(إذا كانت الحالة الاجتماعية متدنية فأنت حرية وعدالة، وإذا كانت الحالة المعيشية مرتفعة فأنت كتلة)!؟.. تعليق غريب وصادم صدر عن مذيعة شهيرة بقناة ساويرس الفضائية (أون تي في)؛ حول نتائج المرحلة الأولى في انتخابات مجلس الشعب 2011م، لتصنف على مزاج اتجاهها الليبرالي كلا من أنصار التيار الإسلامي وأنصار الكتلة الليبرالية؛ فعمقت بكلماتها المسمومة الموجهة بذكاء شيطاني تلك الحملة الشرسة ضد الآخر واختيار الآخر خاصة الإسلاميين!؟. تماماً مثلما رأينا على (اليوتيوب) تلك الإعلامية التونسية الفلولية التي بكت على اختيار الشعب التونسي واتهمته بالغباء وسبت كل من اختار حزب النهضة!؟. رسائل سلبية خطيرة: وعلى أساس معايير تلك المذيعة، وبناءً على مثل هذا النوع من التصريحات السامة المسممة يتلقى شعبنا الطيب جرعات يومية من الرسائل السلبية غير المباشرة والموجهة للعقل الباطن؛ والتي تترسخ بتكرارها في كل دكاكين ومكلمات (التوك شو) بعملية (زن على الودان)؛ فتغير بالتأثير التراكمي تدريجياً قناعات شعوبنا الطيبة البسيطة وبالتالي توجه سلوكياتهم كما يخططون؛ ومنها: 1-أن الملتزم سيصبح رجعياً منغلقاً ضحل الثقافة، والمتحرر سيصبح تنويرياً منفتحاً راقياً!؟. 2-انتشار ظاهرة الانتقائية في وسائل الميديا الليبرالية الجبارة؛ والتي تجعل كل منا؛ يمارس إرهاباً فكرياً على نفسه؛ قبل أن يمارسه مع الآخرين؛ والتي من مظاهرها أننا ننتقي ما يعجبنا فقط من أفكار وسلوكيات الآخر، ونعادي ونرفض ونهاجم ما لا يعجبنا منه. 3-انتشار ظاهرة التعميمية في شارعنا السياسي؛ فنطلق الأحكام العامة، بناءاً على وقائع فردية؛ أو جزئية؛ اعتماداً على تفسير مسبق للأقوال والأفعال، ثم نفتقد للحيادية في التدقيق وفي التوثيق؛ فنرسم صورة خاطئة عن الأشخاص والأقوال والأفعال. 4-اللعب على أوتار التصنيف الطبقي والطائفي المقيت على أساس الأفكار والآراء والاختيارات بل والارتباط بالجذور الأخلاقية والعقدية لشعب مصر الطيب!. 5-ممارسة عملية رهيبة من غسيل مخ للبسطاء والعامة؛ فيغيرون اختياراتهم وممارساتهم على عكس ما يقتنعون به؛ خوفاً من الاتهام المسبق بالرجعية والتدني الاجتماعي!؟. 6-أن يتراجع أصحاب المشاريع الإسلامية إلى خنادق الفكر الدفاعي ليتترسوا بسواتر تبعد عنهم اتهامات التدني الاجتماعي وليثبتوا أن مشاريعهم تلقى قبولاً من الطبقات الراقية!؟. 7-أن تصبح معايير النضج الثقافي ليس على الأفكار والاختيار بل على الانتساب للطبقات الراقية!؟. جذور الموجة الليبرالية: كان من فضل الله علينا أن وهبنا أرضية ثقافية نستند عليها كمعايير نوزن بها الأشخاص والأشياء والأحداث؛ فتكسبنا فراسة تقينا تقلبات فتن الأيام والسياسة والأحوال!؟. أما هؤلاء فهم نوعية بشرية نحن نعلم صفاتهم وخصائصهم وأفكارهم الدفينة التي تحرك سلوكياتهم: 1-لا تحركهم إلا مصالحهم الفكرية أو الحزبية؛ فلا يقرون بقضية ولا ينقادون لرأي إلا ما يروق لهم ويحقق أغراضهم: "وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ". [النور49] 2-لهم خطاب إعلامي موحد يكشفهم ولو تواروا خلف شعارات براقة: "وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ". [محمد30] 3-لا يطيقون من يرفع القيم الدينية والمبادئ الأخلاقية: "إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ". [الأنفال49] لأن مرضى القلوب يشككون دوماً في قيمة الدين ودوره كمحرك لتغيير البشر والمجتمعات، وكعامل قوة عند المواجهة؛ كما كانت تصريحاتهم حول قيمة (الله اكبر) في نصر أكتوبر، وفي تحريك ثورات الربيع العربي. 4-يشككون في جدوى المرجعية الإسلامية؛ كحل لمشاكلنا المزمنة؛ بل ويثبطون ويستهزأون في رؤية الملتزمين للمستقبل: "وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً". [الأحزاب12] 5-يتحدون ضد أصحاب القيم الربانية رغم اختلافاتهم الداخلية: "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ". [التوبة67] فدوماً يشكلون صفاً واحداً وجبهة واحدة ترفع سهامها معاً ضد من يخالف رأيهم وتوجهاتهم؛ سواء في الفضائيات أو المواقع أو الصحف؛ فيعزفون دوماً لحناً واحداً!. ولكنهم متفرقون متباغضون فيما بينهم: "بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ". [الحشر14] مرحلة الرشد ... والدخول عليهم الأبواب: والمتأمل في القوى الفاعلة في زخم الربيع الثوري العربي، والملاحظ في نتائج انتخابات واستفتاءات الثورات يجد أنها تفرز الإسلاميين والملتزمين!. فلعلها حالة من العودة إلى هوية الأمة الأصيلة بعد عقود من الشعارات القومية الجوفاء والاشتراكية العرجاء التي أفرزت دكتاتوريات عسكرية قهرية توارثية!. وتجربة حزب النهضة في تونس ثم العدالة والتنمية في المغرب وما أظهروه من خطابات معتدلة وسلوكيات متزنة وتوجهات سياسية ناضجة تجمع الأمة على ثوابت يتفق عليها الجميع مثل الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية؛ فإنما هي مؤشرات تدل على انتقال أصحاب المشاريع الإسلامية من مرحلة المراهقة الفكرية إلى مرحلة الرشد والنضج؛ وهو دلالة على أهمية عدم ترك فرصة للمناوئين والمهاجمين والدخول عليهم من أبواب تجمع الأمة ولا تفرقها؛ كما حدث مع تجربة بني إسرائيل عندما: "قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ". [المائدة23] ابن خلدون ... والإسلام هو الحل: والغريب أننا نجد أن رائد علم الاجتماع الرفيع (ابن خلدون) يوضح في مقدمته الرائعة أسباب هذا الإفراز الرباني للثورات العربية ويرد على القوميين والليبراليين؛ فيؤكد أن العرب لا يرتفعون ولا ينهضون ولا يسودون إلا بهويتهم الدينية: (أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة؛ والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض. فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله، يذهب عنهم مذمومات الأخلاق، ويأخذهم بمحمودها، ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق، تم اجتماعهم وحصل لهم التغلب والملك، وهم مع ذلك أسرع الناس قبولاً للحق والهدى والسلامة). ترى هل كان (ابن خلدون) من الشرائح الاجتماعية المتدنية؟!.
د. حمدي شعيب زميل الجمعية الكندية لطب الأطفال (CPS) خبير تربوي وعلاقات أسرية E-Mail: [email protected]