بأوراق العالم الرسمية.. النساء ملكات متوجات لا تمييز.. لا استبعاد.. لا تقييد للمرأة في الوظائف العامة هكذا صاغ واضعو اتفاقية التمييز ضد المرأة بنودها. وكذلك رقت قلوب واضعي قوانين العمل في مصر خوفا علي أيدي النساء الناعمة فحظروا تشغيلهن في أعمال شاقة وانفرطت قلوبهم خشية علي أحوال النساء فمنعوا عملهن من الساعة الثامنة مساء وحتي السابعة صباحا مع التأكيد علي أنهن لا تعملن في أعمال غير أخلاقية وهذا كله اعتبره أنصار عدم التمييز في العالم تمييزا في حد ذاته لغير المرأة ويمنعها من الترقي ويضعف فرصها في الحصول علي أجر أكبر. وبينما الطرفان الدولي والمحلي مشغولان بالتحاور حول قضايا التمييز من عدمه انصرفت النساء في مصر عن هذا الجدل بعيدا عن العمل الرسمي حيث الاتفاقيات والقوانين واندرجن في العمل غير الرسمي حيث لا تحميهن إلا سواعدهن فقط، تاركات وراءهن تلاً من الأوراق والمواثيق لأصحابها يبلونها ويشربون مياهها إن صلحت. النساء انصرفن إلي "مر" العمل غير الرسمي بعد أن ذقن الأكثر مرارة وبعد أن سددت أبواب العمل الرسمي بفعل الخصخصة ومزاحمة الرجال وكان الرجال في الحقيقة هم الأسرع والأكثر قدرة علي التقاط اشارات السوق الحر. فسرعان ما استجابوا لاحتياجات سوق العمل. هكذا رصدت ولاء علي البحيري أحوال سوق العمل وقدمتها أمام مؤتمر "البرلمان والسياسة الاجتماعية" الذي نظمته جمعية ابن رشد للتنمية بالتعاون مع مؤسسة فريد ريشن ناومان خلال الأيام الماضية وقالت: إن أكثر المهن نموا في التسعينات هي المهن الفنية والتخصصية ثم البيع والتسويق والمهن الخدمية وهذه المهن بعينها هي التي شهدت أعلي معدلات نمو بالنسبة للذكور وظلت قطاعات مثل التمويل والتأمين والعقارات متاحة أمام عدد قليل من النساء. وأكدت علي أن هناك حالة من التمييز لصالح الرجال في القطاعين العام الخاص هي التي جعلت المرأة تتجه إلي العمل غير الرسمي حيث انخفض معدل نمو العمالة في القطاع العام للاناث بنسبة 8% أكثر من الذكور اللذين بلغت هذه النسبة لديهم 3% وانخفض معدل توظيف الاناث في القطاع الخاص بحوالي 15% بينما الانخفاض في توظيف الرجال بلغت نسبته 7% خلال الفترة من (1990 - 2001) وتشير الاحصاءات إلي أن إجمالي الفرص التي اتيحت في المؤسسات الخاصة والمشتركة وصل إلي 998 ألف فرصة عمل في الفترة (2002 - 2005) لم تحظ النساء سوي ب12% من هذه الفرص. مهن مغلقة وتقول إن المرأة ظلت حبيسة مهن بعينها لم تستطع الخروج عنها مثل التدريس والخياطة والتمريض والمحاماة وتصفيف الشعر والمرشدة السياحية والهندسة في حين ظلت مهن أخري مغلقة علي الرجال مثل قيادة القطارات والسيارات نصف النقل وتشغيل الماكينات والتنقيب عن البترول وأعمال التجارة والنقاشة واصلاح الأجهزة الكهربائية وتؤكد علي أنه بالتأكيد ليس هناك قرارات مكتوبة هي التي جعلتنا لا نسمع يوما عن امرأة تولت منصب رئيس الوزراء أو محافظ البنك المركزي أو رئيس جامعة أو محافظ ولكنها هي الاعراف والثقافة السائدة. وربما قراءة في ملف شكاوي المرأة لدي المجلس القومي للمرأة كافية لكي نتعرف علي أن 40% من شكاوي المرأة هي من ظروف العمل التي تعاني منها. إلا الفلاحات وبينما يبح صوت المدافعين عن عدم التمييز بين الرجل والمرأة مازالت النساء في مصر يعانين من التمييز بين النساء ذاتهن داخل نفس الصف حيث جاء قانون العمل الموحد بنص يحرم النساء العاملات في الفلاحة من مظلة القانون ويقول محمود جبر إن هذا النص يحرم فئة كبيرة من العمالة من حق قانوني كفله لاخريات ويعني تمييزا لصالح قطاعات اقتصادية بعينها علي حساب قطاع الزراعة وأشار إلي أن هذه الفئة يصل تعدادها أكثر من 2 مليون نسمة وقال: إن هذا النص يتجاوز جميع المعايير الدولية التي تنص علي المساواة في الحقوق. إلي جانب ذلك هناك تمييز في الحقوق بين المرأة العاملة في الدولة وبين زميلتها في القطاع الخاص حيث إن الأولي لها الحق في اجازة ثلاثة أشهر بعد الوضع بينما هذه الاجازة مدفوعة الأجر لا تزيد علي 40 يوما في القطاع الخاص وكذلك سحب قانون العمل الموحد الكثير من الحقوق التي كانت تتمتع بها المرأة مثل تخفيض عدد المرات التي من حقها الحصول فيها علي أجازة وضع طوال فترة عملها وذلك من ثلاثة مرات إلي مرتين فقط. كما أن القانون حرمها من الحصول علي أجازة وضع طوال العشرة شهور الأولي من عملها بينما القانون القديم كان يقتصر علي ستة أشهر فقط.