كأنه إعلان حرب! في خطابها أمام مجلسي اللوردات والعموم مجتمعين، في مقر البرلمان بوستمنستر فجرت الملكة اليزابيث الثانية قضية الأمن في بريطانيا وأشاعت اشعاعات الرعب والخوف في المجتمع البريطاني.. حكومة، وشعبا! ماذا قالت الملكة لممثلي الشعب في هذا اللقاء المحموم؟! أعلنت وكأنها تتحدث بلسان توم ريدج وزير الأمن الداخلي الأمريكي: "تعترف حكومتي بأننا نعيش أوقاتا من الريبة والشك العالمي، يكتنفها تهديد متزايد من الارهاب الدولي والجريمة المنظمة وعلي الحكومة أن تتخذ من الاجراءات ما يوفر الأمن للجميع عليها أن تشرع قانونا لاستصدار بطاقات قومية للأفراد، وتنشر المقترحات اللازمة لدعم مواصلة المعركة ضد الارهاب في المملكة المتحدة والعالم وعليها كذلك أن تصدر التشريعات اللازمة لإنشاء وكالة لمحاربة الجريمة المنظمة، وتقوية الشرطة وغيرها من السلطات المنوط بها مكافحة الجريمة بوجه عام"! وقالت جلالة الملكة: "سوف تعمل حكومتي علي استصدار التشريعات اللازمة لمعالجة اساءة استعمال المخدرات، والجرائم التي تترتب عليها، كما تعالج اختلال النظام والعنف الناجم عن اساءة استعمال الكحول"! وواصلت الملكة: "سوف تعمل حكومتي علي استصدار تشريعات تعمل علي تخفيض "جرائم العود" وذلك بتحسين شئون إدارة العائدين للجريمة ومشروع قانون آخر لمعالجة جرائم الأحداث من خلال إجراءات اعادة تأهيل رشيدة وسياسة عقاب فعالة"! وقالت جلالتها وهي تحكم قبضة الأمن وسياسة العقاب..: "سوف يتم تقديم مشرروع قانون لاستحداث جريمة جديدة علي قانون العقوبات، هي: جناية القتل الجماعي" وهي بدع غير مسبوق في علوم الاجرام والعقاب! واستقبلت حكومة توني بلير خطاب الملكة بتصفيق ساخن وترحاب حار.. قالوا: "إن الأمن احتل مكان القلب في خطاب الملكة"! واستندوا إلي "تويجهاتها السامية" ليخلقوا مناخا من الرعب السياسي، ومن الاقلام لاستحداث طوفان من التشريعات وإجراءات تقييد الحرية ودق مسامير "حكم الفزع"! وعلي الضفة الأخري لنهر التيمز، أدعي المحافظون والديموقراطيون الليبراليون أن توني بلير ووزراءه يروجون لهجمة ارهابية علي غرار "صواعق مانهاتن" في محاولة لفرض ورقة "القانون والنظام" في الانتخابات العامة المقبلة، مايو ،2005 وهي ذات الورقة التي أعادت جورج بوش إلي البيت الابيض لفترة ثانية! ومن ناحيتهم، بادر وزراء الحكومة إلي نفي الاتهام الموجه إليهم بأنهم مروجون للخوف وقالوا: إننا فقط نستجيب لأجندة الشعب!! غربان البيت الأبيض! سارع ديفيد بلنكيت وزير الداخلية البريطاني، إلي تجهيز مشروع بطاقة الرقم القومي ليتم تنفيذه قبل الانتخابات وبادر علي الفور إلي نشر مشروع وكالة الجريمة المنظمة، أو ال(FBI) البريطانية! وتؤكد مصادر الأمن أن ثمة حملات شرطية سوف تطارد جرائم السلوك غير الاجتماعي في الشوارع والاماكن العامة، وتوقع الغرامات الفورية علي مرتكبيها من الاحداث.. وتخضع للاختبار المشتبه فيهم بتعاطي المخدرات! وثمة ترسانة من 29 مشروع قانون، تتعلق بالسلامة والأمن سوف يعرض بعضها علي البرلمان دون إبطاء، والبعض سوف يؤجل إلي ما بعد الانتخابات العامة! ويقول بيتر هاين، رئيس مجلس العموم - النواب - إن عمليات المخابرات، خلال هذا العام أثبتت أن هناك نشاطا ارهابيا داخل بريطانيا، تتولاه خلايا نائمة تنتسب إلي تنظيم القاعدة، لكنها لم تتحد بعد في هجمات محددة.. ويضيف دفاعا عن حزبه الحاكم: "إن دعم الخدمات الأمنية، والتشكيلات المقاومة للارهاب، سوف يخفض المخاطر الأمنية في ظل حكومة العمال"! بينما ينتقد تشارلز كنيدي، زعيم الليبراليين الديموقراطيين، حكومة بلير لاتجاهها المحموم إلي اصدار حزمة من التشريعات التي تقوض التطور الليبرالي في المجتمع البريطاني، والذي وصل إلي حد السماح بالزواج المثلي.. ويتهم ديفيد بلنكيت وزير الداخلية بأنه نسخة مستنسخة من المحافظين الجدد الذين يعششون كالغربان في البيت الأبيض! ليام فوكس نائب رئيس حزب المحافظين، يحقن الموقف باتهام مباشر لحكومة بلير بأنها تشجع نشر أجواء الخوف لتحصد ميزة انتخابية.. ويقول: "إنه اتجاه خسيس وجدير بالازدراء تقوده حكومة بائسة"! إنهم يقوضون الديموقراطية! وفي كلمة له أمام مجلس العموم، نفي توني بلير أن حكومته تروج للخوف وتنشر الفزع وقال إن المخاطر التي تتعرض لها بريطانيا وغيرها من دول العالم الرئيسية، هي مخاطر حقيقية لا يشوبها تهويل.. وأنه مصر علي البناء فوق نتائج التشريع الذي سيعاقب علي تجاوز آداب السلوك الاجتماعي، حتي يعود الاحترام والمسئولية إلي الشارع البريطاني! واعترف بلير بأن مشروع اصدار البطاقات القومية رغم أهميته فإنه إجراء فات موعده لماذا؟ مع الارهاب والهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة، اثبات الشخصية سلاح فائق التقنية والتزوير! وانبري ديفيد بلنكيت وزير الداخلية لنفي وصف "سياسة الخوف" عن حزمة مشروعات القوانين التي قدمها بالفعل للبرلمان.. وصحح نعتها بأنها: إجراءات تستجيب للفطرة السليمة، دفاعا عن المجتمع.. بكلماته: "إن انعدام الأمن يتصاعد، لأن الجريمة انتقلت بجرأة وسفور من المجهول إلي المعلوم.. وجرائم سفك الدماء الناجمة عن تعاطي الخمور تتعاظم في الشارع البريطاني، ومثلها جرائم الارهاب الغائبة الصورة الحاضرة الأثر"! مايكل هاورد، زعيم حزب المحافظين المعارض، اتهم حكومة بلير بأنها مشغولة البال بأشياء ثلاثة: الكلام، التشوش الذهني، مانشتات الصحف.! ووجه كلامه إلي توني بلير متحديا: "بريطانيا تريد أن تعرف منك: متي تنفذ وعدا؟!".. رد بلير غاضبا ومغاضبا يتهم المحافظين بأنهم "يروجون لسياسة الخيال وأحلام اليقظة"! .. إنما أصدق مداخلة في الموضوع كله، صرح بها لصحيفة الاندبندنت سامي شاكر ابارتي، مدير حقوق الانسان بجماعة الحرية.. يرسمها بكلماته: "كلام صارم.. تشريع أكثر خشونة.. هذا كله رخص رخيص.. شيء لا يجعلنا أكثر أمنا من الارهاب، والجريمة وكل الاسباب الأخري للخوف.. انه فقط يقوض الديموقواطية التي تزعم هذه الحكومة، وحلفاؤها عبر الاطلنطي أنهم يريدون حمايتها"!!