فى طفولتى كنت أذهب للتنزه فى أيام العيد على الكورنيش , وفوق كوبرى المظلات بجوار مسكنى بشبرا . أتذكر دائما الرجل الذى يقف يخلط ثلا ث أوراق وينادى أين العروسة ؟ وكنت أندهش من قدرة الرجل على أخفاء الحقيقة والتدليس على المارة لدرجة أن بعض السذج يصدقون هذا السحر على العيون ويضعون قرارهم على المكان الخطأ مع اعتقادهم اليقينى أنهم اختاروا صورة العروسة . بنفس هذه الطريقة يسعى الأستاذ إبراهيم عيسى تشكيل عقليه القارئ للمقال الأخير له بعنوان ( ساعة العسرة ) , فهو يخلط بين الدفاع عن المبادئ الإنسانية التى يتفق فيها البشر جميعا , وبين الاختلاف فى المنهج . فلا شك أن الليبرالى والعلمانى واليسارى والمسلم يتفقون على أن ( العدل ) غاية عظيمة يسعى الجميع إليها , كما يتفق الجميع على أن ( الظلم ) شئ قبيح ويجب على الجميع مقاومته . فالأستاذ عيسى يخفى العروسة , محاولا إقناع القارئ أن العلمانيين والليبراليين كانوا هم المدافعون عن الحق والمقاومون للظلم والطغيان وخاصة الواقع عن التيار الإسلامي وعن أسرهم , وفى نفس الوقت يتمنن علينا بالقصص والبطولات , ومنها إدعائه بالدفاع عن الشهيد سيد بلال رحمه الله , وكذلك يسعى الأستاذ عيسى للمبالغة فى إخفاء صورة العروسة , فيظهر التيار الإسلامي ناكراً للجميل . فبعد أن حقق العلمانيين للتيار الإسلامي الحرية والخلاص من السجون والمعتقلات,فبدلا من الشكر والاعتراف بالجميل للعلمانيين , قام الإسلاميون بشن الحرب على ( محاميهم الوحيد) فى حين أن الأغلبية الصامتة من الشعب كانوا مجرد متفرجين على الكوبرى . ولفك التدليس و(إظهار أين العروسة ) فنحن لا نختلف مع التيارات غير الإسلامية , سواء علمانية أو ليبرالية حول المبادئ الأخلاقية , مثل الحرية , والعدل , ومقاومة الظلم , والفساد . إن صراعنا وخلافنا معكم يا أستاذ عيسى وكل الليبراليين والعلمانيين هو أنكم ربما دافعتم يوماً عن شخوصنا ( مع فرض حسن النية وليس من باب التهجيص ) , ولكن التيار العلمانى والليبرالى يحارب الشريعة الإسلامية ويرفضون الاية الكريمة ( إن الحكم إلا لله ) وأنت تحديدا لك كتابات تهاجم الصحابة الكرام وتداهن الروافض . فى الحقيقة أنا لم أرى يوما لكم دفاعا عن أحد من الإسلاميين يا أستاذ عيسى, وكنت مع الكثيرين أسعى لتوصيل قضية كامليا شحاتة وأخواتها للرأي العام من خلال منبركم الدستور , وكم كتبنا لكم لكنك كنت مؤيدا للكنيسة,ولم نسمع لك ولا للدستور أى دفاع عن حقوق الإنسان والحرية ومقاومة الظلم فى قضية الأسيرات , بل أن الدستور كانت تكذب وتنشر مقالات تحريضية ضد التيار الإسلامي ومظاهراتنا التى تطالب بالحرية للأسيرات , ناهيك عن التقليل من شأن وأعداد المتظاهرين, ووصفنا بالعشرات رغم أن الأعداد كانت بالآلاف . يا عيسى أين كنت حينما كنا نقف فى مسجد الفتح وعمرو بن العاص والقائد إبراهيم بالإسكندرية وغيرها من المساجد نطالب بحق الأسيرات وحق الشهيد سيد بلال ؟! لم نسمع لك صوتاً تقول لمبارك وشنودة حرفاً بإسم حقوق الإنسان واحترام كرامة المرأة المصرية والحرائر والشعارات التى تتاجرون بها الان . يا أستاذ إبراهيم لا تدلس على القارئ الحقائق بعد فوز التيار الإسلامى فى الانتخابات محاولا الوصول لغاية مكشوفة بين طيات كلماتك . وعلى كل حال فبرغم اختلافنا مع الليبراليين فقد كنا ضد اعتقال أسماء محفوظ وأي مدنى أمام المحاكم العسكرية ولم نتخلى عنها حتى أفرج عنها. , فالاتفاق فى الحقوق الأساسية والإنسانية مع المخالف لنا, لا تعنى السكوت له حين يتطاول على إسلامنا وشريعتنا وصحابة الرسول الكريم .فالاتفاق فى الوسائل لا يعنى الاتفاق فى المنهج .