"تبدو على الخريطة لمن يراها كشق الثعبان" ولذلك سميت قلعة الصناعة المصرية للرخام ب "شق الثعبان", تحوى هذه القلعة أهم الصناعات الأساسية في مصر منذ قديم الأزل لما كان يحظى الجرانيت والرخام بمكانة معمارية كبيرة بين المصريين، حيث كان شاهدًا على الحضارة التي ما زالت تبهر العالم بجمالها وصمودها في وجه كل عوامل النحت والرياح والأمطار التي تفتت الأحجار.. وظلت محتفظة بقيمتها حتى وقتنا هذا. كما وصف المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت، أهرامات الجيزة بأنها مكسية بالرخام المجلي الذي أكسبها جمالا وعظمة، لكن عندما تصعد على قمة هذا الهرم وتحتل المركز الأول عالميًا في صناعة الرخام والجرانيت، تنقلب الموازين وتبدأ في السقوط. تقع "شق التعبان" بمنطقة صقر قريش في مدينة حلوان حيث تجتذب الآلاف من الأيدي العاملة التي تمتهن هذه الصناعة ليس كمصدر للرزق فقط وإنما كهواية فنية أيضًا تبرز مواهب إبداعية صناعية كبيرة ومن هنا بدأت جولة كاميرا "المصريون" بداخل أروقة قلعة الصناعة, علي اليمين واليسار كل الأبنية تكسوها رخام, كل شىء مصنوع من الرخام في أشكال هندسية رائعة, وتجد الأوناش العملاقة تحمل صخور الرخام وماكينات التقطيع الضخمة بأنواعها الايطالي والألماني, والتي تختلف من حيث الشكل والمدة التي تستغرقها في قطع الصخر وكذلك حجمها. 95% من مساحة مصر محاجر وتتركز "محاجر" الجرانيت والرخام الطبيعية بصحراء مدينة رأس غارب والزعفرانة بمحافظة البحر الأحمر وجبل عتاقة والجلالة بالسويس وكريستا بشمال سيناء وأسوان حيث تعتبر هذه المناطق موردًا رئيسيًا للمادة الخام التي يستخرج منها الرخام والجرانيت. والغريب فيما يتعلق بخامات الرخام والجرانيت هو عملية نقلها ككتل صخرية إلى منطقة شق الثعبان بمدينة حلوان وذلك لصعوبة عملية النقل وارتفاع تكاليفها بصورة كبيرة جدًا. بالإضافة إلى أن اعتماد مصر على الرخام المستورد من إيطاليا والهند والصين وغيرها, وذلك بدوره يأخذ من نصيب سوق الرخام المصري دون استغلال ثرواتها من الرخام. 25 ألف عامل و300 مصنع فى "شق التعبان" أهمية هذه الصناعة للاقتصاد المصرى، خصوصًا أن صناعة الجرانيت تشكل مصدرًا أساسيًا للدخل القومي بحجم استثمارات بلغ 308 ملايين جنيه فضلاً عن كونها من الصناعات كثيفة التشغيل، خصوصا أنها تضم نحو 300 مصنع ومئات الورش ويعمل بها نحو 25 ألف عامل بأحدث الماكينات, والعمالة بها من مختلف الأعمار. قال محمد أحد عمال المناشير في مصنع الرخام إن المصانع تعاني ركودا اقتصاديا غير مسبوق منذ حوالي 6 أشهر, حيث كان المصنع ينقل 15 عربة يوميا ويزيد والآن لم يعد الأمر كما كان عليه. ويرجع "محمد" سبب الركود إلى "كارتات المحاجر" التي تضاعفت علي الحجر قبل خروجه من الجبل وكارتات الطريق حتى وصوله المصنع وبعد تقطيعه وخروجه للورش والمستهلكين يدفع كارتات طرق وكباري والكثير من الرسوم المرهقة جدًا التي جعلت سعر الرخام يزداد فتأثر سوقه. ويضيف فارس أحد سائقين عربات المصنع أن "شق التعبان" كان لا ينام والعمالة به كانت كثيرة جدًا من عمال ورش وسائقين والونش والنشر وكان يأتي الشباب من كل مكان يسترزق أما الآن أصبح المكان يغلق من العصر.
ضرب ليبيا وسيناء سبب ركود الورش الحاج يحيي صاحب مصنع "مربل سنتر" للرخام والجرانيت قال عن الحالة الاقتصادية الراكدة في "شق التعبان" أن مصنعه بعد أن كان يدفع 48 ألف جنيه مصري للمحجر الآن يدفع 150 ألف أي الضعف مرتين, وعن الطريق فمنذ أن يخرج حجر الرخام حتى يصل المصنع يدفع لكارتات الطريق بدلا من 5 جنيهات أصبحت تصل إلى 80 جنيهًا, وتتعدد كارتات الطرق كل محافظة تفرض رسوما مرورية ولا تعترف بما قبلها وهيئة الطرق والكباري تختلف عن مرور المحافظة, وكل هذا في نهاية الأمر يرفع من سعر الرخام حين يصل للمستهلك. وعلى الجانب الآخر يرجع "يحيي" السبب في ركود بعض الورش المستخدمة ماكينات النشر والتقطيع فئة ال 3سم, إلى أن هذا الرخام كان يطلب في ليبيا وبعد ضرب ليبيا لا تستطيع أي عربة نقل مصرية تدخل الحدود الليبية بأمر الثوار, حيث قال: "كان يوميًا تخرج حوالي 25عربة رخام تروح ليبيا دلوقتي مفيش". ويضيف "يحيي" أن أجود أنواع الرخام وأغلاها ثمنًا في جبال سيناء لكن غير مستغلة الاستغلال الأمثل, بالإضافة إلى ما حدث في الآونة الأخيرة من عمليات إرهابية جعل سوق القرى السياحية هناك راكدا تمامًا حيث قال: "القرى التي كانت بتتبني هناك والفنادق كانت بتاخد رخام من عندنا دلوقتى السياحة واقفة والحال كله واقف نوم سوق مهم جدًا بالنسبة لنا". شق التعبان.. لا أمان ولا صحة ولا مياه رغم قدم قلعة صناعة الرخام أهمية هذه الصناعة للاقتصاد المصري، خصوصًا أن صناعة الجرانيت تشكل مصدرًا أساسيًا للدخل القومي بحجم استثمارات بلغ 308 ملايين جنيه, إلا أن لن تتخيل أنها معدومة الخدمات الأساسية وتعاني الإهمال الشديد من قبل الحكومة. قال سعد أحد عمال النشر والتقطيع إن ماكينة النشر التي يعمل بها تلزم وجود مياه عليها طوال فترة التقطيع حتى لا تشتعل, لافتًا إلى أن المنطقة لا يوجد بها مياه وينقلون المياه عبر فناطيس تبلغ سعر النقل بها حوالي 180 جنيهًا لمياه الشرب و160 جنيهًا لمياه الماكينات. وأضاف حسين الحداد أن لا يوجد أمن وأن قسم الشرطة لا يعمل, بالإضافة إلى أن لا يوجد مستشفي للاستقبال والطوارئ خاصة أن مهنتهم خطيرة جدًا حيث يستخدمون أوناش ضخمة ومناشير التقطيع أكثر خطورة حيث قال: "إذا أصيب أحد العمال لن يجد ما يسعفه حتى نخرج به إلى أقرب مستشفى خارج شق التعبان وتبعد حوالي 4 كيلو, رغم وجود مستشفى صغيرة لكنها لا تعمل", معلقًا أن "الحكومة مبتفتكرناش غير في دفع الكارتات". شاهد الفيديو