تأجل اليوم انعقاد اجتماع الاتحاد الأوروبي الذي كان مخصصًا لمناقشة شئون مصر، وجاء هذا التأجيل في سياق تصريح وزير خارجية المملكة العربية السعودية بأن فرنسا قبلت إعطاء مصر فرصة أخرى، وتصريحات من الجانب الكويتي باستعدادهم لإصلاح أي خسائر خلفتها حرائق العنف التي مارسها الإخوان، وتصريح عاهل السعودية أنهم على أتم الاستعداد لتقديم أي مساعدات لمصر حال وقف المساعدات الخارجية، ويبدو الأمر أنه مساع دبلوماسية مصرية وعربية لتغيير موقف أوروبا، ولكن يرى بعض المحللين أن الأمر يتخطى ذلك إلى وجود ارتباك في الموقف الأوروبي تجاه مصر، خاصة بعد سقوط الإخوان وتغير المشهد في مصر، وأرجعه البعض الآخر إلى وجود خلافات بين أطراف الاتحاد الأوروبي بخصوص مصر. السعودية تقدر الموقف يقول ممدوح سالم، أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط: إن المملكة العربية السعودية تتخذ موقفًا حذرًا في التعامل مع الأوضاع الداخلية لأي بلد عربي، وخاصة أنها لا تريد أن يُحسب عليها أي موقف، مشيرًا إلى أن السعودية بعد الثورة كانت تؤيد السلفيين، وعلى خلاف مع الإخوان، خاصة أنها كشفت مخططاتهم، والتي ظهر أنها أكبر منهم، وظهر من خلالها “,”المشروع الأمريكي“,” لتقسيم الشرق الأوسط؛ مما أزعجها وبشدة. وأوضح سالم أن تلك المساندة السعودية للأوضاع في مصر جاء لسببين: طبيعة المصالح المشتركة بين البلدين، وخوف السعودية من انتقال عدوى عدم الاستقرار لها مثلما حدث في البحرين واليمن. وأشار إلى أن الدول العربية، وخاصة السعودية والكويت والبحرين، ينظرون بتعاطف شديد لما يجري داخل مصر، وأن السعودية لديها مشاكل في نظام الحكم الملكي، بالإضافة إلى وعيها الحقيقي الموقف الآن. أما على المستوى الدولي وإرجاء مؤتمر سفراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فأوضح أن هناك تبشيرًا وتحسنًا تدريجيًّا في الموقف، خاصة بعد التشاورات السعودية الفرنسية والمؤتمرات التي تشرح الوضع بالتفصيل. خلاف وجهات النظر أكد أحمد رفعت، أستاذ القانون الدولي، أن تأجيل اجتماع الاتحاد الأوروبي على مستوى السفراء وراءه خلاف وتباين في مواقف الدول المشتركة في الاتحاد، وأن مشاورات وزيري الخارجية السعودي والفرنسي كان لها تأثير كبير، باعتبار أن السعودية شريك قوي للاتحاد الأوروبي لا يستهان به. وأوضح رفعت أن توجه وفد شعبي الآن إلى بروكسل يضم محمد سلماوي وسعد الدين ابراهيم، ومنى ذو الفقار، ونجيب ساويرس، وغيرهم، تحركات من شأنها جعل الاتحاد يراجع موقفه، مضيفًا أن الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية يوم الأربعاء هو الأهم والحدث الأكبر دبلوماسيًّا. وأضاف رفعت أن موقف الدول العربية الآن مثل السعودية والكويت، التي قررت إصلاح ما تم من دمار في المؤسسات خلال الفترة السابقة، هي مساع من شأنها إقرار تلك الدول أن مصر هي “,”الجائزة الكبرى“,” بالنسبة للشرق الأوسط وأوروبا، وأنهم على يقين أنه لو وقعت مصر سيتكرر الأمر في دول الخليج، وهي غير مؤهلة سكانيًّا أو عسكريًّا، موضحًا أن ذلك الموقف قد وضح بقوة بعد زوال حكم الإخوان بسقوط مرسي، وثقة الدول العربية في المؤسسة العسكرية والأمنية في مصر. ارتباك أوروبي ويقول سلامة كيلة، المفكر الفلسطيني: إن المساعي العربية المصرية جزء من الأسباب التي أجلت اجتماع الاتحاد الأوروبي، وأضاف أن السبب الأكبر لهذا التأجيل هو أن الأوروبيين مثل الأمريكان في موقف مرتبك منذ سقوط الإخوان في السلطة. ويتابع كيلة أن الأمريكيين والأوروبيين يريدون الإخوان في السلطة؛ الأمريكان لأنهم يرون أن الإخوان هم من سيقتلون الحركة الشعبية، والأوروبيين لأنهم ينظرون للموضوع بمنظور الديمقراطية، وأضاف كيلة: لكن هناك تحولات حدثت ومتغيرات جعلت الاتحاد الأوروبي يعيد بلورة موقف مختلف، ويحاول أن يفاضل بين رجوع الإخوان أو دعم السلطة الجديدة. وأكد كيلة أنه من الصعب على الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية ضد مصر، وتابع أن الاتحاد الأوروبي سيضغط من أجل الإفراج عن معتقلي الإخوان وسرعة العودة للديمقراطية، وإعادة دمج الإخوان وحزب الحرية والعدالة في العملية السياسية. وعن استغلال أحداث العنف التي يقوم بها الإخوان وحلفاؤهم في مصر للتأثير على الموقف الأوروبي، يقول كيلة: إن أوروبا تعلم جيدًا مثل هذه الأمور، ولن تأخذ هذه الأحداث في اعتبارها لتقييم الموقف. وتابع كيلة أن الخلاف الحقيقي بين السلطة المصرية والولايات المتحدة كان أن تجعل الإخوان طرفًا مهيمنًا، والسلطة المصرية تريد جعلهم طرفًا فقط في العمل السياسي، وأكد أن هذا يتوقف على رضى الإخوان بالاندماج ثانية في العملية السياسية . التحرك العربي الدكتور محمد مرسي، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية، يقول إن تأجيل اجتماع الاتحاد الأوروبي جاء لعدة أسباب، منها تكثيف مساعي وزارة الخارجية، كان آخرها مؤتمر وزير الخارجية نبيل فهمي، ويتابع مرسي قائلاً إن التحرك العربي وتوجيه رسائل إعلامية من خلال دول، كالسعودية، للجانب الأوروبي، التي كان وزير خارجيتها في فرنسا للتشاور حول الوضع في مصر وإقناع فرنسا بتغيير موقفها تجاه السلطة المصرية، ويؤكد مرسي أنه لم يكن من المنتظر من هذا الاجتماع اتخاذ موقف خطير إزاء مصر كتحريك دعوى ضدها في مجلس الأمن، ووصف مرسي أن أوروبا تحاول ممارسة ضغوط خفيفة على مصر لتضمن وجودها في المنطقة، ولن يتخطى الأمر أكثر من ذلك، ووصف مرسي تأجيل الاجتماع بأنه إيجابي؛ حيث إنه يدعم الإجراءات التي تتخذها الدولة المصرية في حربها ضد الإرهاب وتدعيمًا أكبر للسلطة في مصر. وتقول عبلة إبراهيم، في جامعة الدول العربية: إن تأجيل اجتماع الاتحاد الاوروبي جاء نتيجة مساع مصرية عربية، وتابعت أن الموقف الفرنسي قد تغير تمامًا بدليل أن وزير خارجية فرنسا رفض مقابلة وزير خارجية قطر، بينما ذهب بنفسه وقابل وزير خارجية السعودية. ووصفت عبلة أداء وزارة الخارجية بأنه ضعيف، وقالت لا بد أن تستغل حادثة رفح لفضح الإخوان الإرهابيين في العالم كله.