لم يأبه اللبنانيون للتقارير الإعلامية المتكررة التي تتحدث عن احتمال حدوث عمليات إرهابية في ليلة رأس السنة، وأقبلوا بشكل هائل على الاحتفال بقدوم العام الجديد، آملين أن يكون حظ بلادهم أفضل في 2015. ولم يأبه اللبنانيون بتحذيرات القوى الأمنية بعدم إطلاق النار خلال الاحتفال برأس السنة، فلم تتوقف أصوات الألعاب النارية ولا أضوائها عن الدوي في سماء العاصمة وأطرافها لحظة الانتقال للعام الجديد، لتغطى على أصوات طلقات الرصاص الاحتفالية بالوافد الجديد، ولتطغى أيضا على أصوات الطائرات السورية التي قصفت المسلحين في عرسال ليلا أو الطائرات الإسرائيلية التي خرقت حاجز الصوت، آملة في إرهاب اللبنانيين الذين لم ترهبهم يوما إسرائيل بقنابلها فهل ترهبهم بغاراتها الوهمية؟. الأهم أن اللبنانيين لم يأبهوا بالأنباء عن تعزيز تنظيم داعش (الذي أرعب العالم) لقوته على حدود بلادهم بل في أطرافها أيضا في جرود عرسال وعلى بعد نحو 120 كيلومترا من العاصمة بيروت، فاحتفلوا جميعا مسلمين ومسيحيين بالعام الميلادي، وتنافس المسلمون مع المسيحيين بل تفوقوا في تشييد أشجار الميلاد ردا على قيام أشباه الدواعش بتحطيم شجرة للميلاد في صيدا منذ عدة أيام لينطلق بعدها مارثون أشجار الميلاد في أنحاء لبنان وبالأخص في المناطق المسلمة. وتزينت بيروت لعيد الميلاد، كما احتفلت بالمولد النبوي الشريف، مثلما لبست الحداد من قبل لعاشوراء، لتثبت فرادة نموذج التعايش الللبناني الذي لا ينافسه في المنطقة سوى النموذج المصري مثلما اتفق السفير المصري في لبنان الدكتور محمد بدر الدين زايد مع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي خلال تهنئته بأعياد الميلاد، ولتثبت هذه الاحتفالات أن الخلاف الطائفي في لبنان هو من صنع السياسيين، وليس من صنع الشعب. ومثلما لم يأبه اللبنانيون للمشكلات السياسية والمخاطر الأمنية فإنهم لم يأبهوا لمغالاة أصحاب المطاعم والكازينوهات في أسعار احتفالية رأس السنة التي يحرصون على أن تتضمن حفلات موسيقية وغنائية، وبلغت الحجوزات في أغلب الأماكن السياحية نسبة تقارب المائة في المائة، ورغم الأزمة المالية التي تمر بها كثير من الأسر اللبنانية فإن نسبة كبيرة منهم أصرت على الالتزام بطقوس الاحتفالات المكلفة بصرف النظر عن هذه الضائقة. وحدهم رجال الجيش والأمن اللبناني الذين لم يحتفلوا برأس السنة، إذ انتشروا في أرجاء البلاد في ظل إجراءات أمنية مشددة ولافتة خوفا من تحول شائعات الإرهاب إلى حقيقة خاصة أن التجارب علمت اللبنانيين أن كثيرا مايستغل الإرهابيون الاسترخاء الذي يصاحب الأعياد لتنفيذ عملياتهم الغادرة.