في دورته ال 46، التي ستبدأ بعد أيام قليلة، وقع اختيار منظمو معرض القاهرة الدولي للكتاب على الشيخ محمد عبده باعتباره شخصية ثرية مفعمة بالتنوير والتجديد سواء على نطاق الأدب ونشر الثقافة والمعرفة أو فيما يخص أبعاد سماحة الإسلام وطرق تجديد الخطاب الديني ليكون شخصية المعرض في هذه الدورة، بما يضمن تحقيق الفائدة المرجوة منه خاصة في ظل كل ما يشهده الوطن في الفترة الأخيرة من صراعات وتخبط على كل الأصعدة. فاسم الإمام محمد عبده كافيا لبعث روح التجديد والإصلاح والتنوير، فالرجل أسس للنهضة المصرية الحديثة، وبعد مرور أكثر من قرن على رحيله حل ضيفا على معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال 46 والتي تسمى أيضًا باسمه "دورة الإمام محمد عبده". عرف الإمام "محمد عبده" بفكره الإصلاحي ودعوته للتحرر من كل أشكال الاستعمار الأجنبي، ومحاولاته المستمرة للإصلاح والتطوير في الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، فبذل الكثير من الجهد من أجل تحقيق التطور والإصلاح في المجتمع على الرغم مما تعرض له من سجن ونفي. انفتح "محمد عبده" على العلوم الأخرى والتي لم يكن الأزهر يهتم بتدريسها في هذا الوقت ووجد ضالته في بعض الشخصيات التي أثرت في حياته بشكل فعلي، منهم الشيخ "درويش خضر"، الشيخ "حسن الطويل"، كما كان ل"جمال الدين الأفغاني" في حياة محمد عبده مكانة خاصة حيث ربطت الاثنين صداقة قوية مبعثها الدعوة للإصلاح. قام محمد عبده بالدعوة للإصلاح ونشر التنوير والعلم، من خلال التدريس في العديد صروح العلم منها الأزهر الشريف الذي درس به المنطق والفلسفة والتوحيد، كما درس بدار العلوم مقدمة ابن خلدون، وقام بالتدريس في مدرسة الألسن، قام رياض باشا "رئيس النظار في عهد الخديوي توفيق" بتعيين الإمام محمد عبده في جريدة الوقائع المصرية، والتي عمل بها عدد من الشخصيات البارزة مثل سعد زغلول، محمد خليل، حيث قام محمد عبده بمهمة التحرير والكتابة في القسم الخاص بالمقالات الإصلاحية الأدبية والاجتماعية، وكان من تلاميذه، شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي قال مرثيته راسما فيها صورة صادقة جياشة لشخصية العالم المخلص وقد أدار حافظ قصيدته على محاور تقوى الإمام وصبره على ما ابتلى به من أذى الحاقدين وموقفه التاريخي في دحض أباطيل المستشرقين وتفسيره للقران الكريم، الشيخ الشهيد عز الدين القسام والذي كان أول من نادي بالثورة على الإنجليز والصهاينة وتحرير فلسطين من بين أيديهم، شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي، شيخ العروبة محمد محيي الدين عبد الحميد، الزعيم سعد زغلول، قاسم أمين، محمد لطفي جمعة، طه حسين. كان الإمام محمد عبده ينتمي في تيار حركة الإصلاح إلى المحافظين الذين يرون أن الإصلاح يكون من خلال نشر التعليم بين أفراد الشعب والتدرج في الحكم النيابي وكان سعد زغلول أيضًا من مؤيدي هذا التيار، وهو عكس التيار الذي يدعو للحرية الشخصية والسياسية مثل المنهج الذي تتبعه الدول الأوروبية، وكان من مؤيدي هذا التيار "أديب إسحاق" ومجموعة من المثقفين الذين تلقوا علومهم في الدول الأوروبية. كما ألف وشرح وكتب عدة أعمال منها: "رسالة التوحيد"، تحقيق وشرح "البصائر القصيرية للطوسي"، تحقيق وشرح "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" للجرجاني، كتاب "الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية" وفي هذا الكتاب أجرى الإمام محمد عبده مقابلة بين الدينين الإسلامي والمسيحي وأثرهما في العلم والمدنية، تقرير إصلاح المحاكم الشرعية سنة 1899. الإمام تناول العديد من الكتاب والصحفيين بتناول شخصية محمد عبده وآرائه الإصلاحية من خلال كتبهم ومقالاتهم المختلفة منها: كتاب "محمد عبده" تأليف محمود عباس العقاد، كتاب "رائد الفكر المصري – الإمام محمد عبده" من تأليف عثمان أمين، كتاب "الإمام محمد عبده في أخباره وآثاره" تأليف رحاب عكاوي، وغيرها العديد من الكتب. ورحل الإمام محمد عبده عن عالمنا في مساء يوم 11 يوليو عام 1905م بالإسكندرية بعد معاناة مع مرض السرطان عن سبع وخمسين عاما، تاركًا لنا ميراثًا ثقافيًا وعلميًا كبير، خلال رحلة من النضال والكفاح.