يحتفل المصريون والصوفية اليوم الأربعاء بالليلة الختامية لمولد السيدة نفيسة العلوم. والسيدة نفيسة الصغرى بنت سيدي حسن الأنور (ويشتهر بالأكبر كذلك)، وهو ابن زيد الأبلج بن مولانا الإمام الحسن السبط بن الإمام على من فاطمة الزهراء البتول، بنت الرسول صلى الله عليه وسلم. ومشهدها الآن بالقاهرة الباهرة في جنوبها الشرقي بسفح المقطم على يمين كوبري السيدة عائشة الحديدي في جنوب غربي القلعة، بمنطقة تعرف تاريخيًّا بدرب السباع (بين منطقة القطائع والعسكر) التي كانت تعرف بكوم الجارح، وقد أزالت البلدية ما حول المشهد من مبانٍ ومقابر وغيرها، وجعلت له ميدانًا فسيحًا رائعًا، وجدَّدَتْ بعض المباني من حوله، وزيَّنَت الميدان بالنافورات والزروع. وقال عبد الله الناصر حلمي لم يجمع المؤرخون على شيء إجماعهم على أن السيدة نفيسة بنت الحسن مدفونة بمشهدها بمصر، والدولة الآن بصدد توسيع مسجدها الشريف. وقد أخذ اسم نفيسة من النفاسة ورفعة الشأن والشرف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الأسماء الجميلة، ويغير بعض أسماء الصحابة بما هو أجمل وأكمل. وقد ولدت رضي الله عنها بمكة في النصف الأول من ربيع الأول سنة مائة وخمس وأربعين من الهجرة، وقضت صباها ب (المدينة)، ملازمة القبر النبوي في أغلب الأوقات؛ إذ كان والدها أميرًا على المدينة للخليفة المنصور، وقد أدركت طائفة من نساء الصحابة والتابعين وتلقَّت عنهن، وحجت ثلاثين حَجَّة أكثرها وهي تمشي على أقدامها، وكانت تحفظ القرآن الكريم وتفسره وتفقه به الرجال والنساء، صوَّامة قوَّامة، سخية غاية السخاء، ولها كرامات لا تحصى كعمتها (زينب بنت على) رضي الله عنها. وتزوجت في العشر الأولى من رجب سنة 161ه من أحد بني عمومتها، إسحاق المؤتمن (شقيق السيدة عائشة دفينة مصر)، وهو ابن السيد جعفر الصادق بن محمد الباقر بن السيد على زين العابدين بن مولانا الإمام الحسينرضي الله عنهم جميعًا، ورزقت منه ب (القاسم، وأم كلثوم). ولمَّا ترك الإمام الحسن الأنور والد السيدة نفيسة ولاية المدينة، خلفه عليها زوجها إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق واليًا للعباسيين؛ فهي بنت أمير وزوجة أمير من أهل البيت. نزولها إلى مصر وتوضح القوى الصوفية أنه في العشر الأواخر من رمضان سنة (193 هجرية) نزلت مصر مع زوجها وأبيها وابنها وبنتها لزيارة من كان بمصر من آل البيت، بعد أن زارت بيت المقدس وقبر الخليل، واستقبلها أهل مصر عند العريش أعظم الاستقبال، حتى إذا دخلت مصر انزلها (جمال الدين عبد الله الجصاص) كبير تجار مصر في داره الفاخرة، ثم انتقلت إلى دار (أم هانئ) بجهة المراغة المشهورة الآن بالقرافة، وهناك كان إكرام الله لها بأن شفى من ماء وضوئها الفتاة المُقعَدة بنت أبي السرايا أيوب بن صابر اليهودي؛ فأسلم أهلوها ومن كان معهم. وحاول أبو السرايا نقل السيدة نفيسة إلى داره في درب الكروبيين، وكان لهذه القصة دوي هائل في أهل مصر، فلازموا دارها ليل نهار بالمئات يلتمسون البركات، وينتظرون الدعوات. وهنا أزمع زوجها العودة بها إلى الحجاز، فاستمسك أهل مصر بوجودها بينهم،ورأت في المنام جدها المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمرها بالإقامة في مصر، فوهبها (عبد الله بن السري بن الحكم) والي مصر دارَه الكبرى بدرب السباع، وهي الدار التي كانت لأبي جعفر خالد بن هارون السلمي من قبل، وحدد لزيارتها يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع؛ مراعاة لصحتها، وتمكينًا لها من عبادتها، وكانت تخدمها (زينب بنت أخيها يحيى المتوج)، حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى. بعض مآثرها: وكان أهل مصر ربما شَكَوْا إليها انحراف الوالي، فوعظته وحذرته، وذكرته بعذاب الله وحقوق الناس، فما تزال به حتى يفيء إلى أمر الله. وكانت مستجابة الدعاء، فما دعت لأحد إلا استجاب الله له. وكانت على شيء من طب العيون، تجمع فيه بين الطب المعتاد والطب الروحي، فيشفي الله قاصدها؛ ولهذا كان يُهْرَعُ مرضى العيون إلى مشهدها بعد وفاتها؛ التماسًا للشفاء، وكان من كراماتها أن أقامت الحكومة إلى جوار مشهدها مستشفى لأمراض العيون عُرِفَ باسمها، ولكن الحكومة عادت فنقلته إلى مكان آخر، ثم غيَّرت اسمه مع الأسف الشديد. نفيسة والشافعي: وكان لها دخل كبير في حضور الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه إلى مصر؛ ولهذا كان رضي الله عنه يكثر زيارتها والتلقِّي عنها، وفي صحبته عبد الله بن الحكم رضي الله عنه،وكان يصلي بها في مسجد بيتِهَا، وخصوصًا تراويح رمضان، وكانت تقدره رضي الله عنه وتمدُّه بما يكفيه ويعينه على أداء رسالته العلمية الكبرى. ولمَّا مات الشافعي رضي الله عنه في رجب سنة 204ه حملوه إلى دارها فصلَّت عليه مأمومة بالإمام أبي يعقوب البويطي، ودعت له، وشهدت فيه خير شهادة(1)، وقد حزنت على وفاته حزنًا كبيرًا. وفاتها ودفنها: وبعد وفاة الشافعي بدأت السيدة نفيسة تعد نفسها للقاء مولاها؛ فحفرت قبرها بيدها تباعًا في حجرتها بمنزلها الذي أهداه إليها والي مصر (عبد الله بن السري بن الحكم)بدرب السباع، وهو الذي أصبح فيما بعدُ مشهدها ومسجدها الحالي، وكانت تصلي في قبرها الذي حفرته بيدها في حجرتها، وقرأت فيه عشرات الختمات من القرآن تبركًا واستشفاعًا، بعد أن بناه خير البنائين تسابقًا لمرضاتها ليرضى عنهم الله تعالى. وفي يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان سنة 208ه اشتد مرضها، قالوا: وكانت تقرأ سورة الأنعام، حتى إذا وَصَلَتْ إلى قوله تعالى:﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ]فاضت روحها إلى الرفيق الأعلى.