أحزن كثيرا كلما اختطف الموت علما من أعلام مصر.. وأحزن أكثر إذا كان الفقيد ممن جمعتني بهم تصاريف الحياة وعرفت عن قرب عطاءه الوافر وكفاءته. لم يكن أحمد زكي فنانا عاديا ولكنه كان أستاذا ومعلما وصاحب مدرسة، وهناك فنانون كثيرون ولكنهم بلا تلاميذ.. وهناك قلة قليلة كان لها دور ورسالة في الحياة. وكان أحمد زكي هذا الفنان الذي انحني له الممثل الكبير روبرت دي نيرو في مهرجان نيودلهي وقال له انحني لهذا الفن العظيم الذي لا يوجد له مثيل في العالم.. نعم أحمد زكي لا مثيل له في العالم. كان أحمد زكي زميل دراسة، كان متواضعا حين عرفته كان إنسانا رقيقا مجاملا، وكان قاسيا صارما مع نفسه، لا يجامل في عمله ومسئولياته وكانت هواياته الجميلة أن يقدم لفن السينما ما لا يستطيع أحد في العالم أن يقدمه. أحزن لما يمثله غيابه من خسارة شخصية بالنسبة لي، وأحزن للخسارة الكبيرة التي تلحق بمصر من انقطاع عطائه وأحزن للافتقاد إلي القدوة التي كان يمثلها الراحل الكبير. ومصابي ومصابكم فادح في علم من أعلام الفن الذي أعطي حياته وجهده لخدمة الفن مدافعا عن حقوق مصر الفنية في العديد من القضايا السينمائية وأثري الشاشة المصرية بالكثير من الأفلام التي تنبض بالإحساس الشعبي العميق فكان الإرهابي، وكان الموظف المغلوب علي أمره في إحدي روائعه "4 في مهمة رسمية"، وكان الضابط القاسي في "زوجة رجل مهم" وكان الضائع في "هيستريا".. الخ من روائع أحمد زكي الذي توج أعماله بتجسيده لشخصية الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس السادات. وقد شاءت لي الأقدار أن أعرف الفقيد العزيز الذي كان زميل دراسة وصديقا وجمعتنا صداقة حميمة، استمتعت خلال اللقاءات العديدة التي جمعتنا بالحديث معه واستفدت من علمه بالفن السينمائي وخبرته واتفقت معه في كثيرمن اَرائه وشواغله وهمومه المهنية والإنسانية. لم تكن تعنيه المادة بقدر ما كان يعنيه قيمة الموضوع وأهميته ومدي عمق المعالجة فيه، وكنت تراه في الاستديو يتابع كل التفاصيل وكل أدوار زملائه كما لو كانت أدواره هو، ولا يترك العمل الذي يعمل به حتي يري الفيلم يعرض علي شاشات السينما ويطل بريق واثق من عينيه وهو يتابع أفلام زملائه وتلاميذه. عاني أحمد زكي في معظم فترات حياته، كان كالقائد الذي يفضل دائما أن يقود معركته دون أي تعال ولا يوجد ممثل أو ممثلة إلا وتعلم من أحمد زكي صدق الأداء والتفاني في حب السينما ابتداء من دراسة السيناريو وانتهاء برشاقة الأداء وعمق الإحساس. كان أحمد زكي طفلا صغيرا محبا لكل ما حوله ومن حوله وقد تنقل بين أداء شخصياته وفي كل شخصية نجد لمسات أحمد زكي وتستطيع أن تعرفها وسط كل هذا الفن العالمي والمحلي فقد كان لأدائه بريق خاص وكان يمنح العمل احتراما وجلالا وقيمة. كان أحيانا يختفي نتيجة مرض عضال فلا تراه ولا تسمع عنه بينما هو يقاوم في صمت نبيل شراسة المرض، ومع ذلك لم نكن نشعر بغيابه فقد كان دائما معنا سواء سافر للعلاج أو ابتعد هنا أو هناك، فقد بقي دائما في قلوبنا وفكرنا فبعض الناس يبقي في الذاكرة شيئا جميلا لأنه لم يكن مجرد شخص عابر ولكنه ترك أشياء كثيرة سوف نذكرها ومن هؤلاء أحمد زكي. رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدم لأمته وألهم أسرته وأصدقاءه وتلاميذه الصبر وعوضنا خيرا في عطائه الباقي وذكراه العطرة.