اشتراطات الاتحاد الأوروبي للاستيراد في جوهرها لا تختلف عن أي اشتراطات استيرادية في أية دولة في العالم فهي تهدف إلي تحقيق الجودة والأمان الصحي للمستهلكين والحفاظ علي البيئة إلا أن المصدرين المصريين يواجهون منذ تفعيل اتفاق الشراكة الأوروبية أكثر من واقعة محبطة يتم فيها رد شحناتهم المصدرة لعدم مطابقتها لأي من هذه الاشتراطات وهو ما أسهم في ايجاد سمعة سيئة لبعض المنتجات المصرية كالبطاطس مثلاً التي تم رفضها لعامين علي التوالي بسبب العفن البني الضار بالبيئة.. وهو ما أثار تساؤلات عديدة وهي: هل يتعمد الاتحاد الأوروبي فرض اشتراطات بعينها يعلم أن نظم الإنتاج في مصر لن تستطيع تنفيذها بدقة حتي يحد من الصادرات المصرية المنافسة لمنتجاته المحلية كأسلوب للحماية يستخدمه بجوار أساليبه الحمائية المعلنة؟ وما الذي ينقص المنتج المصري للالتزام بشروط الطرف الأوروبي الدقيقة حتي يتمكن من إضاعة الفرصة عليه في تعويق تدفق صادراته؟ بالنسبة للصادرات الزراعية وهي أكثر القطاعات التصديرية التي تعرضت للرفض من الطرف الأوروبي تواجه الصادرات المصرية في هذا القطاع تحدي سياسة "الكاب" (السياسة الزراعية المشتركة لدول الاتحاد الأوروبي) والتي تعتبر المرجع الرئيسي لدول الاتحاد لاتخاذ جميع قراراته بالنسبة لتنظيم استيراد الحاصلات الزراعية.. كما يقول طارق عباس الوزير المفوض التجاري ومدير إدارة الاتحاد الأوروبي بالتمثيل التجاري وهي بالرغم من دخولها ضمن التزامات الاتحاد الأوروبي في منظمة التجارة العالمية إلا أنها تسمح ببعض الاستثناءات الخاصة بدعم الاتحاد الأوروبي للمزارعين المحليين لحماية المنتج المحلي من المنافسة العالمية وهو التوجه الذي بدأ الاتحاد الأوروبي في تغييره الكلام لطارق عباس منذ العام الماضي بعد إعلانه الاتجاه لتخفيض هذا الدعم تدريجياً فيما عرف بمبادرة "جولاي باكيدج". إلا أن الاتحاد الأوروبي يحمي حاصلاته الزراعية كما يضيف طارق عباس بأسلوب آخر من خلال الاشتراطات التي يفرضها علي وارداته من الحاصلات الزراعية والتي قد تؤدي في بعض الأحيان إلي صعوبة نفاذ هذه الحاصلات إلي أسواقه بهدف الحماية، إلا أنه عند نقص انتاج بعض المحاصيل المحلية فإنه يكون أقل تشدداً إزاء هذه الاشتراطات. التساهل في الاشتراطات.. متي؟ وتؤكد قرارات الاتحاد الأوروبي في الأعوام الأخيرة رأي الوزير المفوض طارق عباس، فالعام الماضي أسقط الاتحاد الأوروبي اشتراط تبخير صادرات البرتقال منزوع القشر حتي عام 2006 وهو ما تزامن مع إصابة نسبة كبيرة من محاصيل البرتقال في إسبانيا أكبر مصدر للبرتقال في أوروبا بميكروبات عرضتها للفساد. ويري د. أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والمستشار السابق لوزير التجارة بأن الاتحاد الأوروبي اضطر للتخلي تدريجياً عن دعم مزارعيه بناء علي ضغوط تكتلات الدول النامية بمنظمة التجارة العالمية. ويوضح د. غنيم أن فكرة الاشتراطات البيئية أو أحيناً من خلال الاشتراطات المانعة لأنواع من الواردات الغذائية لوجود احتمالات ضئيلة للإصابة بسببها بأمراض معينة، قد تبدو في ظاهرها غير معوقة للتجارة وهو ما يجعلها غير مخالفة لمبادئ منظمة التجارة العالمية بالرغم من أن الهدف الأساسي من إقرارها قد يكون الحد من الواردات والسبيل لوحيد لتغييرها هو كما يقول د. غنيم الاعتراض عليها في منظمة التجارة العالمية سواء بإثبات بطلان الاحتمالات الضئيلة للإصابة بمرض معين أو طرح أسلوب بديل لتفادي تلويث الحاصلات المستوردة للبيئة من خلال توضيح طريقة استعمالها والتخلص منها وهو الأسلوب الذي تتبعه الدول الكبري المتعاملة مع الاتحاد الأوروبي. ويدلل د. غنيم علي ذلك بالقضية الخلافية الشهيرة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي حول الضرر الصحي من المنتجات الغذائية المعدلة جيناتها وراثياً إلا أن دولة في حجم مصر كما يضيف د. غنيم من الصعب أن تخوض مثل هذه المعارك لضعف قدراتها البحثية مقارنة بالاتحاد الأوروبي وهو ما يجعلها عرضة لفرض أي اشتراطات يرغب الاتحاد الأوروبي في تحقيق أهداف تجارية من ورائها. إمكانية الرد بالمثل! ويشير المستشار السابق لوزير التجارة لقضية شحنات البطاطس المصرية المصدرة لليونان ومدي إمكانية قيام مصر بمقاضاة اليونان دولياً بسبب قصر إدخال شحنات البطاطس علي 4 موانئ يونانية بعد ظهور حالات فقط للعفن البني، ويؤكد أن الاتحاد الأوروبي بقدراته البحثية الضخمة سيقف في هذه الحالة أمام الطرف المصري صاحب القدرات المحدودة ليثبت عدم سلامة الشحنات المصرية وبالتالي صحة قراره مشيراً إلي أن صادرات مصر تمثل أقل من 1% من تجارة الاتحاد الأوروبي بينما تمثل لمصر أكثر من 60% من حجم صادراتها وبالتالي لن تستطيع مصر الوقوف أمام الاتحاد.