية والاجتماعية. ولم يكتف "محمد على" بهذه المطبعة فقط، بل فتح مجال الطّباعة والنشر واسعا أمام القطاع الخاص المصري وغير المصري. وساهمت هذه النقلة الحضارية في ترجمة ما توصّل إليه الغرب من علم وتقنية، باعتباره مادة أولىة؛ حمل لواءها، كما هو معروف، الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي. وكانت النتيجة إرواء عطش المئات بل الآلاف من المثقفين الإحيائيين في مصر والعالم العربي. وعرفت ساحة الطباعة حركة تطور كبيرة لعب فيها السوريون واللبنانيون، إلى جانب المصريين، دورا مهما في صناعة الكتاب والنشر، وتأسيس الصحف والمجلاّت، مثلما هو شأن أحمد البابي الحلبي، الذي أنشأ المطبعة الميمنية في سنة 1859، التي انقسمت فيما بعد إلى شركتين منفصلتين، ومطبعة المعارف التي أنشأها إبراهيم المويلحي، والمطبعة الأهلية القبطية التي بدأت عملها سنة 1870م. وعُرف إضافة إلى هؤلاء كل من رشيد رضا مؤسس دار المنار ويوسف البستاني صاحب دار المكتبة العربية، وفي الفجالة أنشأ الأديب المشهور جرجي زيدان ونجيب متري، مطبعة التأليف، لكنهما انفصلا في العام الموالي، ليؤسس كل منهما مطبعة خاصة به، فكانت مطبعة دار الهلال بالنسبة للأول ومطبعة دار المعارف للثاني. والواقع أنّ هؤلاء وغيرهم ممن كان لهم الفضل في تحريك صناعة نشر الكتاب في مصر، كانوا قبل اقتحام هذا الميدان الحسّاس الذي فتحه أخلاف محمد على، قد تحوّل عدد منهم من أصحاب مكتبات بيع ما كانت تنتجه مطابع بولاق المصرية، وحيدر آباد الهندية والإستانة التركية إلى التزام النشر. وقد كانت بداياتهم اعتماد نشر الكتب القديمة، وما يحتاجه طلاب العلم من أزهريين وغيرهم. ومع نهاية القرن التاسع عشر، كان قد نُشر في مصر نحو عشرة آلاف كتاب، منها 1762 كتابا في الدين، 2015 كتابا في الأدب، 1372 كتابا في العلوم الاجتماعية، 1092 كتابا في التاريخ، 705 كتاب في الفلسفة و242 كتابا في العلوم الطبيعية، إضافة إلى 372 كتابا دراسيا. ولقد أسهمت هذه الحركة المطبعية في مصر وفي غيرها من دول العالم العربي آنذاك مثل لبنان وسوريا، في بعث الروح العلمية والمنافسة الأدبية والفكرية، فشهدت بروز أقلام أثرت بفكرها المتحرر على كل فئات المجتمع وخاصة في الفترة الممتدة فيما بين العشرينيات وبداية الخمسينيات من القرن العشرين.