أمام كنيسة السيدة العذراء، والأنبا أبرام بمنطقة فيصل في محافظة الجيزة، يجلس الرجل الثلاثينى كعادته السنوية، ممسكًا بفرع من سعف النخيل يضفره بإتقان وفن.. ليعيد تشكيله كما يريد «الزبون»، ينادى «ممدوح» بصوته المرتفع: «كل سنة وأنتم طيبين، اشتروا سعف وخلوا العيال تفرح».. فيستجيب المارة أمام الكنيسة لندائه. منذ خمسة عشر عاما.. اعتاد «ممدوح» أن يترك مدينة جهينة بسوهاج قبيل مناسبة «أحد الشعانين» بخمسة أيام ويذهب إلى القاهرة، «كل سنة باتفق مع أصحاب الأراضى في سوهاج عشان اشترى السعف بتاع النخل بتاعهم ونجمع عددا كبيرا ونيجى على مصر نبيعه». يكشف «ممدوح» وشهرته «بيبو» عن مصدر سعف الاحتفال بالعيد المسيحي، يرن هاتفه وينظر إليه قائلًا: «ده حماده صاحبى اللى بيقطعلى السعف من النخل، وهو مش بيرضى حد غيره أبدا يعمل كده كل سنة عشان إحنا إخوات». لقمة العيش لم تكن الدافع الأول ليقطع ممدوح رحلته السنوية ويترك عمله الأساسى «مبيض محارة»، فحسب كلامه بلهجته الجنوبية: «مرة كسبت 200 جنيه، ومرة رجعت خسران 70 جنيها، بس الموضوع متعة وفسحة ومش بحس بالعيد لو مجتش القاهرة»، عام واحد فقط لم يأت فيه «بائع السعف» إلى القاهرة مقررا أن يمارس عمله المعتاد في دهان الشقق، فجلس في بيته مع زوجته وبناته الثلاث، وعشية العيد يبكى كالأطفال الست قالتلى، طيب مروحتش ليه مع العربيات اللى طلعت، قولتلها آخر مرة أعمل كده، وفقا لكلام ممدوح. يُعلم الأب بناته كيفية صنع أشكال من السعف، ويبتكر هو معهن أشكالا جديدة ولكن يبقى «الصليب» هو الشكل الرئيسى، علمتهن صنع تيجان وغوايش وأشكال كتير تاني، يقول ممدوح ويحدث زبائنه عن الأسعار مشيرا إلى السعف من حوله، موضحا أسعار بضاعته: «المضفر ب5 جنيهات، والعادى ده ب4 بس، وكل صليب حسب حجمه ووقت الشغل»، يشترى أحد «الزبائن» قطعتين من السعف ويرحل، ويعلق البائع قائلًا: «السنة دى فيها شغل، السنتين اللى فاتوا الناس كانت خايفة من المظاهرات والتفجيرات، قولتلهم يموتونى قدام الكنيسة أحسن»، خمسة أيام يعيشها «ممدوح الصعيدي» في الشارع أمام كنائس القاهرة كل عام: «مبتحركش من قدام الكنيسة طول مدة العيد إلا عشان أصلى بس»- وفقا له. من النسخة الورقية