قد يهيئ للقارئ من الوهلة الأولى خلال قراءة العنوان أننا نتحدث عن مرشحي مصر للرئاسة، أو عن الشخصية المناسبة المتوقعة لمنصب رئيس الدولة في مصر، وهذا ماليس مقصودا من السؤال؛ إنما نعني بسؤالنا (مَن مِن الأنظمة السياسية سيتم من خلاله حكم مصر وإدارة شئونها؟؟). إن مبدأ الفصل بين السلطات قد اتُخذ المعيار لتمييز صور الأنظمة السياسية الديمقراطية النيابية المعاصرة، وبالأخص السلطة التنفيذية، وهي من سنتحدث عنها، فالسلطة التشريعية لا تختلف كثيرا في هذه الأنظمة، وتنقسم الأنظمة السياسية من خلال هذا المبدأ إلى ثلاثة أقسام، لنبدأ منهم بالنظام الرئاسي: وتُحصر السلطة التنفيذية في هذا النظام في يد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب، والفصل الشديد بين السلطات، فرئيس الجمهورية في النظام الرئاسي منوط به السلطة التنفيذية بشكل كامل؛ لأنه لا يوجد مجلس وزراء في النظام الرئاسي- بعكس الأنظمة الأخرى- ولا توجد قرارات تخرج عن إرادة غير إرادته؛ فهو صاحب السلطة الفعلية والقانونية للسلطة التنفيذية على المستوى الوطني والمستوى الدولي؛ لذلك أصبح من المهم جداً في الأنظمة الجمهورية التقيد دستورياً في النظام الرئاسي أن يتولى الشعب انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام، سواء كان مباشراً أو غير مباشر. ويتضح من خلال قراءة الأحداث في مصر أن هذا النظام سيكون أبعد ما يكون عن أختيارات الشعب المصري؛ فبعد 30عاما من الاستبداد في مصر، والقهر السياسي؛ بسبب الإفراط الكبير في ماأُعطي للرئيس من سلطات، لن يسمح الشعب المصري بأن تكون السلطة لرئيس الجمهورية فقط، حتى وإن كانت هذه الصلاحيات ستُضبط وتُراقب؛ ونتذكر هنا المثل الشعبي المصري (اللي يتلسع من الشربة ينفخ في الزبادي!!) وأكاد أجزم أن مطلب تقليص السلطات للرئيس أصبح مطلبا أساسيا لكل التيارات السياسية، بل وأفراد الشعب في مصر، بصورة تجعلنا بكل ثقة ندّعي بأن الشعب المصري أصبح يعاني من مرض(فوبيا سلطات الرئيس) وحُقّ له ذلك؛ فالتجربة كانت قاسية جدا، ووصل الاستبداد إلى أبعد مدى يمكن تخيله؛ لدرجة أننا كنا في بعض المواقف نطلق عبارة مازحة للتعبير عن عدم خروجنا على القانون، والخوف من الملاحقة الأمنية وهي: (أنا بحب الريس – ومليش دعوة بالسياسة)! وإن كنا نطلقها على سبيل المزاح؛ ولكنها فعلا كانت حقيقة، بل ومن المسلمات؛ فالنظام السابق كان يجرّم كل من يتكلم- مجرد كلام- فى سياسة البلاد,يصبح لدى النظام من المغضوب عليهم ولا الضالين امين ,سواء كانت هذه الملاحقة مقننة، أو غير مقننة. ولكم أن تتخيلوا أن رئيس الجمهورية السابق في هذا النظام البائد كان له وزراء، ويساعده مجلس وزاري! ورغم ذلك وصل الى ما وصل إليه من الاستبداد، والقهر، والتلاعب بأحوال البلاد والعباد، وأظن أن هذه التجربة المريرة حفرت في عقول وصدور الشعب المصري صورة بشعة عن كل نظام يقترب في هيكلته من هذه النقطة. أما عن النظام الثاني وهو النظام البرلماني: فهو نوع من أنواع الحكومات النيابية، ويقوم على وجود مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه، وتتكون السلطة التنفيذية في هذا النظام من طرفين هما: رئيس الدولة، ومجلس الوزراء. أما ما يتعلق برئيس الدولة في النظام البرلماني فيكون معظم دوره سلبياً، ويكون مركزه مركز شرفي؛ ومن ثم ليس له أن يتدخل في شؤون الإدارة الفعلية للحكم، وكل ما يملكه في هذا الخصوص هو مجرد توجيه النصح والإرشاد إلى سلطات الدولة؛ لذلك قيل أن رئيس الدولة في هذا النظام لا يملك من السلطة إلا جانبها الاسمي؛ أما الجانب الفعلي فيها فيكون للوزراء، ويكون اختياره غالبا من البرلمان. والوزارة هي السلطة التنفيذية الفعلية في النظام البرلماني، والمسئولة عن شؤون الحكم؛ أما رئيس الدولة فإنه غير مسئول سياسياً بوجه عام، فلا يحق له مباشرة السلطة الفعلية في الحكم. والنظام البرلماني تقوم العلاقة فيه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على أساس التعاون وتبادل المراقبة، ويتميز الجهاز التنفيذي بالثنائية، من حيث وجود رئيس دولة منصبه شرفي، وحكومة تختار من حزب الأغلبية في البرلمان تمارس السلطة الفعلية، وتكون مسئولة عنها أمام البرلمان. وهذا النظام أيضا لن يكون الأمثل في مصر في هذه المرحلة، فالشعب المصري قد غُيّب سياسيا على مدار عقود، ولا يتمتع بالنضج المطلوب الأن لانتخاب برلمان مؤهل بشكل كامل لإدارة البلاد؛ فمازال الشعب المصري يعاني من إعلام غير محايد يحدث فوضى، ويغير ويقلب الحقائق، كما تنتاب الشعب المصري حالة من الشك الشديد وعدم وضوح الرؤية للعبة السياسية؛ وأزعم أن هذه الحالة لا تستطيع أن تنتج برلمانا يدير شئون مصر منفردا بدون قوة موازية في السلطة ولو بشكل نسبي لقوة البرلمان، فالسلطة التنفيذية في النظام البرلماني تكون في يد الحكومة التي تُختار أيضا من حزب الأغلبية في البرلمان، بمعنى أخر الحزب الذي يسيطر على البرلمان سيكون له نصيب الأسد من السلطتين التشريعية والتنفيذية في النظام البرلماني. وهناك سبب أخر يرتبط إرتباطا وثيقا بعادات، وتقاليد، وشرائع هذا البلد؛ هذا التقليد قد يغفل عنه الكثيرون ألا وهو: (الرمز( فالشعب المصري قد جُبل على الالتفاف حول الرمز، ولن يقتنع مطلقا برئيس ذات منصب شرفي ليس له من الأمر شئ، فتاريخ مصر القديم والحديث يوضح لنا بصورة جلية أن هذا الشعب يبحث دائما عن الرمز للالتفاف حوله، ومن عوامل اعتماد هذه الرمزية: القوة، والأرادة في اتخاذ القرار؛ ولكم ان تتخيلوا أن كل مؤيدي الرئيس المخلوع أثناء الثورة من عوام الشعب المصري كانت هذه حجتهم الوحيدة لرفضهم الثورة: (مبارك رمز)،وكان سؤالهم الوحيد (لو مشي مين هيمسك؟!(. هكذا فهم مبارك مفتاح هذا الشعب من حتمية وجود الرمز؛ فوثّق هو رمزيته بإعلامه المضلل،وأسقط كل الرموز، فكانت لا تُرى، وأفرغت الساحة له فالتف البسطاء حوله. اذا فالشعب المصري لا يريد السلطة المطلقة، أو ما يقترب منها من صلاحيات كثيرة للرئيس (النظام الرئاسي)، وكذلك لا يريد إسقاط كامل السلطة عن الرئيس، وجعل منصبه شرفيا، ولا يريد برلمانا متفردا (كجهة بالسلطة بدون قوة موازية (النظام البرلماني وبمعرفة هذه العيوب في النظامين السابقين بالنسبة لتطبيقهما في مصر، نستطيع الأن القول بأن النظام الأنسب هو: النظام شبه الرئاسي؛ لأنه يسد هذه الثغرات ويُرضي طموحات ورغبات الشعب المصري، وهو نظام خليط بين النظام الرئاسي و البرلماني، يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكان في تسيير شئون الدولة، وتوزيع هذه السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يختلف من بلد إلى آّخر، ويختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في أن رئيس الجمهورية يتم اختياره من قبل الشعب، وأن منصبه ليس بمنصب شرفي بل يشارك فعليا في السلطة بما يتيح الدستور له من سلطات، ويختلف عن النظام الرئاسي في كون مجلس الوزراء، رغم كونه معين من قبل رئيس الدولة، يخضع لرقابة المُشرع (البرلمان)، وأن رئيس الوزراء مسئول أمام البرلمان، ويستطيع البرلمان محاسبته وعزله إذا أراد. وبهذا أصبح للرئيس شرعية شعبية انتخابية وله فعالية في تسيير أمور الدولة بما يعطيه الدستور من صلاحيات تختلف من بلد لأخرى دون الدخول في التفاصيل، ويشاركه في هذه الوظيفة رئيس الوزراء(الممثل للحكومة)، ويتبادلوا فيما بينهم- بالإضافة إلى البرلمان- المراقبة والتشريع بنسب مختلفة . فهناك ثلاث جهات على الساحة السياسية تتعاون فيما بينها بما لايعطي مجالا لاستبداد احدهم بالسلطة، أو تحجيم وتسفيه دور أحدهم في إدارة شئون البلاد، وأتصور أن هذا النظام هو الأمثل من ناحية التطبيق في مصر .