د. زايد: ظهور الإخوان كان لكسر الدولة الوطنية.. وفسروا الدين بما يخدم أهدافهم السياسية د. هيثم الحاج: المتشددون يسلبون الهوية لتصدير فكرة تطبيق الشريعة دارت ندوة المحور الرئيسي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، مساء أمس الإثنين، تحت عنوان "المرجعيات الفكرية للجماعات الدينية"، وتحدث فيها الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع، وإدارة الدكتور هيثم الحاج على، نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب. وأكد "زايد"، أن الجماعات المتطرفة يفسرون الدين على هواهم، ويقحمونه في السياسة لتحقيق أهدافهم. وقال: لا يمكننا فهم ذهنية المتطرفين إلا عن طريق الرجوع إلى التاريخ، لأن الأفكار المتشددة لم يظهر بين يوم وليلة لافتا أننا في حاجة لإعادة بناء الحياة، بفهم طبيعة الفكر المتطرف، والجوانب غير المقبولة وغير الإسلامية فيه، وأن نفهم السياق الذي نعيش فيه، ونعيد نظرتنا للدين لكى يمنحنا القيم التسامح والعدل، وإقامة دولة مدنية والتفاعل مع العالم. وأضاف: هناك عددًا من البذور التي نمت وجاء منها هذه الأفكار، فعندما نعود لدراسة الفكر السلفى، نجد أن كل الأفكار تتجه إلى ابن تيمية، بالرغم من أن بعض الناس ينتصرون له، لكن في النهاية نجد أن بعض فتاواه، وبعض أفكاره، كانت بذورًا لهذه الجماعات المتطرفة. وأوضح أن المجتمع الإسلامى في بدايته كان يعيش في سلام مع الجماعات والفئات المختلفة مع الشعوب الأخرى، حتى ظهر ابن تيمية في وقت كانت الدولة الإسلامية في فترة ضعف وتنهار، وهو كان وقتًا مناسبًا لانتشار الأفكار حتى لو كانت متشددة، ومن هنا بدأ يطرح فكرة تكفير الآخر المختلف عنه، فكان يرى أن شخص بلغه الإسلام ولم يؤمن به فهو كافر، وبذلك فهو يكفر المسيحيين واليهود، وما طرحه ابن تيمية حول فكرة الآخر، ومطالبته بأن أي شخص يبلغه الإسلام ولم يؤمن به فهو كافر ويجب محاربته وإذا لم يؤمن يقتل وهو ما أحدث شرخا في البنية التكاملية التي تطرح في المنظومة الإسلامية. وتابع: طرح ابن تيمية أفكاره في وقت كانت فيه الدولة الإسلامية تنهار، فقد كان يكتب في القرن الثامن الهجري والدولة الإسلامية في هذه مفككة وفيها عصبيات مختلفة وحين نسترجع كتابات ابن خلدون عن هذه الفترة نجده يتحدث عن التمزق الذي شمل الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، فلم يكن الآخر مجرد رفض لليهود والنصارى فقط ولكن كان بين المسلمين وبعضهم البعض لأن التمزق كان هو السائد في تلك الفترة. وقال: أما الفكرة الثانية عند ابن تيمية كانت الفتوى بالقتل وكان ابن تيمية صريحا حين قال: من يخرج عن الملة يقتل. وله فتوى غريبة حول شخص جهر بالنية في الصلاة فقال يؤتى بالرجل فيستتاب فإذا اعترف بالخطأ وتاب يطلق سبيله وإذا لم يتب يقتل وهو ما لم يفعله الرسول أو أحد من الصحابة من قبل.. أعني فكرة التصريح بالقتل إذا كان الآخر لا يسير وفق فهمي للدين وهي فكرة الجماعات المتطرفة الآن التي تذبح من لا يوافقها الفكر. وأكد أن الخطورة في أن الشخص لو أصر على خطأ بسيط يحل دمه هو ما يدعم فكرة الأنا والآخر فلم يصبح اليهودي أو المسيحي هو الاخر ولكن المسلم أيضا هو الاخر والشخص المختلف. ويضيف: "لم تنته القصة عند ابن تيمية ولكن كان الفكر موجود في بطون الكتب.. والسؤال من الذي اخرجه وجعله واقعا للحياة في تنظيم متطرف؟". وتابع: "كان ابن تيمية يكتب في أمور كثيرة وتم إخراج أفكاره في العصر الحديث، إن الحداثة هي من اخرجت ابن تيمية على يد أبو الأعلى المودودي وهو مفكر إسلامي كان يكتب كتب صغيرة حول نظام الحكم في الإسلام وكان ناشطا سياسيا ونشاطه السياسي جعله يؤسس الجماعة الإسلامية وهدفها أن ثمة مغالطات في تطبيق الإسلام في الواقع وجل الناس لا يفهمون الإسلام فهما صحيحا أي أن العلاقة بين الإنسان وربه تدخل فيها شخص صارم، ونادت الجماعة بقطع صلاتها بكل شئ سوى الله وقالت إنها جماعة تتحمل السجن والتعذيب وتقوى على الجوع والبطش والحرمان والقتل والإعدام، وهو ما يعني أن الجماعة كانت معزولة تقطع صلاتها بالمجتمع وتتحمل المشقة في سبيل ذلك.. أي انها تقيم سدودا بين الأنا والآخر". وأضاف: "هذه الجماعة تقوم أفكارها على أن المؤمن ليس هدفه عبادة الله أو التوفيق بين الحياة الدنيا والآخرة ولكن الهدف في الايمان هو إقامة الحكومة الإسلامية بناء على فكرة الحكم الالهي وتكون أساسا لدولة دينية وهو ما حول فكر ابن تيمية إلى فكر واقعي تبناه الإخوان المسلمين والجماعات المتشددة الأخرى، فظهرت فكرة التكفير تحت شعار الحكم لله وكل الجماعات السلفية التي خرجت من عباءة الإخوان من السلفيين خرجت من عباءة أبي الأعلى المودودي، ومن هنا صارت قصة امتلاك الدين ونبذ الآخرين به فكرة موجودة في قلب الدولة الحديثة". ويشرح: "من مكونات الإطار الفكري للجماعات الحضور التاريخي لمسار تاريخي بعينه فكل شخص يقرأ التاريخ الإسلامي وفق ما يريد أحدهما أن يقرأه فمنهم من يذهب إلى أنه الفتح الإسلامي وتطور العلوم أثناء الحكم الإسلامي ومنهم من يتناوله من جانب مختلف وقت الحروب وغير ذلك، ورأت جماعة الإخوان أنه الفتح وفي علاقتها بالتاريخ تقوم على تناقض غريب تقدم التاريخ الإسلامي على أنه تاريخ الفكر والعلم والتطور وفي سلوكها تستدعي البطش والظلم". وأكد أن "الجماعات تستحضر فكرة الخلافة التي كانت تقوم على فكرة رابطة إمبراطورية كما في الدولة العثمانية تقوم بجمع الخراج من أماكن مختلفة ويتم توزيعه.. بينما الدولة الحديثة تقوم على مفهوم الدولة الوطنية التي تنتظم وفق منظومة كونية.. العالم لم يعد عالم إمبراطوريات وإذا عاد إلى ذلك فإنه يعود في اشكال مختلفة مثل وحدات اقتصادية أو سياسية إنما فكرة الخلافة غير متصورة لكنهم يستدعونها في الخطاب كإغراء بالتاريخ القديم الذي كان فيه تقدما وعلما". وقال: "كثير من هذه التفسيرات التي يعتمدون عليها تعتمد بدورها على أحاديث ضعيفة بينما يجب أن نفكر في الأمر كما فكر فيه طه حسين في كتابه في الشعر الجاهلي الذي بحث عن نظرة مختلفة في التفكير، اذن هناك تناقضا بين الخطاب المعلن والمضمر باستدعاء كل ما هو سئ مثل النبذ والقتل والنفاق وأظن أن البذور الفكرية في عهد الرسول كانت تتمثل في بعض الأفراد". ويتساءل: "الآن كيف تكون الحداثة مكونا في الإطار الفكري للجماعات؟.. وموقف هذه الجماعات من مفهوم الحداثة والدولة الوطنية؟". وقال: "هناك صراع مع الدولة الوطنية الحديثة التي اسسها محمد على في مصر وظهر الإخوان في نضوجها كما لو كانت الشوكة التي تري كسر الدولة الوطنية يجب أن يفهم الفكر المتطرف على أنه مناوئ للحداثة، والسبب يتعلق بعنصرين الأول أن هذه الدولة تبدو كما لو كانت تقدم نموذجا حديثا وهم يريدون أن تصنع الحداثة بطريقتهم إنهم يريدون استملاك الحداثة لتصبح له وليس للآخر. ويصنع الدولة الوطنية بطريقته المتخلفة". وتابع: "العنصر الثاني تجفيف منابع العقل لا عقل ولا تجديد ولا ابداع وكأنه في استهلاكه للحداثة يريد أن يبنيها على مناهج لا علمية والغرب يريد أن يشجعه على ذلك ونجحت في أن تهمش اللاعقلانية عندها، وعندما تتعامل مع المجتمعات الاخرى مثل مصر تصدر لها اللاعقلانية مثل النزعات الاستهلاكية والتعصب والحروب لأنها أساس تفتيت المجتمعات.. إنهم يزرعون الغريزة ليحدث الصدام الجسدي والقتل". فيما أشار الدكتور هيثم، إلى مجموعة من التساؤلات حول هذه التناقضات وقال إنها تستلب الهوية وتأد القيم الاصلية في مقابل تصدير فكرة تطبيق الشريعة هذه الجماعات تستغل فكرة الليبرالية لإقامة حزب ضد الليبرالية، ولابد من تفكيك الاطر التي تقوم عليها هذه الجماعات في أفكارها المبنية على قراءات خاصة وسحب التاريخ.