"وعاء المعرفة من الحجر إلى النشر الفوري"، كتاب جديد للباحث خالد عزب ومساعديه أحمد منصور وسوزان عابد، أصدرته مكتبة الإسكندرية، يؤرخ لتدوين المعرفة من عصور ما قبل التاريخ إلى ظهور الطباعة، بالإضافة إلى عرض أوعية المعرفة المرجعية وتطورها كالموسوعات والقوائم الببليوجرافية والمعاجم اللغوية، ثم ظهور الحاسبات الآلية والإنترنت والنشر الإلكترونى والوسائط الإعلامية المتعددة. وقد خصّص مؤلفو الكتاب الجزء الأخير منه للحديث عن مكتبة الإسكندرية، باعتبارها تمثل وعاء معرفيا رقميا حديثا، إلى جانب الإشارة لبعض المشروعات التى تقوم بها المكتبة فى سياق رقمنة المعرفة وإتاحتها للبشرية جمعاء. يتكون الكتاب وفقاً لجريدة "العرب اللندنية" من سبعة فصول، حيث يتناول الفصل الأول تدوين المعرفة فى الفترة التى سبقت ظهور الطباعة، فقد استغل الإنسان الأول جدران الكهوف التى يسكنها فى تدوين علومه ومعارفه ونقلها من لغة منطوقة لا نعلم عنها شيئا حتى الآن إلى صورة مبسطة تمدنا ببعض التفاصيل عن عالمه. وبتوصل الإنسان إلى الكتابة، بدأت كل حضارة فى اختيار الوسيلة المادية المناسبة لها للتعبير عن لغتها التى تتحدث بها وعن أفكارها وعقائدها وعلومها، فنجد أن الحضارة المصرية القديمة فضلت ورق البردى فى التدوين، فى حين فضل سكان بلاد الرافدين الألواح أو الرقم الطينية، واستخدم الفينيقيون الألواح الخشبية المغطاة أو غير المغطاة بالشمع كوسيلة سهلة لتدوين كتاباتهم، بينما احتل الرّق المكانة الأولى فى أدوات الكتابة بديلا عن البردى وذلك ببرجاموم فى آسيا الصغرى، ثم ظهر الاختراع الذهبى الذى نقله المسلمون من الصين إلى العالم بأسره وهو الورق. وقد اختلفت آراء العلماء حول الهدف من الرسوم التى تم العثور عليها فى الكهوف وطبيعتها، فالبعض رأى أنها تعبير عن شكل من أشكال الرسوم السحرية والمعتقدات الدينية التى مارسها الإنسان الأول، بينما رجح آخرون أن الهدف الكامن من وراء ما خلفه الإنسان الأول من رسوم متقنة يرجع إلى رغبة فنية خالصة وإشباع لفنه، فى حين ذهب فريق ثالث إلى أن هذه الصور ما هى إلا عبارة عن شكل بدائى من الكتابة التصويرية. ووفق الكتاب فإنه ومع ظهور الكتابة، أنشئت المكتبات لحفظ ما يتم تدوينه، حيث تشير العديد من النصوص إلى وجود مكتبات فى مصر منذ الدولة القديمة تحت عدد من المسميات المختلفة مثل: دار الكتب وبيت البرديات ومقر المخطوطات وبيت الكتب الإلهية. وللكتابة، فإنه يجب وجود مادة يتم التدوين عليها، وهنا فإن اختراع الصينيين للورق يعد كشفا هاما فى مسيرة التاريخ الإنساني، وترجع المراحل البدائية لصنع الورق فى الصين إلى عهد أسرة هان الغربية، حيث لاحظ الناس أنه أثناء معالجة الشرانق المطبوخة لصناعة ألياف الحرير، أن بعض هذه الألياف تتعلق بالحصير الذى يغمر فى النهر، وبعد التجفيف تتشكل على الحصير طبقة رقيقة من ألياف الحرير، وتلك الطبقة تعد بمثابة المرحلة الأولية لصناعة الورق فى الأزمان الغابرة. وتطورت صناعة الورق فى الصين بعد ذلك، ثم انتقلت إلى المسلمين فى القرن الثامن الميلادي، وازدهرت صناعة الورق فى أرجاء الإمبراطورية الإسلامية ولا سيما عاصمتها بغداد التى ذاع صيتها واشتهرت بجودة ورقها ونقائه ونصاعة بياضه، حتى أنه أخذ يعرف باسم "الورق البغدادي". ثم ووفق "العرب اللندنية" تأتي الطباعة التي كان لها الفضل فيما وصل إليه إنسان العصر الحديث من تقدم وكل ما ينعم به من حضارة، فهى سبب وجود الكتاب وتأثيره الفاعل فى تاريخ البشرية. انتقلت الطباعة بعد ذلك من الصين إلى اليابان وكوريا التى أدخلت تطويرا مهما على تقنية الطباعة منذ القرن الثالث عشر للميلاد، إذ قام الكوريون بطباعة الكتب بحروف متحركة من المعدن بدلا من الخشب. ومن آسيا إلى أوروبا، قامت الطباعة فى الجزء الغربى من القارة العجوز نتيجة التقدم التكنولوجى الذى سرعان ما تجاوز أهدافه الأولى ليحدث تحولات هائلة فى حضارة مكتملة المعالم، بالإضافة إلى الطلب المتزايد على النصوص المكتوبة. انتشر اختراع جوتنبرج فى ألمانيا ومنها إلى ربوع القارة الأوروبية، إلا أنه تأخر استفادة العالم العربى والإسلامى من التكنولوجيا الجديدة لفترة طويلة امتدت حتى أوائل القرن الثامن عشر، حتى أن أول كتب عربية تمت طباعتها باستخدام الحروف المعدنية المنفصلة، كانت فى أوروبا وتحديدا إيطاليا. ويكمن السبب فى تأخر استخدام المسلمين للطباعة حسبما ذكرت "العرب اللندنية " فى تصدى سلاطين آل عثمان لها فى أول الأمر نظرا لخوفهم من أن يتعرض أصحاب الغايات والأغراض إلى الكتب الدينية فيحرفوها، إلى جانب أن المطبعة يمكنها أن تخفض من أثمان الكتب فتجعلها فى متناول أكبر عدد ممكن من الناس، وبالتالى يحل العلم محل الجهل، وهو ما كان آل عثمان يخشونه أيضا. ومع انتشار الطباعة فى المحروسة، نشأت الصحافة التى عرفتها مصر متأخرة عن أوروبا بثلاثة قرون كاملة. وقد ركز الفصل السادس بكامله على هذا الموضوع بدءا من الحملة الفرنسية على مصر فى 1798، إلى أن أصدر محمد على جورنال الخديو ثم جريدة الوقائع المصرية والجريدة العسكرية، بالإضافة إلى الصحف وازدهارها فى عهد خلفائه من بعده، وبخاصة فى فترة الخديو إسماعيل التى شهدت إصدار صحف متخصصة فى الأدب والطب والقانون والسياسة وغيرها من المجالات. ومع ظهور الحاسب الآلى والإنترنت، تغيرت النظرة، حيث أصبح هناك تدفق بلا حدود للمعلوماتية وتطرق مؤلفو الكتاب إلى تكنولوجيا النشر الإلكتروني.