لماذا كان هذا الاستقبال الباهت لمنطقة التجارة العربية الحرة التي دخلت حيز التنفيذ رسميا مع بداية العام الجديد؟ علي الصعيد الرسمي لم نجد سوي تصريح روتيني منسوب للسيد عمرو موسي الامين العام للجامعة العربية يتحدث فيه عن امنياته الطيبة بمناسبة بدء تنفيذ الاتفاق.. شعبيا لم يكن هناك تقريبا أي رد فعل الي حد ان معظم الصحف العربية التي صدرت في أول يناير لم تذكر حتي أن اليوم هو موعد تدشين الاتفاق، علي صعيد المؤسسات المعنية بتنفيذ الاتفاقية اتحادات الغرف ووزارات التجارة والجمارك لم يصدر أي شيء يشير الي البرامج التفصيلية المتعلقة باستعدادات كل دولة لتنفيذ المطلوب منها تفعيلا لبنود الاتفاق والذي يقضي بالغاء الجمارك كلية علي معظم السلع والخدمات القادمة من الدول السبع عشرة المنضمة للمنطقة الحرة حتي الآن وهذه كلها بالاضافة الي غيرها من امور مؤشرات تبعث علي القلق اكثر مما تشيع التفاؤل بما ستحققه الاتفاقية التي جري الاعداد النظري لها مدة 7 سنوات. في مناسبات موازية كان الاحتفاء باتفاقيات تيسير التبادل التجاري تضم رؤساء الدول كما حدث في منطقة الاسيان والاتحاد الأوروبي وغيرها كما تشكل الجهات المشرفة علي تنفيذ بنود هذه الاتفاقيات فرق عمل وغرف متابعة لحل المشكلات التي تحدث عادة في الايام الاولي من التنفيذ وذلك بالتعاون مع سلطات الاقتصاد والجمارك في كل من هذه الدول المنضمة وعلي العكس من ذلك فإن أول ايام التنفيذ شهد اعتراضا لبنانيا ومطالبة باستثنائه من تنفيذ الاتفاق لمدة 5 سنوات بدعوي ان الغاء الحواجز سيضر بالمنتجات الزراعية والاعتراض اللبناني لن يكون الاخير كما ان معوقات التنفيذ دون اعلان ربما ستصبح هي الاقرب في ممارسات الأيام القادمة.. لسوء الحظ. والحقيقة ان الدول في زماننا كالتاجر تأخذ وقتا طويلا في المفاوضات المتعلقة بالتسهيلات التجارية وتقوم عبر خبرائها بدراسة ومناقشة كل الجوانب المتعلقة بالاتفاق قبل التوقيع الرسمي عليه ولكنها بعد التوقيع تلتزم كلية بما وقعت عليه غير ان الحالة العربية مع اتفاقية التجارة الحرة تبدو مختلفة وفقا لرصد طبيعة وطريقة المفاوضات التي جرت قبل التوقيع، ودون الدخول في تفاصيل كثيرة فإن المعلن هو ان تدخل رؤساء الدول رغم البيروقراطية المحلية في كل دولة علي الاسراع بالتوقيع وتجاوز صعوبات المفاوضات وهو ما حدث غير ان التنفيذ نفسه سيكون مسئولية هذه البيروقراطية الوطنية اذا جاز التعبير وهناك مبعث القلق، ولأن القضية حيوية وبالغة الاهمية علي الصعيد الاستراتيجي وعلي صعيد دوائر الأعمال فإن هناك رغبة حقيقية في انجاح العمل بنظام المنطقة الحرة برغم حالة الاستخفاف التي استقبلت بها، وبعيدا عن الشعارات والجمل الرنانة فإن خبراء الاقتصاد يؤكدون علي أهمية دعم المبادلات التجارية الاقليمية كوسيلة اساسية لتحسين معدلات النمو في كل دولة عربية وتنشيط الاقتصاد الوطني لكل دولة وهذا ليس بدعة فكل الدول التي حققت تقدما خلال العقود الخمسة الماضية بدأت بتنمية تجارتها مع الاقليم الذي تعيش فيه بدءا من اليابان فور انتهاء الحرب العالمية الثانية ثم تجربة الصين العملاقة والنمور الآسيوية وتجربة كندا في أمريكا الشمالية التي نمت وترعرعت علي أكتاف الاقتصاد الأمريكي وبدرجة أقل دول أمريكا اللاتينية وحتي أوروبا والتي يبلغ حجم التجارة البينية في دول الاتحاد الأوروبي قرابة 70% من تجارتها مع العالم وهكذا فإن تعزيز التجارة الاقليمية وتبادل الاستمارات والاعمال اضحي مبدأ أساسياً في اقتصاديات التنمية الحديثة، وربما يسبب الميراث السلبي للعمل العربي المشترك بادرت مصر في دعوتها لدعم التجارة البينية عبر مرحلة التيسير ثم الدخول في المنطقة الحرة بفصل هذه المفاوضات عن المشاركات العربية الاخري واعتماد مبدأ المنفعة والمصلحة بديلا عن الفكر العاطفي الذي شاب سلسلة من الاتفاقيات العربية منذ نشأتها كتجمع اقليمي عام 1947 وقد تحقق قدر من النجاح النظري في هذا الشأن الا ان الارقام مازالت تراوح مكانها فيما يتعلق بالتجارة البينية التي تتراوح بين 7 و 9% من جملة التجارة العربية مع العالم والتي تصل الي 553 مليار دولار تمثل اقل من 3% من تجارة العالم.