في مثل هذا التوقيت من كل عام كانت غزة تصافح وفود وقوافل كسر الحصار والتي تأتي محملّة بالإغاثات الإنسانية، وهدايا العيد التي ترسم البسمة على وجوه صغار المدينة القابعين في أكبر سجن مفتوح في العالم . غير أن صوت هذه القوافل والوفود لم يعد مسموع ً ا بعد أحداث الثلاثين من يونيو في مصر وما أعقبّها من تطورات عقب عزل الجيش المصري للرئيس محمد مرسي . وعقب عزل مرسي زاد الجيش المصري من تعزيزاته العسكرية على الحدود مع قطاع غزة وبدأ حملة لهدم الأنفاق المنتشرة أسفل الحدود، كما أغلق معبر رفح ثم أعاد فتحه بشكل جزئي لدخول العالقين داخل مصر، وسفر أصحاب الحالات الإنسانية وحملة الجوازات الأجنبية فقط . وتحول معبر رفح البري المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة، على العالم الخارجي لممر خنق أهل غزة، وشل حركتهم وحركة القادمين لتخفيف أوجاعهم الممتدة منذ سبعة أعوام. وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية كانت غزة تشهد زيارات مكثفة لوفود التضامن تزداد في أيام الأعياد لرسم البسمة على فقراء القطاع وتسكين ألم معاناتهم التي تكبر يوما بعد يوم . وقال المستشار السياسي لرئيس الوزراء في الحكومة المقالة بغزة يوسف رزقة لوكالة الأناضول للأنباء، إن أحداث مصر الراهنة أوقفت حملات التضامن مع القطاع المحاصر . وأشار زرقة إلى أن هذه الحملات كانت تحمل معها المستلزمات الطبية والإنسانية التي تخفف من وطأة الفقر وما خلّفه الحصار الإسرائيلي على غزة . وأدى هذا التراجع الكبير لحملات التضامن إلى إدخال غزة في هامش عميق وكبير من الحصار في مشهد يعيد لوحة السنوات الأولى للحصار كما يرى رزقة الذي طالب بإنقاذ غزة من الكارثة الإنسانية التي بدأت تضيق الخناق على السكان . وكانت إسرائيل قد فرضت حصارًا مشددًا على غزة في منتصف يونيو 2007 بعد سيطرة حركة “,”حماس“,” على القطاع . وعانى قرابة مليوني مواطن من لسعات الحصار الذي منعهم من الحصول على أدنى احتياجاتهم اليومية . وأمام تزايد صرخات المؤسسات الحقوقية والإنسانية للتدخل لفك الحصار نجح 44 من المتضامنين الدوليين في 23 أغسطس 2008 في تسيير أول قافلة بحرية لكسر الحصار المفروض على القطاع وحملت “,”غزة الحرة“,” على متنها المساعدات الإنسانية وتواصلت بعدها ظاهرة تسيير السفن والقوافل البحرية والبرية للتضامن مع غزة . ودأبت هذه الوفود العربية والدولية على حمل المساعدات المالية والإغاثية وتقديمها للجمعيات الخيرية . وسيزيد توقف هذه الحملات من لسعات الحصار الخانق كما يؤكد الكاتب والمحلل الاقتصادي “,”محسن أبو رمضان“,”، والذي أكد في حديثه ل الأناضول“,” أن وقف حركة الوفود التضامنية الإنسانية مع قطاع غزة حرم الآلاف من تلقي المساعدات التي من شأنها أن تخفف من حدة الفقر والبطالة . ولا تسكت أرقام وجع القطاع المحاصر الذي يعاني 30% من سكانه وعددهم 1.8 مليون نسمة من البطالة . فيما تسجل نسبة الفقر بحسب أحدث الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 40% سيزيد من معدلاتها كما يؤكد خبراء الكارثة الإنسانية الجديدة التي خلفتها التطورات الأخيرة في مصر وانعكاساتها على سكان القطاع . وسيحرم غياب هذه القوافل آلاف المرضى من إجراء العمليات الجراحية المعقدة التي يتبرع بتنفيذها أطباء عرب ودوليون يأتون برفقة القوافل . وتشير إحصائية حديثة أعدتها وزارة الشئون الخارجية إلى أن 200 وفد عربي وأجنبي زاروا غزة منذ العدوان “,”الإسرائيلي“,” الأخير على القطاع في الخريف الماضي . وحظي معبر رفح بتسهيلات مصرية واسعة في حركة السفر بعد ثورة 25 يناير 2011 في مصر، أتاحت تنقل مئات المسافرين بصورة يومية، بعد أن كان يتعرض لإغلاقات متكررة منذ صيف عام 2007 . وترتفع يوميًا صيحات المؤسسات الحقوقية الإنسانية، والدولية بضرورة اتخاذ السلطات المصرية الجديدة الإجراءات اللازمة للتخفيف من معاناة المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، خاصة فيما يتعلق بمعبر رفح . ويطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس زعيم حركة فتح، بإعادة العمل في معبر رفح وفق اتفاق المعابر في 2005، غير أن حركة حماس والتي تسيطر على قطاع غزة تنادي بسيادة مصرية - فلسطينية على المعبر . وكانت السلطة الفلسطينية قد وقعت مع إسرائيل في 2005 اتفاقا خاصا بإدارة معبر رفح، يقضي بتولي طواقم حرس الرئاسة الفلسطينية ومراقبين أوربيين إدارة المعبر، وبإشراف إسرائيلي عن طريق المراقبة عبر كاميرات تليفزيونية .