«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغزو الصيني ل"شق التعبان"
نشر في البوابة يوم 29 - 03 - 2015

كتل من الرخام هنا وبعض بلوكات الجرانيت هناك، بأحجام وألوان متنوعة تكتظ بها المصانع المكشوفة في المنطقة الأكثر شهرة في صناعة الرخام في مصر، «شق التعبان». آلاف العمال يغطى وجوههم وثيابهم الغبار الأبيض المتطاير، صناعة سيطر عليها في السنوات الأخيرة «مستثمرون صينيون»، لتضيق فرص العمل أمام العمال المصريين في المنطقة التي تحتل المركز الرابع عالميا في تصنيع الرخام، بأكثر من ألف وثلاثمائة مصنع وورشة.
غزو صينى» تعرضت له «شق التعبان» شرق طريق الأوتوستراد، بعد فترة عانى خلالها أصحاب المصانع المصريون من ركود اقتصادى في السنوات الأخيرة.
تضاءلت أعداد المصريين في المنطقة مع التوغل الصينى الذي شرد آلاف العمال المصريين، لكن ثمة مستفيدين، على رأسهم العمالة الأجنبية، لا سيما الصينية، وبعض المصريين الذين يفضلون العمل لدى المستثمرين وأصحاب مصانع الرخام الصينية عن نظرائهم المصريين لأسباب تتعلق بطبيعة المعاملة التي يتلقونها.
«شق التعبان»، مركز صناعة الرخام الأولى في مصر، والتي تقع شرق طريق الأوتوستراد بالقرب من منطقة «طرة»، اسم اكتسبته المنطقة من ملامحها الجغرافية وتضاريسها التي تتخذ فيها الأودية شكل الثعبان الملتوى، آلاف العمال يحضرون إلى مصانع الرخام بشكل يومى لقضاء يوم عمل يمتد إلى ثمانى ساعات تفصلها دقائق للفطور والغداء.
غزو بعيون ضيقة.. «شق الصينيين»
من متجولين إلى مقيمين، هكذا وصف محمد أبوالفتوح (33 سنة)، أحد الإداريين بمصنع للجرانيت، «الصينيين» الذين كانوا يترددون على مصانع «شق التعبان» بالسيارات النقل، ليشتروا الرخام والجرانيت ويصدروه إلى الخارج، «وكانت العمالة كلها مصرية، ولما حصلت موجة ركود في مصانع الرخام والجرانيت في السنين الأخيرة اضطر أصحاب بعض المصانع لتأجير مصانعهم للمستثمرين الصينيين»، يقول «أبو الفتوح».
«100 ألف جنيه شهريًا» هي قيمة إيجار المصانع في المنطقة للمستثمرين الصينيين، ثمن يراه بعض العاملين في «شق التعبان» مغريًا، بينما يراه آخرون «بخسًا» لا يكافئ المميزات التي يحظى بها الصينيون من استثمار في المادة الخام المصرية، وتوفير فرص عمالة لمواطنيهم (الصينيين)، حيث لا تعتمد المصانع المؤجرة من قبل الصينيين على عمالة مصرية.
يقول «أبو الفتوح»: «أصحاب المصانع بيريحوا نفسهم ويأجروا مصانعهم لمستثمرين صينيين مقابل 100 ألف جنيه شهريا وبعقود مدتها 5 سنين، وبيصدروا الرخام والجرانيت لشركاتهم في الصين، بالإضافة لأنهم بيبيعوا بأسعار رخيصة للتجار المصريين، يعنى مسيطرين على السوق كله داخل مصر وخارجها».
المعركة الاستثمارية الدائرة على أراضى «شق التعبان» ترجح كفة أصحاب العيون الضيقة، حيث يقول مدير المصنع المصرى «أبو الفتوح»، إن كثيرا من المصانع المصرية اضطرت إلى الإغلاق، «لأن أصحاب المحاجر بيبيعوا للصينيين خامات الدرجة الأولى من الرخام، واللى يروح للمصريين خامات الدرجة التانية والتالتة، بالإضافة لأن الصينيين بيبيعوا كتير وبالتالى بيعوضوا المكسب القليل، أما المصانع المصرية متعرفش ترخص السعر زيهم، لأنها بتبيع قليل وماعندهاش قدرة على التسويق لمنتجاتها».
استقر مسحوق الرخام الأبيض (البودرة) على أرضية المصنع الذي تحدد كتل الحجر الصلب حدوده الأربعة، يستريح عمال المصنع في منتصف يوم الشغل لساعة واحدة يتناولون فيها وجبة الغداء، تفاصيل اليوم ذاتها عاشها محمد ناصر، العامل الأربعينى، كانت في بداياتها أكثر هدوءا رغم صخب آلات القطع المزعجة، والسبب توسع المصانع الصينية على حساب نظيراتها المصرية التي لم يعمل «ناصر» في إحداها، لكنه لاحظ تهافت الآسيويين على رخام المنطقة «المحاجر المصرية بتتميز بإنتاج الرخام البيج»، يوضح العامل سبب تزايد أعداد المستثمرين الأجانب في المنطقة، مضيفًا «وأهمية الرخام البيج إنه سهل في تشكيله وتغيير لونه وإضافة مواصفات جديدة له، بالإضافة لأنه رخيص».
يكمل «ناصر» كلامه: «الصينيين ملوا المنطقة، لدرجة إن المصانع الصينية بقت أكتر من المصرية، وهيا اللى واكلة الجو مننا وبتبيع أكتر وبتصدر، لأنهم بيبيعوا أرخص وبيتهاونوا في المقاسات، يعنى بيبقى فيه حتت زيادة في الرخام، بيتركوا للتاجر في الشريحة 15 أو 20 سم ودى بتفرق مع التاجر، لكن صاحب المصنع المصرى ممكن يسيب 5 سم بالعافية، ودا بيخلى حتى التجار المصريين يفضلوا التعامل مع الصينى عن المصرى».
«إحنا اللى عملنا كدا في نفسنا»، يلوم «ناصر» أصحاب المصانع متهمًا إياهم باختيار السيناريو الأكثر راحة حينما يؤجرون مصانعهم «المصريين بيحبوا الكسل والراحة، علشان كدا بيأجروا مصانعهم، وتجيلهم فلوس على الجاهز حتى لو قليلة»، وينهى كلامه مستنكرا: «للأسف بقى التاجر المصرى بيشترى بضاعة مصرية جوه مصر لكن من ناس صينيين».
«الصينى ولا المصرى؟»
بمعاونة زميل له، يمسك شريف حسين لوحا من الرخام إلى ماكينة القطع، تخطى «شريف» عامه العشرين، وقد وفد إلى القاهرة من مسقط رأسه في محافظة بنى سويف بحثا عن الرزق، لينتقل من مصنع إلى آخر، ويستقر به المطاف في أحد المصانع المُملوكة لصينى الجنسية «بقالى شهر ونص شغال معاهم، واكتشفت إن الشغل مع الصينى أحسن من المصرى، لأن الصينى بيبقى محترم وبيعاملنا على إننا بنى آدمين، ولو تعبت أنا أو أي حد من زمايلى بيعذر، وعنده نظام يعنى وقت الشغل نشتغل ووقت الراحة كأنى صاحبه، لكن المصرى بيعتبرنى عبد عنده، يبهدل فيا زى ما هو عايز باليومية البسيطة اللى بيديهالى».
الأفضلية لذوى العيون الضيقة، هكذا يقول أحمد عبدالستار، الشاب الوافد من بنى سويف، مردفًا: «لو قدامى مصنع مصرى ومصنع صينى هشتغل في الصينى». قرار اتخذه «عبدالستار» بعدما تحولت ملكية المصنع الذي يعمل به منذ سنوات من مصرى إلى آخر صينى، «صاحب المصنع المصرى كان بياكل حقنا، وكان في عمال وصنايعية كتير ليهم عنده فلوس، لكن هوا كان بيقولهم هديلكو الفلوس على بعضها، وساعات يعمل كدا فعلا وساعات لا، إنما من بعد ما الصينيين ما مسكوا المصنع وإحنا ضامنين حقنا، قبل اليوم ما يخلص تكون الفلوس في جيبى، واللى بيشتغل زيادة بيدولوا زيادة».
عاهات مستديمة
مكتسيًا بطبقة من الغبار الأبيض المتطاير في جميع الأنحاء، يقف «حمادة» فوق إحدى كتل الرخام (البلوك) في هيئة مذرية جراء العمل الشاق بين قواطع الرخام. يمسك حمادة إسماعيل، الشاب المنوفى الذي تجاوز عامه الخامس والعشرين، مطرقته، يضرب بها الزيادات عند أطراف (بلوك الرخام)، يوقف عامل الرخام طرقه المتتالى مسترجعًا بداية عمله منذ سنوات في منطقة «شق التعبان»: «باشتغل هنا من زمان، وبالنسبة لى الشغل شبه بعضه سواء في المصنع المصرى أو الصينى، شغل المصانع صعب جدا، واليومية قليلة بالنسبة إلى المجهود، دا غير إنى بتعرض كل يوم للمخاطر خلال شيل الرخام ونقله من مكان للتانى، وفى عمال كتير بيتصابوا يوميا، اللى بيتعور بناخده في أي عربية ولا توك توك لحد المستشفى».
يضع «حمادة» مطرقته جانبًا كاشفًا عن إحدى ساقيه، ليبرز إصابة عمل عمرها يومان «خدت فيها 8 غرز، ومع إنى ماينفعش أقف عليها اضطررت انزل الشغل من غير ما ارتاح، وده لأنى محتاج اليومية». بحسب ما يقوله العامل القادم من محافظة المنوفية، فإنه ليس أول من تعرضوا لإصابات عمل أثناء تقطيع الرخام، بل إن بعض الإصابات، كما يقول «حمادة» تكون بالغة «في واحد صاحبى كان شغال معانا من 6 أشهر تقريبا، ومات بسبب رخامة وقعت عليه ونزف في الطريق لحد ما مات، وساعتها أهله خدوا تعويض بسيط مايعملش حاجة من صاحب المصنع».
إصابات العمل التي تؤدى في بعض الأحيان إلى الموت بين كتل الرخام في مصانع «شق التعبان»، لا يقابلها تأمين صحى أو اجتماعى لكثير من العمال، ويقول أحد العمال، يدعى مراد إبراهيم، إن العمل في مصانع الرخام محفوف بالمخاطر، حيث يتعرض العمال لخطر الإصابة بالعاهات المستديمة، نظرا لتعاملهم الدائم مع كتل الرخام الكبيرة، ويضيف «إبراهيم»: «العمال هنا بتتبهدل وإجازات العمال مختلفة بتبدأ من ناس تشتغل أسبوع وتاخد إجازة أسبوع، وفى عمال بيشتغلوا شهرين متواصل وبيباتوا هنا في أماكن النوم، لكن الوضع الإنسانى للعمال كلهم صعب جدا».
يصف «مراد» الإجراءات التي تتخذها المصانع حيال تأمين عمالها بأنها «غير مجدية»، مشيرًا إلى أنه في حالة إصابة أحد العمال في أثناء عمله فإن الأمر يتوقف على «شخصية صاحب المصنع وقراره، يعنى من أصحاب المصانع اللى يدخل العامل المصاب مستشفى ويفضل متابعه ويصرف على علاجه لحد ما يطمن عليه، وفيه أصحاب مصانع ولا بيهتموا حتى لو العامل اللى شغال معاهم بيموت هيسيبوه يموت زى ما يكونوا بيرموه كأنه كسر رخام، يقولوا له اتعالج وتعالى، ولو العامل اتصاب إصابة جامدة، ولا حصلت له عاهة مستديمة يقولوا له روح خد حقك من الدولة».
بيع الترامادول.. «عينى عينك»
«يا موت.. يا شرايح.. يا غرز في أي مكان في الجسم»، بتلك الجملة يعدد محمد رجب، العامل الثلاثينى، احتمالات الإصابة ونتائجها خلال العمل، ويضيف: «أي غلطة في شيل وتحريك الرخام أو التعامل مع مكن التقطيع بتعمل كارثة، وفى عمال إديهم بتتقطع بسبب المكن، ودا أصلا سببه إن العمال بيشربوا مخدرات وخصوصا الترامادول، وعندنا هنا في الجبل المخدرات بتتباع عينى عينك».
محمد عامر، الشاب الذي بلغ عامه ال29، يتحدث عن المشكلات التي تواجهه في العمل بمصانع شق التعبان، قائلًا: «باشتغل هنا من نحو سنتين، وبعد فترة تعبت بسبب التراب والبودرة اللى بتطلع نتيجة تقطيع الرخام، جالى ربو وبقيت ماشى بالبخاخة، ومش لاقى شغل غيره»، ويضيف بنبرة أبطأ بعدما مسح عن وجهه الغبار الأبيض العالق بحاجبيه ورموشه: «هيا دى الحاجة اللى أعرف أعملها، ودا مصدر رزقى الوحيد، ويا إما إنى أشتغل، أو مالاقيش مصاريفى أنا وأهلي».
في منتصف أحد المصانع الخاصة، المكشوفة (بلا أي أسقف) يقف نادي أبو طالب بقميص رياضى أزرق وبنطلون ممسوك حول خصره بحزام جلدى بنى، وحذاء تكسوه طبقة أخف من الغبار يحرص «نادي» على إزالتها من آن لآخر. يشرح «أبو طالب»، الذي يدير أحد مصانع الرخام بالمنطقة، قائلًا: «الرخام بيوصل المصنع في صورة كتل ضخمة بصورتها الخام، وبنبدأ نقطعها لكتل رخام مساحتها متر أو متران، باستخدام ماكينة اسمها المقص، وبعدها بنقطع الألواح دى بماكينة التقطيع بسم من 2 لأربعة 4 سنتيمترات، وبتنتقل شرايح الرخام المقطوعة في شكل مستطيلات أو مربعات لآخر مرحلة وهى مرحلة الجلى، كأنها بتتصنفر بصنفرة، علشان سطحها يكون أملس وناعم، ويكون مستوى وياخد شكله النهائى اللى بيتباع ويتعرض في السوق».
ويضيف مدير المصنع الخاص: «كل مراحل الشغل محتاجة عمال كتير ومجهود كبير، والمصانع الصينى بتستعين بماكينات أحدث، وبتقلل عدد العمال اللازمين لإنجاز نفس الشغل، يعنى بتقلل التكلفة قد ما تقدر علشان كده بتقدر تغطى خساير البيع بسعر أرخص من سعر المصانع المصرية».
«شيح العمال»: «بصرف ع الشغلانة»
«شيخ العمال»، هكذا يلقب العامل «ناجى»، العامل المخضرم في مجال الرخام، بعد 37 سنة قضاها بين كتل الجرانيت والرخام وماكينات القطع والصقل، اقترب نادي السيد من عامه الستين، أعوام لا تظهر على ملامح وجهه المغبر كغيره الكثير من العمال، يحرص «ناجى» للعمل بالنشاط ذاته، بشعره المخلوط باللونين الأسود والأبيض.
بابتسامة دائمة على وجهه، وثبات في الصوت اكتسبه من خبرة ال37 عامًا، يقول «ناجى» أكبر عمال المصنع: «أنا باشتغل نفس الشغلانة من وأنا عندى 20 سنة، اشتغلت شوية فاعل وشوية شيال في ميناء، وبعدها جيت اشتغلت هنا واستمررت لحد دلوقتى، اشتغلت في مصانع كتير، وجوزت عيالى الاتنين وأنا عامل باليومية، وعمرى ما حصلت لى أي إصابة خطيرة رغم السنين دى كلها في الشغلانة».
يضيف «ناجى»: «أول ما بدأت شغل في شق التعبان هنا كانت اليومية 5 جنيه، دلوقتى المرتب زاد وبقى 60 جنيه في اليوم.
«محمد».. كاميرونى «بينحت في الصخر المصرى»
بملامح أفريقية قاسية حادة، يجلس «محمد»، كاميرونى الجنسية، داخل المصنع المملوك لمستثمر صينى والذي وفد من بلده (الكاميرون) للعمل فيه، تغطى الأتربة زيه وقفازيه الأحمر، يقول محمد الكاميرونى: إنه لا يجيد اللغة العربية، غير أنه نجح في التقاط بعض الكلمات العربية مثل «مرحبًا» التي يقولها بابتسامة هادئة لزملائه المصريين في المصنع الصينى بين الحين والآخر.
يتحدث الشاب الكاميرونى الضخم الإنجليزية جيدًا على عكس العربية، لكونها إحدى اللغات المنتشرة في بلاده، ويتواصل مع مشرفه الصينى بها، ويقول العامل المغترب إنه بدأ عمله منذ 3 أشهر، يعرب «محمد» عن سعادته به في المصنع الصينى، حيث يوفر له المصنع راتبًا جيدًا يضمن له وأسرته التي اصطحبها معه إلى مصر عيشة جيدة.
ويذكر «محمد»، أنه غادر الكاميرون هو وأسرته إلى مصر قبل 6 أعوام انتقل فيها من عمل لآخر سعيًا وراء الرزق، ولا يجد العامل الكاميرونى البسيط غضاضة في العمل في أي مجال يضمن له قوته حيث يقول: «العمل مع الصينيين لا يزعجنى، فمن النادر أن أتحدث إليهم، لأن معظمهم لا يفهمون الإنجليزية باستثناء المشرفين على العمال، وهم فقط من أتواصل معهم لإنجاز العمل بالشكل المطلوب».
«أشرف»: أنا الناجى الوحيد من الأزمة الاقتصادية في شق التعبان
وسط زحام المصانع والورش في منطقة شق التعبان، وأصوات آلات قطع الرخام وجلخه، وضجيج عمال المصانع والورش، يقف أشرف حسين صاحب ال 38 عامًا في ورشته الصغيرة، التي يعرض أمامها مجموعة من الألواح الرخامية المنحوتة بحرفية ودقة، والمزينة بألوان مختلفة زاهية، موهبة ضمنت ل«أشرف» ألا يتأثر بالسوق المتراجعة في منطقة شق التعبان «أصحاب المصانع أجروها وباعوها للصينيين، وأنا زى ما أنا ما خسرتش ولا اتأثرت بأى شىء» يتباهى نحات الرخام.
يحكى «أشرف» قصته مع النحت على الرخام، والتي بدأها من الجامعة، فيقول: «اتخرجت في كلية التجارة، لكن منذ صغرى وأنا بحب الرسم من زمان، ولقيت تاجر رخام قريبنا ونصحنى استغل موهبتى في نحت ورسم البلاط لأنها تجارة مربحة، لتأمين مستقبلى بدلا ما أنتظر الشغل في مجال الحسابات اللى درستها في الكلية».
قرار صائب حينما اختار «خريج التجارة» منطقة شق التعبان ليؤسس فيها ورشته الصغيرة، «عملت الورشة وكنت بنحت وارسم فيها على كل أنواع الرخام، وبدأت بأنى أجيب قطع الرخام من أرخص مصنع موجود في المنطقة، وواحدة واحدة التجار بقوا يشتروا منى وبدأ الطلب على الشغل يزيد، وبعد فترة الشغل زاد فجبت عامل معايا يساعدنى في تحريك الرخام وفى البيع والشرا».
يتحدث «أشرف» عن جانب آخر من قصته مع الرخام مفصلًا: «ورش النحت على الرخام هي الوحيدة تقريبا اللى ماتأثرتش حتى بعد ما الصينيون سيطروا على السوق ومصانع الرخام والجرانيت في شق التعبان».
من النسخة الورقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.